الجهود السياسية للأمم المتحدة لإنهاء الأزمة اليمنية، كانت ولا تزال تلقى كل الدعم من التحالف العربي.
اتفاق الحديدة الذي توصلت إليه الأطراف اليمنية خلال مشاورات السلام التي عُقدت في السويد، قد يكون بصيص النور المنتظر في نهاية النفق الذي احتجز الحوثيون فيه اليمن وشعبه منذ استيلائهم على السلطة الشرعية في عام 2015. فما الذي تغير في هذه المشاورات؟ ولماذا أنتج أسبوع استوكهولم ما لم تنتجه جولات عديدة وطويلة سابقة؟ وهل الأزمة اليمنية باتت أقرب إلى الحل السياسي من أي وقت مضى؟ أم أنها حلقة جديدة من حلقات التلاعب الحوثي؟... تساؤلات عديدة مطروحة اليوم بعد الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة بين وفدي الحكومة اليمنية الشرعية والميليشيات الحوثية.
الاتفاق مجرد البداية، والعبرة في ما سيفعله الحوثيون، حيث يبقى هذا الاتفاق (على أهميته) مرهوناً بالالتزام الفعلي بالتعهدات وعدم التراجع عما اتفق عليه، ووضع مصلحة اليمن وشعبه فوق أي اعتبار آخر، أو أجندات خارجية لا تريد لليمن الخير والسلام
الجهود السياسية للأمم المتحدة لإنهاء الأزمة اليمنية، كانت ولا تزال تلقى كل الدعم من التحالف العربي، الذي كان واضحاً منذ اليوم الأول لتدخله، فلا مكاسب أو مغانم له في اليمن، سوى تهيئة الظروف المناسبة للأطراف اليمنية كافة للجلوس إلى طاولة المفاوضات، والبحث عن حلول سياسية تفضي إلى تسوية دائمة تعيد إلى اليمن دوره الطبيعي في المنطقة، بعيداً عن الصراعات الطائفية التي أشعلتها الميليشيات الحوثية خدمةً لإيران، وتنفيذاً لأجندة طهران التي تعتمد على تأجيج النزعات المذهبية والطائفية، لتدمير المجتمعات العربية والتغلغل فيها عبر هذه النافذة المقيتة.
من المعروف أن المشاورات السياسية في أي نزاع أو أزمة يحكمها الواقع على الأرض، وموازين القوة والربح والخسارة، وهذه العوامل حاضرة دوماً في أي مفاوضات أو مباحثات، وهذا ما يقودنا إلى كلمة السر التي أوصلت الأطراف اليمنية إلى اتفاق الحديدة في مشاورات استوكهولم، فالواقع تغير، والحوثيون باتوا محشورين في عنق الزجاجة.
الحديدة كانت دائماً مربط الفرس في الأزمة اليمنية، وكلمة السر التي تحكم فشل المفاوضات والمشاورات السياسية، فالميليشيات اتكأت في الفترات السابقة على وجود شريان مالي وعسكري يغذيها، ويديم قدرتها على مواصلة القتال، عبر استغلال الحديدة لتهريب السلاح من إيران، وتوفير المال اللازم من عائدات الميناء أو الاستيلاء على شحنات المساعدات والمتاجرة بها.
التحالف العربي أدرك منذ بداية الأزمة أن استمرار سيطرة الحوثيين على الحديدة يعني بالضرورة مواصلة تعنت الميليشيات والضرب بالمفاوضات عرض الحائط، فآخر ما يهم الحوثيين هو الإنسان اليمني، وإيقاف معاناته ورفع المأساة عنه، وبرغم نداءات التحالف المتكررة الموجهة إلى المجتمع الدولي لرفع يد الحوثيين عن مدينة الحديدة ومينائها، فإن هذه النداءات لم تجد صدى لها في الواقع، فكان القرار بالحسم العسكري لتشكيل قوة ضغط تجبر الحوثيين على تسليم المدينة والميناء، وبالتالي فقدان الحوثيين الشريان المالي والعسكري، ودفعهم إلى طاولة المفاوضات، والتعامل مع الجهود الأممية بجدية بعيداً عن المماطلة المعهودة.
قوات التحالف العربي والقوات اليمنية ومنذ بدء العمليات العسكرية في الحديدة، كانت لديها القدرة العسكرية على الحسم، إلا أنها وضعت سلامة المدنيين والحفاظ على البنية التحتية في مقدمة أولوياتها، لتمارس ضغطاً محدداً ومجدولاً زمنياً ومتواصلاً على الحوثيين أجبرهم في النهاية على الرضوخ لصوت المنطق، والتعامل مع الواقع الجديد، وبذلك أثبت التحالف العربي صواب منهجه وسياسته في تسخير الضغط العسكري للوصول إلى اتفاق سياسي قد يكون بداية نهاية النفق المظلم.
الإنجاز السياسي الذي نتج عن الضغط العسكري على الحوثيين في الحديدة ستكون له تأثيرات مباشرة على مجمل الوضع اليمني، فاليوم ووفقاً للاتفاق سيكون للأمم المتحدة دور في عمليات التفتيش في موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، مما يشكل ضغطاً فعلياً على الحوثيين ويفقدهم القدرة على مواصلة عملياتهم العسكرية على الجبهات الأخرى.
اتفاق الحديدة حقق العديد من الأهداف الاستراتيجية المهمة، التي يمكن أن نوجز أبرزها في التالي:
أولاً - تهيئة الظروف الملائمة للجولات المقبلة من المشاورات السياسية، والتعامل معها بجدية من قبل الحوثيين.
ثانياً - إيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان الحديدة والمناطق الشمالية، عبر ميناء الحديدة والموانئ الأخرى التي ستشرف على إدارتها الأمم المتحدة.
ثالثاً - نزع الألغام التي تشكل تحدياً أساسياً أمام إيصال المساعدات الإنسانية، علاوة على فتكها بالمدنيين.
رابعاً - تأمين الملاحة البحرية في باب المندب بشكل كامل، ومنع أي تهديد لها ناجم عن وضع منصات الصواريخ الحوثية في مدينة الحديدة والميناء.
خامساً - وقف تهريب الأسلحة والأموال للحوثيين من قبل إيران وأتباعها.
أهداف عديدة ومهمة تحققت نتيجة الممارسة العسكرية الاحترافية للتحالف العربي والقوات اليمنية في الحديدة، وبدأت هذه الممارسة تؤتي أكلها، وهذا ما تجلّى في اتفاق استوكهولم، ونأمل أن تواصل الميليشيات تغليب المنطق والعقل في الجولات المقبلة، للوصول باليمن إلى برّ الأمان وبدء مرحلة من الاستقرار والازدهار.
الاتفاق مجرد البداية، والعبرة في ما سيفعله الحوثيون، حيث يبقى هذا الاتفاق (على أهميته) مرهوناً بالالتزام الفعلي بالتعهدات وعدم التراجع عما اتفق عليه، ووضع مصلحة اليمن وشعبه فوق أي اعتبار آخر، أو أجندات خارجية لا تريد لليمن الخير والسلام.
اليوم نحن امام مرحلة جديدة في اليمن، والأمر بيد الحوثيين لمواصلة المسار السياسي، والبدء بتطبيق الاتفاقات واحترام الجهود الدولية الرامية لحل الأزمة اليمنية، بناء على المرجعيات الثلاث وفي مقدمتها القرار الدولي 2216، فهذه المرجعيات هي الأساس الذي يُبنى عليه حل مستدام قابل للاستمرار والانتقال باليمن إلى مرحلة إعادة الإعمار والاستقرار.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة