هل أوروبا والأوروبيون مدفوعون بدافع قسري مهلك يجعلهم يقعون من جديد في فخ أخطاء التاريخ القاتلة التي كلفتهم ملايين البشر من الضحايا.
هل أوروبا والأوروبيون مدفوعون بدافع قسري مهلك يجعلهم يقعون من جديد في فخ أخطاء التاريخ القاتلة التي كلفتهم ملايين البشر من الضحايا، عطفا على انهيار كامل لبنيتهم التحتية لولا مشروع مارشال الأمريكي؟
علامة الاستفهام المتقدمة نوجهها بشكل خاص للسيدة "فدريكا موجيريني"، منسقة السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، والتي أعلنت عن نية الأوروبيين في إنشاء كيان قانوني بهدف مواصلة التجارة مع طهران، ولا سيما شراء النفط الإيراني، ما يعني الالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران.
جل ما بين الإيرانيين والأوروبيين عن بكرة أبيهم من تعاملات مالية واقتصادية لا يصل في أحسن التقديرات وأعلى السقوف توقعا إلى العشرة مليارات دولار، في حين أن ميزانهم التجاري مع الولايات المتحدة الأمريكية يتجاوز الثمانمائة مليار دولار
يستدعي المشهد ربما إعادة تذكير السيدة موجيريني بأن أوروبا ارتكبت خطأ عمرها القاتل، عندما صمتت دولها الكبرى، لا سيما بريطانيا وفرنسا عن إدانة موجات النازية المتصاعدة، والتطرف المتغطرس الذي ولد من رحمه الزعيم الألماني "ادولف هتلر"، ذاك الذي بلغت تكلفة جنونه أكثر من سبعين مليون قتيل حول العالم، فيما الكارثة الأكبر أنه ترك إرثا أيديولوجيا، ها نحن نراه مرة جديدة يعاود الاستيقاظ في الداخل الأوروبي، مهددا بالقضاء على الأخضر واليابس لصالح رؤاه المتطرفة.
والشاهد أن الأوربيين قد وعوا درس التطرف الألماني وعملوا جاهدين طوال العقود السبعة المنصرمة على ألا يتكرر الخطأ، ومن هنا يتساءل المرء هل بات غافلا عنهم أن خامنئي وملاليه ليسوا أقل خطرا من تهديدات هتلر؟
دعونا نذكر بشيء مهم للغاية وهو أن هدف ثورة الخميني كان ولا يزال هدفا عقائديا محكوما بفكر ديني يسعى للسيطرة على الأرض ومن عليها، بهدف إعداد الساحة الأممية للإمام الغائب المنقذ والمخلص الذي سيظهر في نهاية الزمان، وحتى موعد ظهوره فإن إيران مكلفة بأن تجهز الساحة الدولية للصراعات التي ستنشب بين قوى الإمام المذكور وبين بقية العالم، وعليه فليدرك القارئ أن سعي إيران للتزود بالأسلحة النووية، وبناء ترسانة بحرية، وتجهيز قوة صاروخية لا تقل عن قوى الأقطاب الدولية، ليس إلا خطوات أولية في طريق السيطرة على العالم، حتى وإن كانت السيطرة من قبيل الأوهام.
ما هي ملامح الخطة الأوروبية التي تسعى من خلالها للالتفاف على العقوبات الأمريكية على إيران سيما تلك التي ستحل بها في نوفمبر/تشرين ثاني المقبل أي بعد بضعة أسابيع وليس أكثر؟
الجواب نجده عند مجلة "دير شبيجل" الألمانية الشهيرة، والتي أشارت إلى نية كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تأسيس "منشاة ذات غرض خاص" تشبه المقاصة، بهدف إخراج إيران من التعقيدات المالية، وفي الوقت ذاته تسمح لها بالتجارة.
كيف يمكن أن يترجم هذا الطرح لصالح ألمانيا؟
الأمور يمكنها أن تسير على النحو التالي، فعلى سبيل المثال بإمكان إيران أن تشحن النفط إلى شركة إسبانية، وهناك تتجمع أموال في مخصص مالي لصالح الإيرانيين، ومن خلاله يمكن استخدام الأرصدة المتوافرة في الدفع لشركات ألمانية تقوم بإنتاج سلع تحتاج إليها طهران.
