الحرب التجارية الكبرى.. موازين القوى تتأرجح بين واشنطن وبكين

يبدو أن الصين استعدت طويلاً قبل أن تقرر الرد التصعيدي على الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
لا يهدف هذا الاستعداد فقط إلى الرد الانتقامي على الولايات المتحدة، لكن يبدو أن من بين أهدافه هو الإعلان عن البلاد كقوة عظمى عالمية قادرة على إيلام الولايات المتحدة، وتحقيق الردع الاقتصادي بل السياسي والعسكري أيضا. والأهم من ذلك هو إبطال مفعول وجدوى سلاح التعريفات مستقبلاً عبر إظهار أن طلقاته أول من ستصيب هو مطلقها.
وقال تحليل نشره موقع "جيو بوليتكال" إنه في الأسابيع الأخيرة، فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعريفات جمركية تجاوزت 145% على الواردات الأمريكية من الصين، مما أدى إلى تصعيد حاد في الحرب التجارية بين البلدين. وبرر وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، هذه الخطوة بقوله: "أعتقد أن التصعيد الصيني كان خطأً كبيرًا، لأنهم يلعبون بيد ضعيفة... ماذا نخسر إذا رفعت الصين التعريفات علينا؟ نحن نصدر لهم خُمس ما يصدرونه لذا فإنهم في موقف خاسر".
التصعيد كسلاح كمضاد
وتستند هذه النظرة إلى مفهوم "تفوق التصعيد"، والذي يعني قدرة دولة على التحكم في سلم التصعيد في النزاعات، مما يتيح لها التصعيد أو التهدئة وفقًا لمصلحتها. وفي هذه الحرب التجارية، تمتلك الصين تفوقًا في سلاح التصعيد. إذ أن الولايات المتحدة تستورد سلعًا حيوية من الصين لا يمكن استبدالها بسهولة أو إنتاجها محليًا في المستقبل القريب دون تكاليف باهظة، وفي حين أن تقليل الاعتماد على الصين قد يكون هدفًا مشروعًا، لكن بدء هذه الحرب قبل تحقيق هذا الهدف قد يؤدي إلى هزيمة مكلفة.
وقد أشار بيسنت نفسه، في تصريحات أخيرة أثارت الجدل، إلى أن واشنطن، وليس بكين، هي من راهنت بكل رأسمالها على يد خاسرة.
وتعتقد إدارة ترامب أن تخفيض العجز التجاري مع الصين يجعل الولايات المتحدة أقل عرضة للخطر. وهذا الادعاء غير صحيح من الناحية النظرية والإحصائية. فحظر التجارة يقلل من الدخل الحقيقي والقدرة الشرائية للدولة، حيث تصدر الدول لكسب المال وشراء سلع لا تمتلكها أو يصعب إنتاجها محليًا.
من يفوز ومن يخسر؟
وحتى عند التركيز فقط على الميزان التجاري الثنائي، فإن النتيجة للولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين ليست واعدة. ففي عام 2024، بلغت صادرات الولايات المتحدة إلى الصين 199.2 مليار دولار، بينما بلغت الواردات من الصين 462.5 مليار دولار، مما أدى إلى عجز تجاري قدره 263.3 مليار دولار. وإذا كنا نتوقع، بناءً على الميزان التجاري الثنائي، من سيفوز في حرب تجارية، فإن الأفضلية تكون للدولة التي لديها فائض، وليس الدولة التي لديها عجز.
وكبلد يعاني من عجز، تتخلى الولايات المتحدة عن سلع وخدمات لا تُنتج محليًا أو تُنتج بتكلفة عالية. فإذا انخفض الدخل، يمكن تقليل النفقات، أو استخدام المدخرات. وفي المقابل، مثل معظم الدول التي لديها فائض تجاري، تدخر الصين أكثر مما تستثمر، مما يجعل التكيف مع الظروف الجديدة أسهل نسبيًا.
كما أن الدول التي تعاني من عجز تجاري، مثل الولايات المتحدة، تنفق أكثر مما تدخر. وفي الحروب التجارية، تُحرم هذه الدول من الوصول إلى السلع التي تحتاجها أو تضطر لدفع المزيد مقابلها (بسبب التعريفات)، وهذه السلع، على عكس المال، ليست سهلة الاستبدال. وبالتالي، تصبح آثار الحرب التجارية ملموسة أكثر في صناعات ومناطق وأسر محددة، والتي تواجه أحيانًا نقصًا في السلع الحيوية وغير القابلة للاستبدال على المدى القصير.
هجرة رأس المال
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الدول التي تعاني من عجز تجاري هي أيضًا مستوردة لرأس المال، مما يجعل الولايات المتحدة أكثر عرضة للتغيرات في نظرة المستثمرين إلى الجدارة الائتمانية للحكومة أو جاذبيتها الاقتصادية وعندما تقرر إدارة ترامب فجأة تعطيل سلاسل التوريد بفرض ضرائب ضخمة، فإن النتيجة ستكون تقليل الاستثمار في الولايات المتحدة وزيادة أسعار الفائدة على ديونها.
واختتم التحليل بالتأكيد على أن الاقتصاد الأمريكي سيعاني من أضرار جسيمة في حال نشوب حرب تجارية واسعة النطاق مع الصين. وبلا شك، فإن مستوى التعريفات الحالي الذي يتجاوز 100%، إذا استمر، سيتضرر الاقتصاد الأمريكي أكثر من الاقتصاد الصيني، وكلما زادت الولايات المتحدة من مستوى الصراع، زادت هذه الأضرار. وقد تعتقد إدارة ترامب أنها تتصرف بسلطة، لكنها عرضت الاقتصاد الأمريكي للضعف أمام إجراءات التصعيد الصينية.