«حصر السلاح» في لبنان.. المواجهة الخارجية أولوية قبل معالجة الداخل
يواجه حزب الله تحديًا وجوديًّا بعد الضربات الإسرائيلية التي ألحقت أضرارًا جسيمة بقدراته العسكرية واللوجستية، لكنه "لم يهزم بعد".
ومع سعيها مليشيات حزب الله إلى إعادة بناء قوتها، يتبيّن أن نقطة الضعف الأبرز ليست فقط في الساحة الميدانية داخل لبنان، بل في شبكاتها الخارجية التي تشكّل شريانين حيويين لاستمرارها: التمويل والتموين.
ووفقا لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، فإن تقويض نفوذ حزب الله يتطلّب، بالتالي، مقاربة متعددة الجوانب تجمع بين الضغوط المحلية والدولية، واستهداف بنى تمويلها وعملياتها اللوجستية في الخارج.
التمويل تحت الضغط
وبعد حرب 2023، تضاعفت احتياجات حزب الله المالية بشكل حاد، من إعادة الإعمار إلى دفع رواتب وتعويضات لأسر القتلى والجرحى، فضلاً عن تمويل خدماته الاجتماعية في الجنوب اللبناني.
وأثّرت الإجراءات اللبنانية الأخيرة -مثل منع هبوط طائرات مشتبه في حمولتها، وتفتيش ناقلي الأموال، وفرض قيود على التعاملات المصرفية مع كيانات مرتبطة بالحزب- على قدرة الجماعة على الحصول على تمويل إيراني سلس، ما زاد من شلل في قنوات مواردها التقليدية.
شبكات دولية
في مواجهة هذا التضييق، لجأ حزب الله إلى شبكاته العالمية التي تنتشر في آسيا وأفريقيا وأوروبا والأمريكتين لتعويض النقص.
وتكشف تحرّكات الأجهزة المالية الدولية وتحذيرات وزارة الخزانة الأمريكية، عن نشاطات تمويلية وغسل أموال في غرب أفريقيا، في حين تشير تقارير أخرى إلى وجود ميسّرين وممولين في مناطق مثل الحدود بأمريكا الجنوبية، حيث تُستخدم شبكات التهريب وجرائم منظمة لجني التمويل.
بالإضافة إلى ذلك، تواصل الجماعة السعي إلى شراء تقنيات ومكوّنات عسكرية عبر شركات واجهة وشبكات لوجستية معقّدة.
التصنيف كأداة فعّالة
أثبتت الخبرة العملية أن التصنيف الدولي لحزب الله كمنظمة إرهابية يعدّ أداة قوية لقطع خطوط تمويله وعرقلة نشاطاته. فالدول التي اتخذت هذه الخطوة زادت من صلاحيات سلطاتها القضائية والأمنية لملاحقة ومصادرة الأصول وملاحقة شركاء التمويل.

وتبيّن دراسات تحليلية أن نشاط الجماعة انخفض في دول لاتينية أدرجت الحزب على قوائم الإرهاب، فيما استمرّت أنشطة مماثلة في بلدان امتنعّت عن ذلك بسبب قيود قانونية.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدبلوماسية الخارجية نتائج ملموسة منذ عام 2019، حيث انضمّت دول عدة إلى جهود عزل الجماعة. لكن تجفيف منابع التمويل والشراء يتطلّب تنسيقًا أوسع يشمل تبادل معلومات استخبارية، وعمليات إنفاذ عابرة للحدود، وتجميدًا فوريًا للأصول المشبوهة.
كذلك، لا بد من دعم الجهات القضائية المحلية لتتجاوز معوقات التحقيق في شبكات تمويل معقدة تعتمد على شركات وهمية وتحويلات مالية مشفرة.
دعم لبنان
إجراءات الدولة اللبنانية -من المصرف المركزي إلى المؤسسات الأمنية- أسهمت في تضييق بعض المسارات التقليدية لإمداد الحزب، لكن مهمّة نزع سلاحه وإعادة دمجه في مؤسسات الدولة تبقى معقّدة وممتدة زمنياً.

وعلى المجتمع الدولي أن يقترن دعمه بإجراءات ملموسة لإعادة الإعمار بعيدًا عن شبكات الحزب، وتعزيز بدائل خدماتية واقتصادية في المناطق المتضررة لكسر الاعتماد المجتمعي على الجماعة.
فرصة تاريخية
تشكّل الحالة الحالية نافذة تاريخية قد لا تتكرر لإضعاف قدرة حزب الله على العودة إلى سابق قوته. لكنّ تحويل الضربة الميدانية إلى تفكيك دائم يتطلب استراتيجية شاملة: توسيع نطاق تصنيف الجماعة، تشديد الملاحقة المالية واللوجستية عالمياً، ودعم المؤسسات اللبنانية لتأمين البدائل السياسية والاقتصادية، بحسب المجلة الأمريكية.
والفشل في اغتنام هذه الفرصة قد يعيد لبنان إلى مسار تصاعدي من العنف ويفتح الباب أمام تجدد الصراع مع إسرائيل وإضعاف الدولة.
وخلصت المجلة إلى أن المعركة ضد حزب الله لن تُحسم بمجرد ضغط عسكري أو بيان دبلوماسي، بل هي معركة مالية وقضائية وسياسية أيضاً. فعبر قطع شرايين التمويل وتفكيك شبكات الشراء والإسناد في الخارج، بالتوازي مع بناء مؤسسات لبنانية قادرة على تقديم بدائل حقيقية لمواطنيها، يمكن للمجتمع الدولي أن يوفّر فرصة حقيقية لاستعادة لبنان مساره الطبيعي بعيدًا عن سلطة المليشيات.