الحرب تكاليف، ويفوز فيها مَن يقدر عليها. هل توجد حقيقة أبسط من ذلك.
لكي يفهم المسؤولون الإيرانيون أن تهديداتهم ضد الولايات المتحدة، ليست إلا نقيق ضفادع؟
وماذا تملك إيران لكي تهدد بملاحقة المسؤولين الأمريكيين عن مقتل قاسم سليماني في عقر دارهم؟ هل هناك حماقة أكبر من تلك التي تدفع قائد فيلق القدس الجديد إسماعيل قاآني إلى القول "إن على المسؤولين الأمريكيين أن يجربوا أسلوبَ الحياة السرية"، أو قول إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية والمرشح لخلافة علي خامنئي، إن "أيا من المسؤولين الأمريكيين لم يعد في مأمن بعد الآن على الكرة الأرضية".
لا تملك إيران من القوة العسكرية ما تستطيع أن تواجه به الولايات المتحدة، وبرغم أنها تكرر التهديد لدول المنطقة أيضا، فإيران لا تملك من القدرات العسكرية ما يجعلها قادرة على كسب حرب معها، ولا حتى على خوضها.
إيران تراهن، من الأساس، على مشروعها النووي لأنها تعرف كم أن قدراتها العسكرية الأخرى هزيلة، ولن تقوى على الصمود 48 ساعة أمام الضربات المحتملة لمراكزها القيادية ومنشآتها الحيوية. كل شيء يمكن أن ينهار على رؤوس مسؤوليها الذين يعتقدون أنهم إذا مارسوا التخويف، باتوا آمنين. وما ذلك إلا وهمٌ جسيم.
في النهاية، فإن المسألة مسألة حساب. وفي هذا الحساب يسقط المجعجعون بما جعجعوا، لأنهم ساعة يحمى الوطيس، سوف يرون ماذا تعني الحرب.
لا تملك إيران غطاء جويا يسمح لها بالتصدي للمئات، بل وربما الآلاف من غارات الطيران. سماء إيران تكاد تكون مكشوفة بالكامل، وصواريخها بلا قيمة من الناحية الفعلية، ليس لأن عددها محدود، وليس لأن التصدي لها أصبح ممكنا من قبل أن تصل إلى أهدافها، وإنما أيضا، لأن مراكز إطلاقها المرصودة سلفا سوف تكون هي الهدف الأول، فيما يملك الطرف الآخر صواريخ أيضا، أكثر عددا، وأكثر دقة، وأكثر قابلية على التدمير.
وإيران بلد مفلس من الناحية العملية، واحتياطاتها لا تكفي لتغطية احتياجات عام واحد أو عامين على الأكثر، وهو ما سوف يعني أن البلاد لن تعود قادرة على إعادة بناء أي منشأة عسكرية أو صناعية قد يتم استهدافها. سوف يجلس علي خامنئي وغربانه على تلة الخراب لينعقوا ما كانوا به يهددون.
الحرب ليست، في آخر المطاف، لعبة من طرف واحد، إنها لعبة من طرفين على الأقل. وما تعتبره إيران أهدافا سهلة لها، إنما تقابلها المئات والآلاف من الأهداف السهلة في أراضيها. وبينما تملك الولايات المتحدة، وكل دولة من دول المنطقة، من السعة ما يكفي لإعادة البناء، فإن إيران لا تملك ما يكفل لها إعادة بناء مصنعين، لا هي ولا حتى من تظن أنهم قادرون على مساعدتها، فهؤلاء لو قدروا لكانوا ساعدوا في إعادة إعمار ما كان يتعين عليهم أن يفعلوه في غير مكان آخر.
يسقط المسؤولون الإيرانيون بالحساب، ليس لأنهم لا يعرفونه، بل لأن طبع الضفادع هو الذي يجبرهم على النقيق.
يخطئ مَن يظن أن النظام الإيراني يعيش في عزلة عن العالم فقط، إنه يعيش في عزلة أشد مع شعبه، فالفقر والمرض يحيقان بعشرات الملايين من الإيرانيين، وهم يرون كيف أن نظامهم قاد كل شيء في البلاد إلى هاوية، من أنظمة الخدمات الأساسية والبنية التحتية، إلى الفساد والفشل الاقتصادي متعدد الوجوه.
ولئن ألقى المسؤولون الإيرانيون باللوم على العقوبات المفروضة عليهم، فإنهم لا يقولون إن أعمال نظامهم العدوانية ومنظمات الإرهاب التي يتولون رعايتها ومليشيات الفساد والتخريب التي يعتمدون عليها لمد نفوذهم، هي السبب.
لا يقولون ذلك، لأنهم يعتقدون أن ما يرتكبونه من جرائم وأعمال إرهاب وتهديد، يجب أن تمر من دون عائق، أو يتعين على العالم أن يتحملها من دون أن يضع أمامها حائط صد على الأقل.
ويحسب أولئك المسؤولون أنهم إذا ما هددوا الولايات المتحدة، فإنهم سوف يعودون إلى طاولة المفاوضات معها من موقف قوي، وهذا افتراض هزيل. أم تراهم يريدون إقناع شعبهم بأنهم لا يزالون أقوياء عليه؟
شعبهم ما كان ليخرج في مظاهرات متكررة، إلا لأنه يرى ما يرى من الحقيقة التي لا تخفى حتى على الغافل منه، لأنه يعيش مع المأساة كل يوم، وهي تتجسد أمامه، في كل مظهر من مظاهر الحياة، من مائدة الطعام إلى البطالة والتضخم إلى فشل أنظمة الرعاية والخدمات.
الولايات المتحدة، تعرف بدورها كيف تحسب؛ تعرف كيف تضع الحقائق أمام الحقائق لتستنتج منها الرد الصحيح.
لا أحد يقول إن الولايات المتحدة لا تخطئ، لقد أخطأت كثيرا من قبل، ولكنها حتى عندما تخطئ تعرف العاقبة وتحسبها، بل وقد تختارها طوعا، ولكنها تملك السعة لتجاوزها دائما.
فهل يحسب المسؤولون الإيرانيون ما بين أيديهم على الأقل؟ أفلا يرون هزال ما يملكون؟ أفلا يدركون أن تهديداتهم الجوفاء، ينقصها حسن التقدير والتدبير؟ أفلا يفهمون أن الحرب تكاليف، وأنهم عاجزون عن تعويضها؟
ولكن، ماذا ترى الضفادع تفعل لو أنها توجست خطرا؟ أفهل تملك غير النقيق؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة