الإمارات تدعم مشاريع صون التراث العالمي في أفريقيا
أعلنت دولة الإمارات ممثلة بوزارة الثقافة والشباب وبالتعاون مع وزارة الخارجية، الخميس، تقديم دعم مادي لمشاريع تستهدف حفظ التراث العالمي والوثائق وتنمية وتأهيل القدرات والكوادر في أفريقيا.
يأتي هذا بالشراكة مع التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع "ألف"، والصندوق الأفريقي للتراث العالمي.
جاء ذلك خلال فعالية أقامتها المجموعة الأفريقية لدى اليونسكو في مقرّ المنظمة بالعاصمة الفرنسية باريس، وبالتزامن مع الاحتفال بيوم أفريقيا الذي يوافق 25 مايو/أيار من كل عام وأسبوع أفريقيا، بحضور الشيخ سالم بن خالد القاسمي، وزير الثقافة والشباب الإماراتي، وفيرمين إدوارد ماتوكو، مساعد المدير العام لليونسكو لأولوية أفريقيا والعلاقات الخارجية، وسوايبو فاريسو، المدير التنفيذي للصندوق الأفريقي للتراث العالمي، وفاليري فيرلاند، المدير التنفيذي للتحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع "ألف"، إلى جانب عدد من السفراء والمندوبين الدائمين ومندوبي الدول الأفريقية لدى اليونسكو، وممثلين عن المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص.
ويسهم الدعم المقدم من الإمارات في تنفيذ مشاريع وبرامج لبناء القدرات وتعزيز المهارات للمناطق المستهدفة يقوم عليها كل من الصندوق الأفريقي للتراث العالمي الذي حصلت الإمارات على العضوية البلاتينية فيه، وهو منظمة حكومية دولية تم تأسيسها عام 2006 من قبل الاتحاد الأفريقي واليونسكو لدعم حفظ وحماية التراث الثقافي والطبيعي في أفريقيا.
ويكمن الهدف الأساسي للصندوق في مواجهة التحديات التي تواجهها الدول الأفريقية الأعضاء فيه في تنفيذ اتفاقية اليونسكو للتراث العالمي لعام 1972 وخاصة ما يتعلق بتمثيل المواقع الأفريقية على قائمة التراث العالمي وحماية هذه المواقع وإدارتها والحفاظ عليها.
وسيعمل التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع "ألف"، الذي تُعدُّ الدولة عضواً مؤسساً له بالتعاون مع جمهورية فرنسا في العام 2017، على تنفيذ ثلاثة مشاريع في كل من السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا.
وأكّد الشيخ سالم بن خالد القاسمي التزام الإمارات بصون التراث الإنساني وحمايته بمختلف أشكاله، وتعزيز الشراكات مع المنظمات الدولية الفاعلة في هذا المجال، إيمانًا بأهمية الحفاظ على هذا التراث للأجيال المقبلة، والدور الذي يلعبه في تحقيق مزيد من التقارب بين الشعوب في إطار حوار الثقافات، وإرساء قيم التسامح والتعايش والسلام".
وقال الشيخ سالم بن خالد القاسمي: "للعمل على صون التراث العالمي في أفريقيا أهمية خاصة، لما تتمتع به هذه القارة من زخم ثقافي وإرث حضاري، يشكل جزءًا هامًا من تاريخ البشرية وثقافتها، ولذلك فإن الحفاظ على هذه المقدرات يدعم بصورة أساسية الحفاظ على هويتها وجذورها الثقافية. يمكن لجهود الحفاظ على التراث أن تحدث أثرًا اجتماعيًا واقتصاديًا كبيرا وتؤدي إلى التنمية المستدامة من خلال تعزيز المجتمع المحلي وتمكين أفراده وتنشيط السياحة".
وأضاف: "نحرص من خلال هذه الجهود إلى تنفيذ ما هو أبعد من عمليات ومشاريع الحفاظ والترميم في قارة أفريقيا، حيث نسعى لأن تكون هذه المشاريع مستدامة وتسهم في تنمية القدرات وخلق فرص عمل لأبناء المجتمع المحلي، وإشراك أصحاب المواهب والمهارات الإبداعية في تلك المشاريع".
وأشار إلى أن من أهم الأسباب التي دعت دولة الإمارات إلى العمل على هذا المشروع في هذا الوقت هو التأثير الكبير للتغير المناخي على التراث المادي وغير المادي في أفريقيا، وذلك ضمن توجهات دولة الإمارات واستراتيجياتها في إطار إعلان العام 2023 عاماً للاستدامة، واستضافتها مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28 في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري، ودوره كمنصة عالمية لحوار يُعنى بالثقافة والمناخ وأثر ذلك على التكوين البيئي المجتمعي الثقافي عموماً.
من جانبه، قال الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، وزير دولة: "نحرص على التعاون مع المؤسسات والهيئات الدولية مثل التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع (ألِف)، والصندوق الأفريقي للتراث العالمي، ويسعدنا الإعلان عن إطلاق صندوق مخصص لحماية المواقع الأفريقية التراثية في قارة أفريقيا وتسجيلها في قوائم اليونسكو، تجسيدا لرؤيتنا واهتمامنا الكبير بالمساهمة في تمكين المجتمعات المحلية، وتحفيز الابتكار، وخلق فرص مستدامة من شأنها أن تساهم في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وبهذا لا نعزز نسيج الهوية الثقافية فحسب، بل ندعم التنمية الاجتماعية والثقافية أيضاً، من خلال تعزيز بيئة منسجمة للتعايش السلمي".
وأضاف الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان: "أن إطلاق هذا الصندوق في أفريقيا، له أهمية ثقافية كبيرة، إذ إننا لا نحتفي من خلاله اليوم بالثقافة الأفريقية الحية وروحها النابضة فحسب، بل هو يوم نحتفل فيه أيضاً بالذكرى الستين لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، المعروفة اليوم باسم الاتحاد الأفريقي، لما لهذا التعاون التاريخي من دور في تعزيز وتظافر الجهود للحفاظ على تراث أفريقيا الثري واستدامته".
وللإمارات جهود سابقة في دعم ملفات التراث المادي وغير المادي في أفريقيا، ففي شهر نوفمبر من عام 2022 قامت وزارة الثقافة والشباب ومن خلال اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم بتوقيع مذكرة تفاهم مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" حول مشروع تسجيل الألعاب التقليدية الأفريقية على قوائم التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الإيسيسكو، وقوائم اليونسكو للتراث العالمي. وفي يناير من العام الجاري 2023، أعلنت الوزارة عن توقيع اتفاقية مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو"، بهدف دعم مجموعة الدول العربية الأفريقية لتقديم ملفات مشتركة للتسجيل ضمن القوائم التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية لدى اليونسكو.
من جانبه، قال الدكتور توماس كابلان، رئيس مجلس إدارة مؤسسة "ألف": "قامت دولة الإمارات - العضو المؤسس والرائد عالمياً في حماية التراث الثقافي بجهود كبيرة في دعم المؤسسة منذ بداياتها قبل حوالي ست سنوات، والشراكة الطموحة التي نبدأها اليوم بحضور الشيخ سالم بن خالد القاسمي، وزير الثقافة والشباب بمثابة إعادة تأكيد لدعم الدولة الملحوظ للتعددية التي يجسدها التحالف، وهو ما يؤكد العمل الدؤوب والنتائج الملموسة والمرونة التشغيلية".
وأضاف: "تسلط جهودنا المشتركة الضوء بشكل واضح على الضرورات الملحة لحماية التراث الثقافي الغني والمتنوع للقارة الأفريقية، مع إيلاء الأهمية لحماية المواقع والمعالم التراثية في السودان وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية التي تعيش تحديّات الصراع وتغير المناخ".
وقال سوايبو فاريسو، المدير التنفيذي للصندوق الأفريقي للتراث العالمي: "نحن على ثقة بأن دعم وزارة الثقافة والشباب في دولة الإمارات سيمكّننا من تقديم خدمات أفضل للقارة، ويضمن لنا تنفيذ اتفاقية التراث العالمي في أفريقيا والتي تشتمل على برامج بناء القدرات والمهارات البشرية وإدارة المخاطر والسياحة التراثية، كما سيعزّز هذا الدعم القيّم من حكومة الإمارات قدرتنا على إحداث تأثير طويل المدى بما يتعلّق بإدراج المواقع الأفريقية في قائمة التراث العالمي والحفاظ عليها وإدارتها بشكل مستدام".
وأشار إلى أن الفرص تظل متاحة لأفريقيا لتعزيز تراثها الثقافي والطبيعي من خلال الجهود المبذولة من قبل صندوق التراث العالمي الأفريقي وعبر الشراكات المثمرة مع الحكومات والمجتمعات وقادتها بما في ذلك الشباب.
وسيتم العمل على هذه المشاريع بالتنسيق مع الحكومات المحلية، ومن خلال شركاء محليين ودوليين، حيث تشمل المشاريع الجارية التي ستستفيد من الدعم الذي تقدّمه الدولة مشروع "إحصاء التراث الثقافي الوطني لجمهورية الكونغو الديمقراطية"، والذي يُنفّذ على مرحلتين. وقد تم الانتهاء من مرحلته الأولى بمنحة من ألف وبدعم من وزارة الثقافة والشباب وبمساعدة المجلس العالمي للمعالم والمواقع "إيكوموس" حيث ساهم المشروع حتى الآن بتدريب 29 متخصصاً من المؤسسات ذات الصلة في "الكونغو" بما يتعلّق بمهارات التوثيق وإعداد القوائم الخاصة بالجرد، حيث من المقرر أن يتم تنفيذ المشروع في العام 2024.
من جهة أخرى سيتم تخصيص مبلغ كبير من الدعم تجاه جهود ترميم أقدم مسجد في السودان، يقع داخل الموقع الأثري لمدينة دنقلا العجوز في السودان، والتي أدرجت ضمن القائمة المؤقتة للتراث العالمي لليونسكو، يشرف على تنفيذه جامعة وارسو – بولندا، بالتعاون مع الهيئة الوطنية السودانية للآثار والمتاحف. وقد بدأ العمل على مشروع ترميم المسجد في وقت سابق من هذا العام، وسوف يستمر العمل فيه لثلاثة أعوام، ليوفر فرصاً للتدريب أثناء العمل للخبراء السودانيين، ويتيح 60 فرصة عمل لسكّان المدينة.
ومن أبرز الجهود التي ستقوم بها الدولة في إثيوبيا ضمن هذا المشروع هو الحفاظ على كنيسة يمرحانا كريستوس، التي تعتبر واحدة من أكثر المواقع رمزية في البلاد وتقع في منطقة أمهرة، وتضمّ قصراً وكنيسة يرجع تاريخهما إلى القرنين الحادي والثاني عشر.