بحر المانش.. شاهد تاريخي على خلافات فرنسا وبريطانيا
يحتفظ "قاع المانش" بمئات القصص غير السياسية، لكنها شاهدة على مناوشات دبلوماسية بين فرنسا وبريطانيا القطبين التاريخيين لأوروبا.
تاريخيا يُقدر الفرنسيون للبريطانيين أنهم كانوا جزءا من معركة نورماندي لتحرير بلادهم من الغزو النازي، بعد عبور القنال الإنجليزي، والوصول إلى الساحل الفرنسي في السادس من يونيو/حزيران عام 1944.
حينها كان البريطانيون جزءا من المعركة التي حملت إشارة حملة طويلة ومكلفة لتحرير أوروبا الغربية من السيطرة النازية عن طريق إخراج الألمان من شمال غرب فرنسا.
لكن السباق الفرنسي البريطاني -المعتاد تاريخيا- عاد للظهور خلال الأيام القليلة الماضية، بعضه بعباءة سياسية والآخر حمل طابعا اقتصاديا وإنسانيا.
تراس - ماكرون
بدون مقدمات لم تستطع ليز تراس -المرشحة الأوفر حظا- لخلافة بوريس جونسون في رئاسة وزراء بريطانيا، تقديم إجابة مباشرة على سؤال مباغت لها: هل ماكرون عدو أم صديق؟
امتنعت تراس الخميس عن الإجابة عن السؤال، مكتفية بالقول إنّها ستحكم على سيّد الإليزيه "بناء على أفعاله"، لكن ما بدا مزعجا للفرنسيين قولها إنّ "الحُكم في هذه القضية ما زال قيد المداولة".
وأثار جواب تراس هذا ضحكاً في القاعة بأسرها، لكن الجمهور هدأ بعد أن أضافت: "إذا أصبحتُ رئيسة للوزراء فسأحكم عليه (ماكرون) بناء على أفعاله وليس أقواله"، من دون أن توضح أسباب حذرها الشديد هذا.
لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل، لم يتردد في الإجابة عن السؤال الصعب، حيث قدم ردا قاطعا بشأن العلاقة بين بلاده وبريطانيا.
فمن الجزائر، أكد ماكرون، أن "المملكة المتحدة دولة صديقة وقوية وحليفة بغض النظر عمن يقودها".
وأضاف: "الشعب البريطاني، الدولة التي هي المملكة المتحدة دولة صديقة وقوية وحليفة بغض النظر عمن يقودها، وأحيانا على الرغم من الأخطاء الصغيرة التي قد يرتكبونها في تصريحاتهم العامة".
حروب الإسكالوب
في القنال الإنجليزي أيضا (المانش)، خلافات وصراعات قديمة، تحمل اسم حروب الإسكالوب والتي طالما اندلعت بين الصيادين البريطانيين والفرنسيين؛ حيث يتلاعب الجانبان بصيد بعضهم بعضا.
نزاع يعود إلى محاولات تجريف المحار طويل المدى، ما دفع الصيادين الفرنسيين في إحدى المعارك عام 2018 لإلقاء قنابل دخانية على نظرائهم البريطانيين. وهو ما استدعى استنجاد الصيادين الإنجليز بالبحرية الملكية.
ووقعت الاشتباكات على بعد حوالي 12 ميلًا بحريًا قبالة سواحل نورماندي، بالقرب من خليج السين.
ويقول الصيادون الفرنسيون إن مراكب الصيد البريطانية تحظى بميزة غير عادلة، حيث لا تسمح الحكومة الفرنسية ببدء صيد المحار حتى شهر أكتوبر/تشرين الأول من أجل الحفاظ على الخزين.
كارثة بيئية
ومنذ تطبيق بريكست، ومغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، لم يعد الصمت شعارا مناسبا لخلافات البلدين، إذ حذر رئيس منطقة أو-دي-فرانس (شمال فرنسا) كزافييه برتران الحكومة من مياه الصرف الصحي البريطانية غير المعالجة التي تصب في بحري المانش والشمال، واصفا إياها بأنها "كارثة بيئية".
وقال المسؤول الفرنسي في رسالة وجهها إلى سكرتير الدولة للبحار ايرفيه بيرفيل إن "الصور التي نقلتها وسائل إعلام دولية عدة، تظهر تدفق مياه الصرف الصحي غير المعالجة تصب بكثرة في بحر المانش وبحر الشمال من شواطئ المملكة المتحدة".
وأضاف أن ذلك يشكل "مصدر قلق كبيرا بسبب التلوث الناجم" عن ذلك، لافتا إلى أن هذا الوضع "الذي دانته جمعيات عدة ليس جديدا لكن يبدو أنه يتفاقم منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ إن المملكة المتحدة أعفت نفسها من القوانين الأوروبية في مجال البيئة".
أزمة المهاجرين
وتمثل قضية المهاجرين، الذين يعبرون المانش من شمال فرنسا إلى المملكة المتحدة على متن قوارب صغيرة، أزمة متجددة بين باريس ولندن.
ويوم الإثنين الماضي، سجل عبور هؤلاء اللاجئين رقمًا قياسيًا جديدًا قارب 1300 مهاجر في يوم واحد، رغم خطط الحكومة المحافظة البريطانية المتتالية لمعالجة هذه المشكلة.
وفي وقت تستعد فيه المملكة المتحدة للحصول على رئيس جديد للوزراء، يُذكّر هذا الرقم القياسي الجديد بارتفاع عدد عمليات العبور الخطرة جدًا في إحدى أكثر الطرق البحرية ازدحامًا في العالم، وهو مستوى مستقرّ منذ العام 2018 في ظلّ تشديد الرقابة على مرفأ كاليه في فرنسا ونفق المانش.
والعام الماضي، اعترضت سلطات المملكة المتحدة واصطحبت إلى البر 28526 شخصا كانوا يحاولون عبور البحر.
وجاء في تقرير برلماني بريطاني مؤخرًا أن العدد الإجمالي قد يصل إلى 60 ألف شخص هذا العام رغم الوعود المتكررة من حكومة المحافظين البريطانية التي جعلت الموضوع أولوية منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتدفع ملايين الجنيهات إلى فرنسا لمساعدتها على تعزيز مراقبة السواحل وتزيد الإجراءات لتشديد استقبال المهاجرين.
ودانت منظمة العفو الدولية "المواقف المهينة للحكومة"، معتبرة أنه من الضروري "توفير طرق آمنة" للمهاجرين، من أجل وضع حد لعمليات العبور هذه المحفوفة بالمخاطر.
ومنذ العام 2014، فُقد أو تُوفي ما لا يقل عن 203 أشخاص، في البحر أو في البرّ، في محاولة للوصول إلى إنجلترا من الساحل الشمالي لفرنسا، من بينهم 27 شخصًا في يوم واحد في نهاية العام 2021 غرقًا، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
aXA6IDMuMTQ3LjEwNC4xOCA=
جزيرة ام اند امز