يغامر أردوغان بتعميق عزلته، مثقل بملف حقوق مثير للجدل وقفزات حادة على خطوط القتال
مثقل بملف حقوقي مثير للجدل، وبقفزات حادة على خارطة تحالفات إقليمية على خطوط القتال، يغامر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتعميق عزلته الخارجية، وتنمية خبرته في كيفية "خسارة حليف جديد بسرعة".
وتوترت علاقات أنقرة بدول الاتحاد الأوروبي على خلفية حملة تركية واسعة بحق معارضين بعد فشل انقلاب تقول الأخيرة إن رجل الدين فتح الله غولن يقف وراءه بدعم من دول خارجية.
كما ساءت علاقة أردوغان بالولايات المتحدة على خلفية الاعتماد المتنامي لواشنطن على الأكراد في سوريا والعراق لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي، الأمر الذي تعتبره أنقرة تهديدا لأمنها القومي.
وفتح أردوغان مؤخرا جبهة جديدة مع ألمانيا التي سعت إلى تخفيف حدة الهجوم الأوروبي على حليفها التركي، بعد أن قرر الاتحاد الأوربي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تعليق مفاوضات ضم تركيا إلى الاتحاد على خلفية إعلان أنقرة حالة الطوارئ بعد انقلاب فاشل العام الماضي.
ووصف الرئيس التركي أمس، خطوة ألمانية بإلغاء تجمعات سياسية لأتراك مقيمين فيها بأنها "لا يختلف عن تصرفات الحقبة النازية"، قائلا أمام حشد من أنصاره في اسطنبول "يا ألمانيا لا صلة لك من قريب ولا من بعيد بالديمقراطية ويجب أن تعلمي أن التصرفات الحالية لا تختلف عن تصرفات الحقبة النازية. وعندما نقول ذلك ينزعجون. لماذا تنزعجون؟".
وتوترت العلاقات بين أنقرة وبرلين بشكل ملحوظ بعد إلغاء تجمعات الخميس والجمعة في ألمانيا دعما للاستفتاء في 16 أبريل/ نيسان على توسيع صلاحيات أردوغان.
ويقول كرم سعيد الباحث المتخصص في الشؤون التركية، إن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لعبت دورا كبيرا لتخفيف شكوك شركائها الأوروبيين بشأن سجل حقوق الإنسان في تركيا.. وقالت إن قرار الاتحاد بتعليق مفاوضاته مع تركيا استشاري وغير ملزم، لكن التطورات الأخيرة تعكس تسارع كبير في تدهور العلاقات الألمانية التركية.
وتشكو دول أوروبية من أن أردوغان يريد أن "يضع في جيبه الأموال المخصصة للاجئين، دون أن يفعل شيء للحد من تدفق المهاجرين"، بحسب مجلة "تايمز" الأميركية، التي أضافت في تقرير لها حول الضغوط التي تواجه أردوغان أن لدى قادة أوروبا أسئلة كثيرة توجه إلى أردوغان بخصوص قمع وسائل الإعلام، بما فيها أكبر صحيفة معارضة، ووضع العديد من الصحفيين في السجن.
وتوصل زعماء الاتحاد الأوروبي وتركيا لاتفاق في محاولة لوقف تدفق المهاجرين على أوروبا، أوائل العام الماضي، تحصل بموجبه أنقرة على مساعدات مالية، مقابل إعادة اللاجئين إلى تركيا إذا رفض طلب اللجوء الخاص بهم.
وعلى خلفية الأزمة التركية الألمانية دعا المستشار النمساوي، كريستيان كيرن، أمس، إلى فرض حظر يشمل الاتحاد الأوروبي كله على ظهور الساسة الأتراك في حملات سياسية؛ لتفادي تعرض دول الاتحاد لضغوط من تركيا مثل التي تمارسها ضد ألمانيا.
كما دعا المستشار النمساوي الاتحاد الأوروبي إلى وقف المباحثات مع تركيا بشأن انضمامها إلى الاتحاد، وإلغاء أو فرض قيود على مساعدات من المزمع تقديمها لتركيا حتى عام 2020 ويبلغ حجمها 4.5 مليار يورو.
ويرى سعيد أنه رغم التوترات بين برلين وأنقرة، تدرك ألمانيا الأهمية الاستراتيجية لتركيا ما قد يساهم في عدم تعميق الأزمة على الأقل في الوقت الراهن.
وأجرت ميركل، يوم السبت الماضي، اتصالا برئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم في محاولة لتخفيف الاحتقان، كما سيلتقي وزيرا خارجية البلدين بعد غد الأربعاء.
ولا تبدو العلاقات التركية أفضل حالا مع الولايات المتحدة الأميركية، بحسب سعيد، الذي يشير إلى أن الخطة التي طلبها الرئيس الأميركي دونالد ترامب من البنتاجون لهزيمة داعش ومن المتوقع أن يعلن عنها خلال الساعات المقبلة، تعطي دورا أكبر للأكراد، وهو أمر يثير حنق تركيا.
وقال الرئيس التركي منتصف الأسبوع الماضي إن أنقرة تريد العمل مع حلفائها لاستعادة مدينة الرقة معقل تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، لكن من دون مشاركة القوات الكردية السورية.
وصرح أردوغان، في مطار اسطنبول قبل مغادرته إلى باكستان: "إذا كان حلفاؤنا صادقين حقا، نقول لهم: سنعمل معكم طالما أننا سنقوم بتطهير الرقة من داعش ونعيدها إلى أصحابها الأصليين".
لكنه قال إن تركيا لن تقاتل إلى جانب المقاتلين الأكراد السوريين، الذين تعتبرهم "إرهابيين".
وتعتبر واشنطن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب الأكفأ في مقاتلة تنظيم داعش، تركيا تعترض على ذلك.
وقالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في تقرير لها حول خطة وزارة الدفاع الأمريكية للعملية القادمة لتحرير مدينة الرقة السورية إنه "خلال اليومين الماضيين فقط، دخلت القوات الأميركية التي تعد نفسها لخوض عملية الرقة، مدينة بشمال سوريا من أجل الحيلولة دون حدوث مواجهة بين اثنين من القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة، وهي القوات التركية والقوات الكردية السورية. هناك وجد الأمريكيون أنفسهم يحاربون جنبا إلى جنب مع القوات الروسية وقوات الحكومة السورية من أجل نفس الهدف الواضح".
وتسعى تركيا بحسب سعيد إلى فتح آفاق جديدة في آسيا لتجنب عزلتها المتنامية، ويشير إلى أن رحلة أردوغان إلى باكستان كانت من أجل تخفيف عبء العزلة، خاصة في ظل مراوحة العلاقات التركية الإيرانية، فيما تخيم شكوك جادة على قدرة تركيا على الاحتفاظ بعلاقات عربية طيبة.