هل يستقيم هذا التفكير الأوروبي في الحال أو الاستقبال؟
لتكن البداية في البحث من عند "ذهب المعز قبل سيفه"، بمعنى أن أوروبا ربما تكون قد فقدت عقلها لتضحي بتعاملاتها التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية لصالح إيران، سيما أنهم يعلمون أن خطوة كهذه حال قدر لها أن تنفذ بالفعل على الأرض ستكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير مع الولايات المتحدة الأمريكية.
خطوات أوروبا تجاه طهران يشوبها عوار اقتصادي خطير، ذلك أن جل ما بين الإيرانيين والأوروبيين عن بكرة أبيهم من تعاملات مالية واقتصادية لا يصل في أحسن التقديرات وأعلى السقوف توقعا إلى العشرة مليارات دولار، في حين أن ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة الأمريكية يتجاوز الثمانمائة مليار دولار، فهل الأوروبيون جادون في السعي إلى نوع من أنواع القطيعة الاقتصادية مع "العم سام" ولمصلحة من مثل هذا السعي، سيما مع دولة تسبقها سمعتها السيئة في التعاون مع الإرهاب الدولي؟
قبل أيام كان جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، يعيد التذكير بأن إيران أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، وفي الوقت عينه كان مايك بومبيو وزير الخارجية ورجل الاستخبارات السابق يؤكد أن بلاده ستحاسب الإيرانيين على إرهابهم الذي طال، ويمكن أن يطول المصالح الأمريكية حول العالم، وفي الشرق الأوسط بنوع خاص.
يمكن للمحلل السياسي المحقق والمدقق أن يعتبر التصرف الأوروبي الأخير حال اكتمل نوعا من أنواع المكايدة السياسية غير المسبوقة من الجانب الأوروبي ضد الحليف الأوثق والألصق شانا منذ الحرب العالمية الثانية، وللموضوعية هو حليف قدم الكثير جدا للشعوب الأوروبية، ولم يتوقف الأمر عند إنقاذ الأوروبيين اقتصاديا من خلال خطة "مارشال"، لكن عبر توفير الحماية اللازمة طوال أربعة عقود تقريبا من المواجهة مع حلف وراسو، فقد كان الناتو والذي تكبدت أمريكا أعباءه الغالبة هو حائط الصد أمام أطماع الاتحاد السوفيتي، فهل سيقوم الإيرانيون بتوفير حماية ما للأوروبيين من الروس، حال تغيرت ملامح ومعالم الخارطة الجيوسياسية الدولية، والتي تتغير بالفعل في حاضرات أيامنا؟
يتساءل المرء أيضا كيف تغيب التهديدات الإيرانية عن نواظر الأوربيين، وهل هم غير عابئين بالصواريخ الإيرانية التي يطال بعضها دول جنوب المتوسط الأوربية؟ وغدا وبعد تطوير البرنامج الصاروخي الإيراني، ستضحى سماوات أوروبا بأكملها تحت رحمة صواريخ الملالي الباليستية تقليديا أولا الأمر وفي المبتدأ، ثم نوويا وفي الخبر، إن مضت إيران في طريق برنامجها النووي، مهما تشدقت بأنه برنامج سلمي لتوليد الطاقة.
الإرهاب الإيراني واضح جدا وضوح الشمس في ضحاها في القارة الأوروبية الملبدة بغيوم الأفكار المشوشة، وقد بان جليا في نهايات يونيو الماضي عندما حاولت فرق الاغتيالات الإيرانية التي يقودها الحرس الثوري الإيراني المتنكر في هيئة دبلوماسيين في سفارات أوروبا، استخدام المتفجرات للاعتداء على مؤتمر للمعارضين الإيرانيين في باريس.
العقلاء من الأوربيين الذين استمعوا إلى كلمة روحاني من على منصة الأمم المتحدة، قد ثبت لديهم أن الرجل غير صادق بالمرة، ففي حين كان يحدث العالم عن محاربة بلاده للإرهاب حول العالم، كان العالم يكتشف من جديد الألغام البحرية التي يمكنها أن تجعل من البحر الأحمر نارا محرقة حال انفجرت الألغام البحرية، التي زود بها الحرس الثوري عملاءه من الحوثيين.
أوروبا مدعوة لمقاربة عاجلة بين خامنئي وبين هتلر، وإلا فالأسوا لم يقع بهم بعد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة