مكتبات نادرة على الرصيف وأخرى تموت في البيوت (3- 3)
كنوز مصر الثقافية تباع في مزادات.. ومثقفون: تاريخنا في خطر
العام 2011 شهد بيع مخطوطات للكاتب المصري العالمي نجيب محفوظ، في جلسة مزاد علني بصالة "سوثبي" للمزادات في العاصمة البريطانية لندن
تتعرض الوثائق والمخطوطات والكتب النادرة بمصر لعمليات تهريب، حيث تعلن من وقت لآخر صالات المزادات الشهيرة في الخارج عن بيع وثيقة أو مخطوط، وفي أحيان كثيرة تعرض بعض تلك الكنوز الثقافية للبيع على الإنترنت.
ففي عام 2011، بيعت مخطوطات للأديب العالمي نجيب محفوظ، في مزاد علني نظمته دار "سوثبي" للمزادات في العاصمة البريطانية لندن، دون أي إشارة لطريقة خروجها من مصر.
طرق غير شرعية
ويعرف المتابعون للشأن الثقافي ما يدور في الكواليس عن وجود مخطوطات أخرى لمحفوظ خارج مصر خرجت بطريق غير معلوم، حيث يرى الكاتب شعبان يوسف أن "ذاكرة الأمة تضيع بضياع التراث من الكتب والوثائق والمخطوطات"، مؤكدا أن حماية التراث أمر ضروري يقع على عاتق الدولة في المقام الأول، وعلى المثقفين رعاية التراث بكل الطرق إلى أن تولي الدولة عنايتها.
ويمتلك يوسف عددا كبيرا من المخطوطات والكتب النادرة وأرشيفا لصحف ومجلات قديمة قام بشرائها، حسب قوله، من بائعي الكتب القديمة في سور الأزبكية والسيدة زينب، ومنها على سبيل المثال أوراقا من مكتبة المخرجين صلاح التهامي، وشادي عبدالسلام وللكتابين البارزين شوقي فهيم، وصلاح عيسى، إلى جانب سيناريوهات مكتوبة بخط اليد للمخرج شادي عبدالسلام، صاحب فيلم "المومياء"، وسيناريوهات مسلسلات نادرة لم تنفذ للكاتب حسن محسب.
وفي حواره مع "العين الإخبارية"، يستشهد يوسف بمثال على إهدار التراث، من ذلك ما جرى لجريدة اسمها "الملايين" التي كانت تصدر في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، وترأس تحريرها أحمد صادق عزام، وهذه الفترة شهدت صعود يوسف إدريس، وصلاح جاهين، ويوسف الشاروني، وفؤاد حداد، وكانت الجريدة تمتلك قصصا وروايات بخط يد هؤلاء الأدباء، كانت مودعة في أرشيف الجريدة وعندما توفي مالكها ورئيس تحريرها أحيل هذا الأرشيف إلى ابن أخيه الذي تخلص منه مع أعداد الجريدة وكذلك وثائقها ومخطوطاتها.
ويؤكد يوسف أنه تلقى عرضا من جهات أجنبية بتصوير عدد من الكتب النادرة مقابل مبلغ مالي، لكنه رفض خوفا على مكتبته، حيث يخشى ضياعها قائلا: "بالرغم من أن أولادي لهم علاقة بالثقافة لكن لا أعلم كيف سيتصرفون في مكتبتي وما فيها من نوادر".
ويشرح يوسف كيف يحصل بائعو الكتب من أصحاب الخبرة على النوادر من الكتب قائلا: "بمجرد علمهم بوفاة أحد المثقفين يتوجهون إلى الورثة ويطلبون شراء المكتبات للأسف بعض الهيئات الحكومية تتخلص من الأوراق المخطوطة التي لديها دون وعي أو إدراك لأهميتها أو يتم بيعها بطريقة غير شرعية".
ويرى عماد القهوجي، وكيل وزارة سابق بدار الكتب المصرية، أن السبب الرئيسي وراء ضياع التراث الثقافي المصري، هو اتجاه الورثة للبيع بعيدا عن الدولة، لذلك يستدعي الأمر تدخلا من الدولة بإصدار تشريع يحفظ التراث ويضمن البيع للمؤسسات الثقافية المعنية.
ويقول القهوجي إن التراث الثقافي، ولو كان ملكا للأفراد إلا أنه جزء من تاريخ مصر وليس خاصا بالأسرة، ولكن يجب تعويضهم ماديا، بحيث لا يتم البيع بطرق غير شرعية أو خارج مصر.
