حروب التجارة تؤلم أمريكا.. تهديد ثلاثي خطير للاقتصاد

تواجه الولايات المتحدة أزمة مالية ثلاثية، تتمثل في تراجع بأسواق الأسهم، وارتفاع في عوائد السندات، وانخفاض في قيمة العملة.
وبينما وفّرت الهدنة المؤقتة التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية بعض الراحة، فإن الاقتصاد الأمريكي يعاني من هذا المزيج .
ووفقا لتقرير مجلة "الإيكونوميست"، فإن المؤشرات مقلقة. فمنذ الأول من أبريل/نيسان، انخفض الدولار بأكثر من 4% مقابل سلة من العملات الرئيسية، وفي الوقت ذاته ارتفعت عوائد سندات الخزانة لأجل عشر سنوات بمقدار 0.3 نقطة مئوية. وفي الظروف الطبيعية، يُفترض أن تعكس عوائد السندات المرتفعة تفاؤلاً بالنمو الاقتصادي الأمريكي، مما يدعم قوة الدولار. لكن الانخفاض الحالي يشير إلى أن المستثمرين قلقون بشأن استقرار الاقتصاد الأمريكي.
عوامل تزيد من عدم اليقين
ومن بين العوامل التي تغذي هذا القلق الوضع المالي المتدهور للحكومة الأمريكية. فقد بلغ صافي ديون الحكومة الفيدرالية نحو 100% من الناتج المحلي الإجمالي. وخلال العام الماضي، أنفقت الحكومة ما يعادل 7% من الناتج أكثر مما اقترضت، وأصبحت تدفع على الفوائد أكثر مما تنفق على الدفاع الوطني. وخلال العام المقبل، يجب إعادة تمويل ديون تقارب 9 تريليونات دولار، ما يعادل 30% من الناتج.
ولقد سمح "الامتياز المفرط" للولايات المتحدة -وهو مصطلح يشير إلى الثقة العالمية في الدولار وسندات الخزانة- بإدارة ميزانيات أكثر اتساعاً مما هو ممكن في دول أخرى دون عواقب فورية.
ولكن هذا الامتياز أصبح الآن مهدداً. فرسوم ترامب الجمركية قد تولّد إيرادات، لكنها قد تُحدث ضرراً أكبر داخل الاقتصاد الأمريكي. والأخطر أن السياسات الاقتصادية تبدو اعتباطية ومتقلبة، ما يزيد من ارتباك المستثمرين.
سياسات شاملة
ولا يقتصر القلق على الجانب الاقتصادي فقط. فقد أثارت أفعال ترامب -مثل تهديده بقطع التمويل عن الجامعات التي ينتقده أساتذتها، أو سحب الأعمال الحكومية من شركات محاماة تمثل خصومه القانونيين، أو اقتراحه ترحيل مهاجرين دون محاكمة إلى سجون في السلفادور- مخاوف بشأن تهديده للقواعد الأساسية للمجتمع الأمريكي.
ويتزايد الخوف من أن يُقدِم ترامب، على خطوات أكثر تطرفاً، كالتدخل في البيانات الاقتصادية أو المساس باستقلالية الاحتياطي الفيدرالي. وهناك بالفعل قضية منظورة أمام القضاء قد تُمكّنه من بسط نفوذه على البنك المركزي في وقت حرج، حيث يواجه الاقتصاد تحديات تضخمية متزايدة.
وقت حرج
والتضخم بالفعل يمثل تحدياً حقيقياً، فقد توقع رئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، جون ويليامز، أن يتراوح معدل التضخم بين 3.5 و4% هذا العام، بينما أظهر استطلاع لجامعة ميشيغان أن المستهلكين يتوقعون ارتفاع الأسعار بنسبة 6.7%، وهي أعلى نسبة منذ عام 1981. ويرجع جزء كبير من هذا إلى الرسوم الجمركية والإنفاق الحكومي المفرط.
ورغم هذه المؤشرات المقلقة، يسعى الجمهوريون في الكونغرس لتمديد وتوسيع التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب خلال ولايته الأولى. ففي 10 أبريل/نيسان، أقر مجلس النواب إطاراً للميزانية قد يزيد العجز بمقدار 5.8 تريليون دولار خلال العقد المقبل، حسب تقديرات لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة. وهذا الرقم يتجاوز، من حيث القيمة، تكاليف تخفيضات ترامب الضريبية الأولى، واستجابة الحكومة لأزمة كوفيد-19، وحزم التحفيز والبنية التحتية التي أطلقها الرئيس بايدن.
ولتمرير هذا المقترح، يستخدم المشرعون حيلة تتمثل في اعتبار التخفيضات الضريبية السابقة دائمة عند احتساب العجز، مما يجعل التوقعات المستقبلية للدين أكثر كارثية. وتُحذّر اللجنة من أن وتيرة زيادة الدين قد تتضاعف قريباً.
وقد دفعت ردود فعل الأسواق الإدارة الأمريكية إلى بعض التعديلات، مثل استثناء الهواتف الذكية والإلكترونيات من الرسوم الإضافية على الواردات الصينية في 11 أبريل/نيسان. لكن الضرر على مصداقية أمريكا قد يكون وقع بالفعل.
ولطالما حذر الاقتصاديون من أن "الامتياز المفرط"، من خلال تسهيل الاقتراض، قد يدفع أمريكا إلى التورط في ديون مفرطة، مما يجعل النظام المالي القائم على الدولار هشاً. ويشبه هذا ما حدث عندما انهار نظام بريتون وودز في 1971 وأُلغيت علاقة الدولار بالذهب. وحتى وقت قريب، بدا أن هيمنة الدولار غير قابلة للمساس. لكن اليوم، بدأت تلك الثقة تتآكل -في دلالة واضحة على حجم الاضطراب الذي خلفته سياسات ترامب.
aXA6IDMuMTMzLjExNS4xNzgg جزيرة ام اند امز