أحدثها جامع«النوري»ومنارته.. صروح تاريخية أعادت إحياءها الإمارات
![منارة الجامع النوري](https://cdn.al-ain.com/lg/images/2025/2/12/214-184405-historic-monuments-revived-uae-alnouri-mosque_700x400.jpg)
بعد 8 سنوات من قيام تنظيم داعش الإرهابي بهدمها، ارتفعت منارة جامع النوري التاريخية مجددا في سماء مدينة الموصل العراقية.
عادت المئذنة الحدباء—كما تُعرف—لتحلّق في أفق الموصل، كهدية إماراتية للإنسانية تعبّر عن جهود دار زايد ورسالتها الحضارية في مواجهة الممارسات والأفكار المتطرفة التي أسهمت في تدمير المعالم الأثرية، وذلك في إطار الحفاظ على التراث الإنساني والثقافي على مستوى العالم.
قبل أيام، أُعلن عن الانتهاء من ترميم المئذنة التاريخية، في وقت تتواصل فيه الجهود بوتيرة متسارعة لإنجاز أعمال ترميم جامع النوري تمهيدًا لإعادة افتتاحه خلال الأسابيع المقبلة.
وفي لحظة مؤثرة، اغتنمت أودري أزولاي، المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، زيارتها للموصل في 5 فبراير/شباط الجاري، بمناسبة إعادة بناء وترميم المسجد والمئذنة واقتراب موعد افتتاحهما الرسمي، لتتوجه بالشكر إلى دولة الإمارات، التي تُعدّ أحد أبرز الداعمين لمشاريع اليونسكو لإعادة بناء المعالم الأثرية الرمزية في الموصل، وعلى رأسها الجامع النوري والمئذنة الحدباء.
وأكدت أزولاي أن هذا المشروع يمثل عودة للتاريخ والهوية في الموصل.
وقد قادت منظمة اليونسكو مشروع إعادة البناء بالشراكة مع هيئة الآثار والتراث العراقية، وبتمويل من الإمارات، ضمن مبادرة "إحياء روح الموصل"، التي شملت أيضًا ترميم كنيستي الطاهرة والساعة.
وكان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، قد أبدى اهتماماً شديداً بهذا المشروع منذ إطلاقه، وهو المشروع الذي بدأ بالتزامن مع الإعلان عن إعادة إعمار مسجد النوري، ولم يُرد أن يكون تدمير هذا المسجد هو الذكرى الأخيرة التي تبقى لمدينة الموصل.
ويعد جامع النوري ومنارته الحدباء أحد 10 معالم تاريخية تقف شاهدة على إسهامات دولة الإمارات في حفظ كنوز التراث العالمي بعد أن اقتربت من السقوط النهائي من قوائم التراث العالمي.
وتضم قائمة أبرز المعالم التي أعادها الدعم الإماراتي للحياة إضافة إلى جامع النوري وكنيستي الطاهرة والساعة بالموصل : قبة الصخرة، ومسجد عمر بن الخطاب وكنسية المهد في بيت لحم، ومسرح قصر الشيخ خليفة بن زايد – قصر فونتينبلو الإمبراطوري سابقاً، ومتحف الفن الإسلامي في مصر، ومكتبة ماكميلان التاريخية في نيروبي، و"نُزُل السلام" في مدينة المحرّق البحرينية إضافة إلى العديد من المعالم والمواقع الأخرى.
جامع النوري ومنارته الحدباء
يعد جامع النوري من مساجد العراق التاريخية بناه نور الدين زنكي عام 1172م وهو يقع في الساحل الغربي للموصل.
ويُعتبر ثاني جامع يُبنى في الموصل بعد الجامع الأموي، وأعيد إعماره عدة مرات كانت آخرها عام 1944م.
ولم يتوانَ تنظيم داعش الإرهابي عن رفع علمه على سطح الجامع في عام 2014، ليطل من على منبره في يونيو/حزيران من العام نفسه، زعيمه أبوبكر البغدادي معلنا خلافته المزعومة.
وأمضت الموصل ثلاثة أعوام عصيبة (2014-2017) تحت نيران التنظيم، قبل أن تتحرر من قيود التطرف، ودارت خلال هذه السنوات معارك خلفت وراءها مدينة مدمرة، حيث تحوّلت مواقعها التراثية إلى ركام من الأنقاض، وتعرّضت معالمها الدينية وآثارها الثقافية إلى التخريب.
من أبرز تلك المعالم التاريخية جامع النوري، الذي دمره التنظيم الإرهابي في 21 يونيو/حزيران من عام 2017، في الوقت التي كانت تتقدم فيه القوات العراقية للسيطرة على المسجد، خلال معاركها لطرد التنظيم الإرهابي وتحرير المدينة.
وتهدّم جامع النوري ومئذنته الشهيرة المائلة المعروفة باسم المنارة الحدباء التي يبلغ ارتفاعها 45 متراً ويزيد عمرها على 840 عاماً.
بعد هزيمة التنظيم الإرهابي، وبدء جهود إعادة إعمار العراق على مختلف الأصعدة، كانت الإمارات في طليعة الدول المساندة لتلك الجهود، ولا سيما على الصعيد التراثي والثفافي.
وضمن تلك الجهود، أطلقت منظمة "يونسكو" المبادرة الرائدة "إحياء روح الموصل"، في شباط/فبراير 2018، لتكون بمثابة مشاركة المنظمة في إنعاش إحدى المدن العراقية العريقة.
وسرعان ما انضمت الإمارات للمبادرة، وفي 22 أبريل/نيسان 2018، اتفقت دولة الإمارات العربية المتحدة مع جمهورية العراق و منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم والثقافة "يونيسكو" عبر مذكرة تفاهم على إطلاق مشروع إعادة بناء وترميم مسجد النوري الكبير ومئذنته الحدباء في مدينة الموصل العراقية.
وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه 2018، تم وضع حجر الأساس لإعادة بناء المسجد الشهير بمنارته الحدباء وبتصميمه السابق نفسه، برعاية وتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة.
وجاء قرار دولة الإمارات بتبني مبادرة اليونسكو بإعادة البناء، في رسالة أمل لمواجهة الأفكار المتطرفة التي تحاول جاهدة محو التراث الإنساني والثقافي وزرع الخوف في المجتمع.
وفي رسالة مهمة للعالم، أكدت الإمارات أن إعادة بناء معالم العراق الأثرية هي عملية بناء لمستقبل أجيال عربية تنبذ الحروب وتؤمن بالتعددية والاعتدال وإيجاد فرص اقتصادية وإمكانات داعمة للسياحة الثقافية بما تعكسه من استدامة للتنمية وتطور وازدهار لمستقبل العراق.
انطلق هذا المشروع بالشراكة مع الإمارات العربية المتحدة، غير أنه واجه عقبات تراوحت بين نزع فتيل متفجرات مخفية لم تنفجر تركها التنظيم الإرهابي وحفظ قاعات الصلاة التي تعود إلى القرن الثاني عشر والمكتشفة في أثناء أعمال التنقيب، إضافة إلى تحدٍّ معماري تمثَّل في إعادة بناء المئذنة الغالية على قلوب أهل هذه المدينة مائلة "كسابق عهدها" وباستخدام المواد الأصلية.
ومع مثابرة فرق العمل وبدعم من الإمارات، نجحت فرق العمل في إعادة المئذنة التاريخة إلى سابق عهده، باستخدام المواد الأصلية، لتحافظ على أصالتها وتاريخها ونفس نسبة ميلها.
وفي 5 فبراير/ شباط الجاري تم الإعلان عن انتهاء ترميم المنارة التاريخية، فيما لا يزال مئات العمّال يضعون اللمسات الأخيرة على أعمدة جامع النوري الكبير وقبّته، في وقت يتطلع في العالم إلى افتتاح المسجد ومنارته بشكل رسمي في الأسابيع المقبلة.
كنيستا "الطاهرة" و"الساعة"
وإضافة إلى إعادة إعمار الجامع النوري تولت الإمارات أيضاً إعادة بناء كنيستي الطاهرة والساعة بالموصل في رسالة ثقافية وحضارية قوية في مواجهة الممارسات والأفكار المتطرفة التي أسهمت في تدمير هذه المعالم الأثرية بالأمس القريب.
و ستصدح أصوات الآذان من منارة الحدباء قريبا، جنبا إلى جنب مع أجراس كنيستا الساعة والطاهرة التي ستُقرع مجدداً، معلنة بداية فصل جديد من تاريخ المدينة.
وتعد كنيسة الطاهرة التي يبلغ عمرها نحو 800 عام، واحدة من أقدم الكنائس في المنطقة حيث يعود تاريخها إلى الألفية الأولى؛ إضافة إلى كنيسة الساعة، المعروفة أيضًا باسم كنيسة سيدة الساعة، والتي تعد مثالًا حيًا للأخوة بين أهل الموصل الذين تخرجوا من مؤسستها التعليمية بغض النظر عن خلفيتهم الدينية.
وقد دعمت الإمارات العربية المتحدة ومؤسسة التحالف الدولي لحماية التراث "ألِفْ" عملية إحياء هذه المعالم التي ترمز إلى التنوع الديني في قلب هذا المجتمع المتعدد الثقافات.
كانت الإمارات العربية المتحدة قد تعهدت بتقديم أكثر من 50 مليون دولار لإعادة بناء التراث الثقافي في مدينة الموصل العراقية، بما في ذلك إعادة إعمار كنيستي الطاهرة والساعة ومسجد النوري الذي يعود إلى القرن الثاني عشر والذي دمره تنظيم داعش الإرهابي.
قبة الصخرة
وإضافة إلى كنيستي الطاهرة والساعة وجامع النوري ومنارته الحدباء، يسجل تاريخ الإنسانية بأحرف من نور للإمارات جهودها في حفظ كنور تراثية وتاريخية ودينية، تحمل قيمة كبيرة، من أبرزها مسجد قبة الصخرة.
وقد تكفل المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بترميم سقف مسجد قبة الصخرة في الحرم القدسي الشريف على نفقته الخاصة بعد أن تضرر جراء الهزة الأرضية التي ضربت مدينة القدس في عام 2004 فضلا عن تقادم سقف القبة الرخامي.
كنيسة المهد
وإضاف إلى قبة الصخرة، تكفل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في عام 2002 بتكاليف ترميم كنيسة المهد التاريخية وذلك بالتنسيق مع منظمة "اليونسكو" على اعتبار أن الكنيسة تعد أثراً إنسانياً هاماً.
وكان الدمار قد لحق بأجزاء من الكنيسة نتيجة الاعتداءات العسكرية في ذلك العام، كما تعرض تمثال السيدة مريم في ساحة الكنيسة الخارجية والذي يزيد عمره عن ألف عام لأضرار بسبب إصابته ببعض الأعيرة النارية مما تطلب الاستعانة بخبراء آثار ذوي خبرة واسعة للإشراف على عملية الترميم.
مسجد "عمر بن الخطاب"
وبالقرب من كنيسة المهد، تكفل المغفور له الشيخ زايد ن سلطان آل نهيان أيضا بترميم مسجد عمر بن الخطاب المجاور للكنيسة والذي تضرر أيضا.
ويقال أن المسجد ق أقيم في المكان الذي صلى فيه عمر بن الخطاب رابع الخلفاء الراشدين عندما زار مدينة بيت لحم في 637 م، وشيد المسجد عام 1860م لإحياء ذكرى زيارة الخليفة عمر بن الخطاب إلى بيت لحم، والأرض التي تم بناء المسجد عليها تم التبرع بها من قبل الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية.
قصر خليفة في فرنسا
أيضا يقف مسرح المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان أو مسرح قصر فونتينبلو الإمبراطوري في العاصمة الفرنسية باريس شاهداً آخر على الدور الإماراتي في صيانة التراث العالمي، حيث أعيد افتتاحه في يونيو 2019 بعد انتهاء أعمال الترميم والتجديد الشاملة التي استمرت لسنوات بتمويل من دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي.
وأطلقت الحكومة الفرنسية اسم رئيس الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان على المسرح تقديراً وعرفاناً بمساهمة دولة الإمارات في إحياء هذا الصرح التاريخي العريق، لتعيد الإمارات تقديم هذا الصرح العريق للعالم بكامل ألقه وفنه بعد فترة إغلاق تجاوزت الـ100 عام .
ويعتبر المسرح التاريخي في قصر فونتينبلو المدرج على لائحة مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو أحد أهم القصور الملكية التي تعاقب على سكنه 34 ملكاً وإمبراطوراً فرنسياً.
مكتبة ماكميلان
بتوجيهات من الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ، تكفلت "إمارة الشارقة"، بترميم وتجديد مكتبة ماكميلان التاريخية، إحدى أشهر المكتبات في القارة الأفريقية وتقع بقلب العاصمة الكينية نيروبي.
متحف الفن الإسلامي
في عام 2014 تكفلت شخصية إماراتية بنفقات ترميم وصيانة متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، بعد الأضرار التي لحقت به نتيجة عمل إرهابي.
ويعود المتحف إلى عام 1869، عندما بدأت فكرة إنشاء دار لجمع تحف الفنون من العمائر الإسلامية، ووضعت لبنته الأولى عام 1880، عندما قامت الحكومة المصرية بجمع التحف الفنية من المساجد والمبانى الأثرية لحفظها في الإيوان الشرقي لجامع الحاكم بأمر الله، وصدر مرسوم سنة 1881 بتشكيل لجنة حفظ الآثار الإسلامية والعربية، ومع تزايد التحف والقطع الفنية التي تم جمعها من مصر والهند والصين وإيران وتركيا والأندلس مروراً بفنون الجزيرة العربية والشام وشمال أفريقيا، ضاق الإيوان بها، فتم بناء مكان لها في صحن الجامع، واستمر الوضع على هذه الحال حتى بناء متحف كبير سمي بمتحف الفن الإسلامي الحالي، وتم افتتاح المتحف للمرة الأولى في 28 ديسمبر 1903 بميدان «باب الخلق»، أحد أشهر ميادين القاهرة الإسلامية، إذ يقترب من أهم نماذج العمارة الإسلامية التي تعكس جماليات عصورها المختلفة، التي تؤكد ازدهار الحضارة الإسلامية.
ويعد متحف الفن الإسلامي بالقاهرة أكبر متحف إسلامي في العالم، إذ يضم مئات المخطوطات النادرة وأكثر من 100 ألف قطعة أثرية تمثل 75% من التحف الأثرية الإسلامية بالعالم، والتي تعكس فنون العالم الإسلامي على مر العصور.
نزل السلام
في أكتوبر 2019 افتتحت دولة الإمارات ومركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث في مملكة البحرين "نُزُل السلام" في مدينة المحرّق، أحد مشاريع استعادة المباني التراثية الذي تدعمه الإمارات ضمن مشروع ثقافي مشترك يهدف إلى إعادة إحياء بيت "فتح الله" التراثي، بالإضافة لتشييد "الركن الأخضر"، بعد ترميم البيت وخضوعه لأعمال إعادة تصميم داخلي في إطار الاتفاقية الموقعة لتوثيق علاقات التعاون الثقافي بين دولة الإمارات ومملكة البحرين الشقيقة للحفاظ على الإرث التاريخي المشترك للبلدين.
وبعودة الحياة إلى بيت فتح الله الذي كان منذ عام 1947م علامة مميزة في المحرّق يعود ليكون مكان استراحة للسائح الذي يأتي إلى زيارة طريق اللؤلؤ المدرج على لائحة التراث الإنساني العالمي، فيكتشف جمال العمارة البحرينيّة.
جهود تتواصل لتجسد تجربة ثرية في مجال حماية التراث العالمي تتماشى مع سياسة الإمارات القائمة على مبادئ التعايش والتسامح والانفتاح على الآخر والتقارب مع الشعوب ودعم المجتمع الإنساني بما يكفل الوئام والتلاحم والتلاقي بين دوله ومجتمعاته.