تراث مشتت
مع ظهور مكتبة الإسكندرية عام 2002، أولت إدارة المكتبة عناية كبيرة بحفظ المخطوطات وترميمها كما أسست مركزا لذاكرة مصر المعاصرة إلى جانب قسم الإهداءات الذي استقبلت المكتبة من خلاله العديد من المكتبات الخاصة التي وصل عددها إلى 45 مكتبة خاصة لمشاهير الحياة العامة، لكن لا أحد يعرف المعايير التي تعتمدها المكتبة في سياسات عملها في هذا الجانب، حيث تعول الكثير من الشخصيات على أملها في عناية المكتبة بما سيتركونه من إرث.
وتمتلك المكتبة حاليا مليونيْ كتاب على الأرفف وفي المخازن، والمستهدف للمكتبة هو الوصول إلى 8 ملايين كتاب، وفي سياق الحديث عن الإهداءات التي تشمل (كتبا، وثائق، مخطوطات، صورا) يقدمها أصحابها، يتم تقييم هذه المحتويات من خلال مندوب، ومن ثم الموافقة عليها حسب أهميتها وحالتها وتوجيه خطاب شكر للمهدي.
وإذا كانت الكتب المهداة تخص شخصيات عامة فتوضع ضمن ما يسمى بـ"المجموعات الخاصة" وتحمل اسم صاحبها، ويتم أرشفتها باسمه أيضا، وهناك إجراءات قانونية للإهداءات.
مكتبات مهداة
تضم مكتبة الإسكندرية ضمن المجموعات الخاصة المهداة للمكتبة وثائق وكتبا لنحو 45 شخصية عامة بينهم رؤساء ووزراء ورجال سياسة ورجال قانون وفنانون وأساتذة جامعات، ومنهم الرؤساء السابقون مثل جمال عبدالناصر، ومحمد أنور السادات، وزعماء مثل السلطان قابوس بن سعيد، سلطان سلطنة عمان، والأمير هنريك أمير الدنمارك، ومحمد سعيد فارسي أول أمين لمحافظة جدة السعودية، وعالم الجيولوجيا المصري الدكتور فاروق الباز، وعالم الكيمياء المصري الدكتور أحمد زويل، والدبلوماسي المصري الدكتور بطرس بطرس غالي، والفنان المصري نور الشريف، والأديب إدوارد الخراط.
ويؤكد المفكر السياسي الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ"العين الإخبارية"، أن التراث المصري مشتت في المنطقة، وقال: "يكفي أن إسرائيل تملك أكبر أرشيف لأغاني أم كلثوم بالإضافة إلى آلاف الكتب والمخطوطات والخرائط النادرة".
ويوضح الفقي أن هناك صعوبة في تغيير قانون الملكية الفكرية، والمشكلة أيضا أن هذه القضية تتداخل مع قانون حماية الملكية الخاصة، مستشهدا بالأزمة التي أثارتها مكتبة الفنان حسن كامي.
ويقول: "حاولنا أن نتدخل لكن أطرافا أخرى ظهرت أمام الورثة وعرضت عشرات أضعاف ما نعرضه أو تعرضه وزارة الثقافة، وما زال الأمر معلقا إلى الآن، والنزاع قائم".
وأكد الفقي: "إننا أصبحنا في صراع حقيقي بين ما يمكن أن يقيمه المعنيون بالتراث (مكتبة الإسكندرية أو أحد المتاحف المصرية وخبراء دار الكتب والوثائق) وبين من يبيع في السوق الحر، والدولة لا تملك كل هذا المال للمحافظة على تراثها الموجود لدى ورثة لهم الحق في التصرف بإرثهم وفق مصالحهم".
ويشير إلى حرص المكتبة في التعامل المباشر مع من ترى أن لديه ثروة تراثية، ويقول: "نجحنا هذا العام في الحصول على أهم وأغنى مكتبة بالوثائق في مصر وهي مكتبة الأستاذ محمد حسنين هيكل التي تخضع الآن للفهرسة والتصنيف"، ويؤكد أن الحصول على المكتبة لم يكن سهلا، حيث تطلب الأمر مفاوضات شاقة مع الورثة الذين أظهروا اعتزازهم التام بما لديهم من أوراق".
ويطالب مدير مكتبة الإسكندرية رجال الأعمال بلعب دور فاعل في حماية التراث بالتعاون مع الدولة، كما يحدث في أغلب بلدان العالم.
aXA6IDMuMTQ1LjE2MS4xOTQg
جزيرة ام اند امز