التراث العالمي أسير المناخ المتطرف.. الأزمة والحلول الممكنة
تعمل مواقع التراث العالمي كمراصد لتغير المناخ لجمع وتبادل المعلومات حول ممارسات الرصد والتخفيف والتكيف.
وتقول منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إن الشبكة العالمية للتراث العالمي تساعد أيضًا في رفع مستوى الوعي حول آثار تغير المناخ على المجتمعات البشرية والتنوع الثقافي، والتنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي، والتراث الطبيعي والثقافي في العالم.
ومن هذا المنطلق فإن تأثير تغير المناخ على مواقع التراث العالمي تبدو مشكلة وأحد التداعيات الكارثية ولكنها أيضا قد تكون بوابة تساعد في إيجاد الحل وتوجيه جهود مجابهة التغير المناخي عالميا، تأثر ممتلكات عبر فهم هذه التأثيرات والاستجابة لها بشكل فعال.
التراث العالمي في خطر؟
لا شك أن تغير المناخ بات أحد أهم التهديدات لممتلكات التراث العالمي، مما قد يؤثر على قيمتها العالمية الاستثنائية ، بما في ذلك سلامتها وأصالتها، وقدرتها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستوى المحلي.
وتعانى ممتلكات التراث العالمي في كل جزء من العالم من آثار تغير المناخ سواء من الحرائق المتزايدة إلى الفيضانات والجفاف والتصحر وذوبان الجليد وارتفاع منسوب البحر، وأيضا زيادة تواتر الظواهر الجوية المتطرفة.
ووفقا لليونسكو، يتعرض واحد من كل ثلاثة مواقع طبيعية وواحد من كل ستة مواقع للتراث الثقافي للتهديد حاليا بسبب تغير المناخ.
وقال تقرير للمنظمة الدولية إنه "في الأشهر والسنوات الأخيرة، رأينا مواقع التراث الثقافي والطبيعي، بما في ذلك العديد من مواقع التراث العالمي لليونسكو، مهددة بحرائق الغابات والفيضانات والعواصف وأحداث التبييض الجماعي."
وقد وجد تقرير اليونسكو، الذي جاء بعنوان: "غابات التراث العالمي: أحواض الكربون تحت الضغط" أن 60 في المائة من غابات التراث العالمي مهددة بالأحداث المتعلقة بتغير المناخ.
كما تتعرض المواقع البحرية، على نحو متساو، للضغط بسبب تأثير تغير المناخ.
وحذرت اليونسكو من أن ثلثي مخازن الكربون الحيوية هذه- والتي تعد موطنا لـ 15 في المائة من أصول الكربون الأزرق العالمية - تواجه حاليا مخاطر عالية من التدهور، مشيرة إلى أنه إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء، قد تختفي الشعاب المرجانية في مواقع التراث الطبيعي بحلول نهاية القرن.
فعلى سبيل المثال تتأثر منطقة البتراء التاريخية في الأردن بالآثار الضارة لتغير المناخ والظواهر الطبيعية مثل الفيضانات والانهيارات الأرضية، والتي تشكل خطرًا على التراث الثقافي والزوار بسبب زيادة مستويات التعرية ومخاطر سقوط الصخور.
وتكشف دراسة سابقة أعدها فريق من خبراء مخاطر المناخ والتراث، ونشرت بدورية ""Nature Climate Change أن ارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي إلى مضاعفة عدد مواقع التراث الطبيعي والثقافي المعرضة لخطر الفيضانات الساحلية الخطيرة في أفريقيا إلى أكثر من ثلاثة أضعاف.
وقالت الدراسة إنه بحلول عام 2050، قد يكون أكثر من 190 من هذه المواقع في خطر داهم.
الحل من رحم الأزمة
حسب إحصاءات المركز العالمي لإدارة البيئة في جنيف (www.genevaenvironmentnetwork.org) يمتلك العالم 1157 موقعًا للتراث العالمي (900 موقع ثقافي ، و 218 موقعًا طبيعيًا ، و 39 موقعًا مختلطًا) في 167 دولة ؛ البلدان التي بها أكبر عدد من المواقع هي إيطاليا (58) والصين (56) وألمانيا (51) وفرنسا (49) وإسبانيا (49) والهند (40) والمكسيك (35) والمملكة المتحدة (33) وروسيا. (30).
ويمكن للتراث الثقافي العالمي والبيئي يمكن أن ينقل المعرفة التقليدية التي تبني القدرة على الصمود من أجل التغيير القادم وتقودنا إلى مستقبل أكثر استدامة، ولكن كيف؟
وتوصي التقارير والدراسات الدولية باستكشاف نهج عالمية جديدة تركز على الناس والسياسات الدولية مواجهة تداعيات التغير المناخي وإلى نهج أكثر استباقية، بما في ذلك الجهود الوقائية لمنع الضرر بمواقع التراث العالمي.
وتركز توصيات السياسة الحالية على التجديد أو الدفاع، وتعارض التغيير المادي.
ورغم أن إضافة اليونسكو لموقع إلى "قائمة الخطر" أمر غير مرغوب فيه قد يقلل من عائدات السياحة ويثني الممولين عن دعم جهود الإنقاذ، إلا أنه يعد مؤشر لرصد الخطر لا غنى عنه يدفع لإيجاد الحلول الممكنة بما يخدم تلك المواقع وغيرها.
وهنا تحديد يبرز مفهوم جديد في علم المناخ وهو "المرونة البيئية لمواجهة تغير المناخ" والذي يعتمد على القدرة على البقاء من خلال التغيير والتكيف، وبذلت جهود لتفعيل المفهوم أو بالأحرى النهج الجديد لحماية مواقع التراث العالمي، لمدن مثل البندقية، ومباني تاريخية مثل دار أوبرا سيدني الأسترالية التي كانت في طريقها إلى التضرر.
وضمن آليات هذا النهج الجديد وضع قائمة بالأماكن المعرضة للخطر، وإنشاء قاعدة بيانات قابلة للبحث عن تأثيرات المناخ وطرق التدخل.
ويقول الدكتور الحسن أوراغ الأستاذ الباحث في كلية العلوم بجامعة محمد الأول في وجدة إن العديد من الأماكن الأثرية تتأثر بعاملين مهمين هما تخريب الإنسان أو التغيرات المناخية.
وأشار إلى أن السيول على سبيل المثال قد تؤدى إلى تلف في مواد البناء الأصلية، التي لا تتحمل كميات كبيرة من المياه وجريانها القوي، فعلى سبيل المثال أسفرت الفيضانات التي شهدها الجنوب المغربي، خلال عام 2015 عن سقوط أجزاء من مبان ومنشآت أثرية تاريخية.
وهنا في المثال الأخير وجب التدخل الإنساني إما بنقل الآثار من مواقع السيول والفيضانات بشكل احترافي يحافظ على قيمتها التاريخية كما حدث في التجربة المصرية عقب غرق معبد أبي سنبل ونقله لاحقا إبان بناء السد العالي على نهر النيل في جنوب البلاد في ستينيات القرن الماضي.
اجتماع الرياض
اعتمدت الجمعية العامة للدول الأطراف في اتفاقية التراث العالمي في عام 2007 لوثيقة سياسات بشأن آثار تغير المناخ على ممتلكات التراث العالمي عرفت باسم "وثيقة السياسة".
وأعلن المجلس العالمي للمعالم والمواقع (إيكوموس) عن التراث الثقافي وحالة الطوارئ المناخية في عام 2020 ، معترفا بإمكانيات التراث الثقافي لتمكين إجراءات مناخية شاملة وتحويلية وعادلة من خلال حماية جميع أنواع التراث الثقافي من التأثيرات المناخية الضارة ، وتنفيذ الاستجابات الواعية بالمخاطر للكوارث ، تحقيق التنمية المستدامة المقاومة للمناخ ؛ وهذا من منظور الإنصاف والعدالة.
ويتضمن قرار الجمعية العامة للمجلس 2020 هذا العمل بالتضامن مع الشعوب الأصلية والمجتمعات الضعيفة والخطوط الأمامية ؛ مدفوعة بحوكمة مناخية تشاركية ؛ حقوق الإنسان المراعية للمنظور الجنساني ، والنهج القائمة على الحقوق التي تساهم في التغيير التحويلي ، وتمكين التكيف مع المناخ ، وتقديم مسارات مقاومة للمناخ لتعزيز التنمية المستدامة.
وووضعت إيكوموس خطة علمية ثلاثية 2021-2024 بشأن النهج التي تركز على الناس للتراث الثقافي.
وأكدت اليونسكو على أهمية التعاون المعزز مع الشركاء والدول الأعضاء بغرض تلبية الحاجة المتزايدة إلى تعزيز رصد تأثير تغير المناخ على التراث العالمي لليونسكو، من خلال بيانات أكثر دقة وذات صلة.
وفي هذا السياق سيتم في اجتماع يعقد في العاصمة السعودية الرياض قي سبتمبر/أيلول المقبل مراجعة أكثر من 200 موقع للتراث العالمي لتقرير أيها ستضيف إلى قائمة المخاطر، من قبل لجنة من 21 دولة عضوًا في اليونسكو.
بالنسبة لما يقرب من 10 من هذه المواقع، يوصي الخبراء الدول الأعضاء بوضعها على قائمة المخاطر ، من بينها بالفعل المركز التاريخي لأوديسا بأوكرانيا، ومدينة تمبكتو في مالي، والعديد من المواقع في سوريا والعراق وليبيا.
ومن المواقع الأخرى الموصى بوضعها على قائمة المخاطر هذا العام مدينتي كييف ولفيف في أوكرانيا.
صيانة التراث العالمي بحاجة لتضافر عالمي ولا يكفيها جهود اليونسكو التي تتولى جانبا مهما ومؤثرا يتعلق بالتحذير واقتراح الحلول، ومنها تحذير خبراء المنظمة الدولية مؤخرا بإضافة البندقية وبحيرتها إلى قائمة التراث العالمي المعرض للخطر لأن إيطاليا لا تفعل ما يكفي لحماية المدينة من آثار تغير المناخ والسياحة الجماعية.