عزز كثيرون في الآونة الأخيرة فكرة انتهاء الأسطورة الأمريكية والحلم الأمريكي الذي انغرس في الثمانينيات والتسعينيات.
وصعود النجم الصيني ليكون لاعباً رئيسياً ومؤثراً فاعلاً على الساحة الدولية، وهو ما تعزز أكثر من خلال الأحداث التي شهدناها في عام 2020، وكانت فيه الصين من أكثر الدول التي ذاع صيتها على صعيد الدبلوماسية بين الدول، فتحوّلت في خطها من دبلوماسية محافظة مهادنة وهادئة إلى إبراز الشخصية القوية للصين.
هذه الدبلوماسية تتمثل بشعار "دبلوماسية الذئب المحارب – Wolf Warrior Diplomacy "، وهو أسلوب مستوحى من فيلم إثارة صيني، أُنتج في عام 2015، لجندي من القوات الخاصة مهمته قتال المرتزقة الأجانب.. فكانت الردود الصينية وتعاملها مع عدد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة وأستراليا وإسبانيا وغيرها التي حاولت تشويه سمعتها على خلفية ملف فيروس كورونا المستجد كوفيد 19 خير دليل على قوة السياسة الصينية، فمقابل ابتسامة السلام هناك اليد القدرة على التعامل بحسم حينما يحدق الخطر بالعدالة الدولية من وجهة نظر بكين.
هذه الدبلوماسية جاءت مسنودة بتحول شعار الجمهورية الذي استبدله الرئيس شي جين بينغ من "الصعود السلمي" إلى شعار "حلم الصين"، حيث ارتكزت الاستراتيجية على إعادة الاعتبار التاريخي للصين والاعتراف بها كقوة إقليمية وعالمية، في ظل تزعزع مكانة أمريكا وسط الأزمة الصحية المستمرة وما لاقته من عدم رضا أوروبي وعالمي، دعّم توترات أمريكية غربية سابقة في ملفات اقتصادية وتجارية واستراتيجية.
وهنا تساءل البعض حول ما إذا كان هذه التوجه الصيني الجديد في التعامل مع الخارج قد وصل إلى نضوجه أم أنه في طور التبلور البطيء؟!
المؤشرات ترجح سير الصين على طريق متصاعد رغم وعورته، فمع اعتلاء إنعاش الاقتصاد وقضايا المناخ والأمن الغذائي والسباق التكنولوجي، خاصة في الذكاء الاصطناعي عرش الأولويات في عام 2021 كامتداد طبيعي لمفرزات العام الاستثنائي المنصرم، عملت بكين بجهد بالغ رغم ما لاقته من تراشق عالمي في بداية أزمة كورونا لتحويل المسار من دولة حملت المسؤولية عن هذا الفيروس إلى دولةٍ بادرت لتكون الأولى في إيجاد اللقاح الفعال وتقديم مساعدات لعدة دول مستغلة الانشغال الأمريكي بالداخل وضعف العمل الأوروبي المشترك، فتبرعت بالآلاف من أجهزة التنفس وأرسلت فرقاً طبية إلى عدد من الدول، وقدمت قروضاً ومجموعات اختبار ضخمة.
اللعبة الآن مع الكبار.. تدرك الصين ذلك جيداً، فالمجتمع الدولي يراها لاعباً رئيسياً اليوم رغم عدم الاعتراف الواضح بذلك.. هل ستتمسك بكين بدبلوماسيتها الجديدة وتختار تخفيف حدة التوترات خاصة مع الولايات المتحدة؟ وهل ستصمد أمام احتفاظ إدارة "بايدن" بموقف عدائي معها وسط إصراره على بناء تحالف دولي أكثر تماسكًا ضدها واستهدافه تحديداً لقطاع التكنولوجيا الذي تقوضه الصين بجبروتها وذكائها؟!
الأيام المقبلة كفيلة بترجيح الكفة نحو الأذكى والأدهى.. فكل شيء ممكن في عالم السياسة والاقتصاد وفي زمن تنقلب فيه الأمور على حين غفلة.. فبكين تؤمن بأن "العصفور في القفص، لا تضغط عليه، ولا تفتح له، ليطير".. في إشارة إلى ضبط التبادل الحر في الاقتصاد والتجارة، مع الاحتفاظ التام بالسلطة السياسية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة