"الليالي الحلوة والشوق والمحبة".. كتاب عن علاقتنا بمحتويات البيت
البيت يتحول إلى ظاهرة ثقافية متكاملة وليس فقط فضاء للسكن ويبدو الكتاب وثيقة لدراسة الناس وكيفية تعاملهم مع العناصر والثقافات الموروثة
لم يكن الكاتب والرسام المصري حسن الحلوجي (40 عاما) يعلم أن كتابه "الليالي الحلوة والشوق والمحبة"، الذي يروي علاقة الناس بمفردات بيوتهم سوف يتزامن صدوره مع بقائهم في المنازل لأيام طويلة بسبب الإجراءات المتخذة لتفادي انتشار فيروس "كورونا"، وبالتالي سيكون لديهم متسع من الوقت لإعادة اكتشاف العلاقة مع البيت ومفرداته.
ويسعى الحلوجي في كتابه الصادر في 250 صفحة من القطع المتوسط عن دار "تويا"، إلى رسم جدارية كبيرة للبيت المصري عبر أكثر من قرن كامل، تعمل على إضفاء بعد إنساني عن كل الأشياء التي يتناولها ويبث فيها الروح التي تستعيدها من عالمها القديم لتلمع في الذاكرة من جديد.
وتأتي هذه الجدارية مطرزة بكثير من نوبات الحنين، ومختلف صور النوستالجيا التي يستشعرها القارئ، لدرجة أن الكتاب يبدو في صفحاته أقرب الى متحف للحياة اليومية في مصر يشابه المتاحف "الإثنوجرافية" التي تنتشر في مختلف دول العالم ولا يمكن فصل نص الكتاب عن غلافه الذي صممه الكاتب ليبدو عتبة لارتياد هذا العالم الفريد.
وعبر منهج فريد في الكتابة يجمع بين السرد البصري والتوثيقي، تتدفق المعلومات التي تؤرخ لقطع الديكور وأدوات المطبخ والشرفات وأدوات النظافة وقاعة الاستحمام وقطع الغسيل وأماكن حفظ الكراكيب والأدراج وسلسلة المفاتيح ومقابض اليد وأسطح الطاولات.
ومزج الكاتب في كتابة النصوص حس المؤرخ الاجتماعي بالفنان البصري الذي اعتنى بالتأصيل التاريخي للعناصر التي يتأملها في داخل البيت وخارجه إلى جانب الاهتمام البالغ بالعلاقة مع فضاء المدينة العام وتقصي كل العلاقات التي تنشأ بين مختلف العناصر بداخله.
ويعطي الحلوجي للنصوص التي يكتبها حول تلك القطع والأدوات عناوين شعرية يستمد أغلبها من الأغنيات والأفلام المصرية الراسخة في الذهن.
ويهتم الكتاب بالعلاقات الروحية التي يمكن أن تنشأ بين الأشياء داخل المكان وخارجه، ليتحول البيت إلى ظاهرة ثقافية بامتياز، وهو فهم مستمد من الفلسفات الشرقية وبالتحديد "الفينج شوي" (Feng Shui)، وهي فلسفة صينية نشأت منذ نحو 4000 سنة مضت تبحث في فن التناغم مع الفضاء المحيط وتدفقات الطاقة من خلال البيئة والتصالح مع النفس ومع الطبيعة المحيطة بالإنسان، وبذلك يستطيع التعايش بشكل إيجابي بدون توتر.
ويتحول البيت في الكتاب إلى ظاهرة ثقافية متكاملة وليس فقط فضاء للسكن، ويبدو الكتاب وثيقة لدراسة الناس وكيفية تعاملهم مع العناصر الثقافات الموروثة والوافدة في كل أشكال الحياة اليومية، ويعكس كل نص من نصوص الكتاب درجة من درجات مؤشر بياني يمكن عبره تخيل علاقة المصريين بالاستهلاك السلعي.
واعتمد الحلوجي في بناء هذه السردية الممتعة على مراجع تاريخية ومشاهدات ورسائل لرحالة وعلماء اقتصاد واجتماع، فضلا عن جملة من الأرشيفات السمعية والبصرية ورسوماته الداخلية التي تعرف القارئ على ما أسقطته الذاكرة وتتماسك في النهاية مثل سبيكة، ويبدو الكتاب في مجمله أقرب لفسحة تأملية عميقة تعطي مفاتيح فهم الحياة الاجتماعية للبشر وسلوكهم.
وحسن الحلوجي كاتب مصري وفنان تشكيلي ولد عام 1979، وتخرج من أكاديمية الفنون عام 2000 وله 8 مؤلفات تجمع بين الأدب والفنون البصرية وحصل كتابه "الممنوعات" على جائزة أفضل كتاب فني في معرض القاهرة للكتاب في دورته الخمسين، ومن أعماله: "تسعيناتي، و"جلب الحبيب"، و"مات الكلام"، و"ألطف الكائنات"، و"أخضر بحواجب"، و"رسم قلب".
aXA6IDMuMTUuMjAzLjI0MiA= جزيرة ام اند امز