«فقد بريقه ومعقله وممره».. حزب الله في 2024 «من الاتصال إلى الانفصال»
في بدايات عام 2024، كان حزب الله اللبناني رقما مهما، وفي نهاياته بات دوره هامشيا، فما المحطات التي مر بها بين الدورين؟
البداية كانت في 8 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023، حين قرر حزب الله الالتحاق بـ"حرب إسناد"، لغزة بعد يوم واحد من بدء إسرائيل الحرب على قطاع غزة، في أعقاب شن حركة حماس هجوما غير مسبوق على مستوطنات غلاف القطاع.
حرب ضمن قواعد الاشتباك
استمرت "حرب الإسناد" ضمن إطار "قواعد الاشتباك" المحسوبة بدقة بين حزب الله وإسرائيل، لعدة أشهر، إذ اقتصرت على تبادل القصف بين الطرفين، لكنها لم تخلُ من عمليات نوعية مثل مقتل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" وممثلها في لبنان صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل "حزب الله" في يناير/كانون الثاني من العام الجاري.
ورد حزب الله على مقتل العاروري، بإطلاق عشرات الصواريخ والمسيرات صوب إسرائيل.
نقطة التحول
ظلت الحرب سجالا، حتى بدأ التصعيد في اتجاه الحرب الشاملة، في 30 يوليو/تموز 2024، بمقتل الرجل الثاني في حزب الله، باستهدافه بغارة جوية، في حارة حريك في الضاحية الجنوبية، وكانت تلك العملية إيذانا بانهيار قواعد الاشتباك، التي حكمت المواجهة بين حزب الله وإسرائيل منذ نهاية حرب يوليو/تموز من العام 2006.
مقتل فؤاد شكر رد عليه حزب الله بقصف "هدف عسكري في عمق إسرائيل"، حسبما أعلن حينها.
أيلول الأسود
كان مقتل فؤاد شكر إيذانا بانتقال المواجهة ناحية الحرب الشاملة، وهو ما رسخته الضربات المتتالية التي تلقاها حزب الله في شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
بدأ التصعيد بضربة نوعية تلقاها حزب الله، فجرت خلالها إسرائيل أجهزة النداء الآلي، "بيجر" و "أيكوم"، في يومين متتاليين، ففي 17 سبتمبر/أيلول استهدفت إسرائيل أجهزة "بيجر" التي تستخدمها عناصر من حزب الله، ما أسفر عن مقتل 12 شخصا، وإصابة نحو 2800 آخرين، وفي اليوم التالي قُتل 14 شخصا وأصيب أكثر من 450 آخرين جراء انفجارات اليوم طالت أجهزة "الأيكوم في 82" التي تستخدمها عناصر حزب الله في عدة مناطق بلبنان.
وحينها قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، إن "مركز الثقل يتحرك شمالا، ويعاد توزيع الموارد".
وأقر الأمين العام لحزب الله السابق حسن نصر الله، بأن تفجيرات بيجر كانت مؤلمة ومثلت ضربة قوية للحزب، لكنه لم يكن يعلم أن ما هو آت سيكون أكثر إيلاما.
فبعد ضرب منظومة اتصالات حزب الله، قتل قادته وزعيمه حسن نصر الله، ودُمرت مقراته الأكثر تحصينا، واختُرق أمنيا على نحو غير مسبوق.
تحولت الضاحية الجنوبية لبيروت، من حصن حزب الله إلى مقبرة قادته، من الصفين الأول والثاني في الهرم العسكري للحزب، لكن مقتل نصر الله في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، ظل الضربة الأقوى للحزب، لما له من ثقل ليس فقط في لبنان ولكن في هرمية ما يسمى بـ«محور المقاومة» ذاته، فضلا عن خطابه الحماسي الذي أكسبه كاريزما غابت عن الحزب بعد رحيله.
83 طنا من المتفجرات ألقتها الطائرات الإسرائيلية على مقر قيادة حزب الله، في الضاحية الجنوبية، فقتلت نصر الله الذي كان يشارك في اجتماع في الطابق الرابع عشر تحت الأرض، مع قادة الحزب وضابط بارز في الحرس الثوري الإيراني، للتخطيط لرد الحزب على سلسلة الاستهدافات التي طالت قادته.
وبعد مقتل نصر الله بأيام، استهدفت إسرائيل في مقر مماثل في الضاحية خليفته المحتمل هاشم صفي الدين، ليدخل الحزب في مرحلة تُشبه "فقدان الوعي"، تزامنت مع استعار حربه مع إسرائيل، التي سعت إلى استغلال تلك الحالة لإلحاق أكبر ضرر ممكن بالحزب وبنيته العسكرية في جنوب لبنان، والسياسية في الضاحية الجنوبية.
مقتل نصر الله تزامن مع قصف مكثف لجنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، استهدف البنية العسكرية والمالية وبيئة الحزب وحواضنه، وفي نهاية "سبتمبر/أيلول الأسود"، بدأت إسرائيل في التوغل البري بالجنوب.
استعادة التوازن
مع بدء معارك الالتحام المباشر بين إسرائيل وحزب الله، استعاد الأخير توازنه نوعا ما، عبر التصدي للجيش الإسرائيلي عند قرى الحافة الأمامية، وإيقاع خسائر في أفراد وآليات الجيش، كما اختار نعيم قاسم أمينا عاما خلفا لنصر الله.
وتمكن حزب الله من استهداف لواء جولاني، وقتل عددا من جنوده، كما استهدف منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قيساريا، فضلا عن قصف قواعد جوية وعسكرية مهمة.
المسيرات كانت كلمة السر في غالبية الضربات المؤثرة التي وجهها حزب الله لإسرائيل، لصعوبة رصدها عبر الرادار، أو تعقبها بالطائرات المقاتلة.
ومع اتساع دائرة المواجهة، بدأت إسرائيل تقصف قلب بيروت بحجة استهداف قياديين في حزب الله، وهو ما رد عليه الحزب بقصف تل أبيب، لتحقيق معادلة "الإيلام" التي تحدث عنها قاسم.
وبعد أحد ساخن في تل أبيب بفعل الحرائق التي أشعلتها صواريخ حزب الله، أعلن الطرفان يوم الأربعاء 27 نوفمبر/تشرين الثاني وقف إطلاق النار، وفقا لاتفاق رعته فرنسا والولايات المتحدة.
فصل الساحات
الاتفاق الذي أوقف إطلاق النار في لبنان، فصل عمليا حزب الله عن قطاع غزة، ووضع آلية تنفيذ ورقابة لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701، إذ شكل لجنة يرأسها جنرال أمريكي لمراقبة أي خروقات من الجانبين للاتفاق، على أن تُكمل إسرائيل انسحابها من جنوب لبنان خلال 60 يوما، فيما حزب الله سينسحب من جنوب نهر الليطاني إلى شماله، وتتولى الحكومة اللبنانية مراقبة الحدود للتأكد من عدم وصول أي أسلحة إلى حزب الله.
وبذلك، فإن الحرب التي بدأت لإسناد غزة، انتهت بقيود على حزب الله في الجنوب وتدمير معقله في الضاحية الجنوبية لبيروت، وخروجه من معادلة الحرب المستمرة في غزة، ومقتل زعيمه، ليفقد بريقه ومعقله.
لا ممر من إيران
وعمقت نهاية حُكم بشار الأسد من التحديات أمام حزب الله اللبناني، في ظل التحالف بين الطرفين، ونظرا لكون سوريا هي ممر الحزب إلى إيران.
ووضعت سيطرة الفصائل السورية المسلحة، بقيادة "جبهة تحرير الشام"، التي قاتلها حزب الله لسنوات، على دمشق نهاية لتدفق سلس للسلاح من إيران إلى حزب الله عبر سوريا، وهو ما أقر به الأمين العام للحزب نعيم قاسم في آخر خطاب له، حين قال إن الحزب فقد ممراته بعد الإطاحة بنظام الأسد.
وفي هذا الإطار، قال الدكتور ميشال الشماعي، الباحث والكاتب السياسي اللبناني، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن إسرائيل دمرت حزب الله عسكريا إضافة إلى بيئته الحاضنة، فضلا عن الإجهاز عليه سياسيا بنسبة كبيرة.
ولفت الشماعي إلى أن "الهزيمة التي تعرض لها حزب الله في عام 2024 لا تحمل نهايته، بل النهاية ستكون إذا ما أصر على الاستمرار بنفس النهج، والذي عبر عنه أمينه العام الحالي بأن المقاومة تتألق، ونعيد بناء قدراتنا".
وأضاف: "إذا استمر حزب الله بهذا الخطاب فهذا سيعني حتما خرق اتفاقية وقف إطلاق النار، وأن تقوم إسرائيل بالتعاون مع المجتمع الدولي هذه المرة عملا بالاتفاقية، باستهداف الحزب مرة أخرى، للقضاء عليه، وعلى معاقله العسكرية والسياسية والمجتمعية بالكامل".
واعتبر الباحث السياسي اللبناني، أن "حزب الله قضى على نفسه بنفسه بزجه لجناحه العسكري في حرب إسناد غزة قبل أشهر".
وأضاف الشماعي: "من الناحية العسكرية، من الصعب أن يعود الحزب إلى بناء قدراته العسكرية من جديد، بعد أن جرى ضرب طرق الإمداد".
وأوضح الشماعي: "تتداول الأوساط السياسية أن هناك تحركات من الحزب وحلفائه للعمل على وصول رئيس يدور في الفلك الإيراني، ومع وصول رئيس بهذه المواصفات إلى السلطة، فإن الحزب يكون قد استعاد جزءا صغيرا من سيطرته السياسية".
واستدرك قائلا: "لكن المعارضة وصوتها وازن، ولن تسمح بانتخاب رئيس يدور في الفلك الإيراني"، داعيا حزب الله إلى "حل جناحه العسكري والاهتمام فقط بالعمل السياسي".
بدوره، قال الدكتور ألبير فرحات، الخبير الاستراتيجي المقيم في فرنسا، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن أكبر الخسائر الفادحة التي تعرض لها حزب الله تمثلت في مقتل أمينه العام، حسن نصر الله، إضافة إلى قيادات وأعضاء مجلسه الحربي.
وأشار فرحات إلى أن حزب الله هو الخاسر الأكبر على الصعيد الجيوسياسي للمحور الذي تقوده إيران، من البداية وحتى نهاية حكم بشار الأسد، ووقف خط الإمداد العسكري واللوجستي والمالي وغيره من الأمور الاستراتيجية المتعلقة بالحزب والتي تعرضت وتتعرض للعديد من الهجمات العسكرية الإسرائيلية.
aXA6IDMuMTM1LjE4Ni4yMzMg
جزيرة ام اند امز