موائد الطعام توحد المتظاهرين العراقيين في ساحات الاعتصام
متطوعون قادمون من بغداد ومحافظات جنوبية يتولون إعداد أطباق عراقية شهيرة تعكس مطبخ بلادهم الغني وتعزز وحدة المحتجين في ساحة التحرير.
نجحت مجموعة ممن يطلق عليها "جنود الظل" في إكساب ساحة التحرير ببغداد "زخماً" جديداً، بعد تمكنهم من تجميع المتظاهرين العراقيين على مائدة واحدة.
وبحسب وكالة الأسوشيتد برس فإنه في الوقت الذي يخطف فيه المتظاهرون الطامحون إلى بناء عراق أفضل، أضواء الكاميرات، فإن جنوداً مجهولين يقضون ساعات طوال لإعداد وجبات لإطعام عدد هائل من المحتجين.
ويتولى المتطوعون القادمون من بغداد ومحافظات جنوبية إعداد أطباق عراقية شهيرة تعكس مطبخ بلادهم الغني وتعزز الوحدة بين المحتجين في ساحة التحرير.
وتمثل ساحة التحرير في العاصمة بغداد "بؤرة الاحتجاجات" التي اندلعت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتجاجا على الفساد الحكومي والبطالة ونقص الخدمات الأساسية والنفوذ الإيراني في العراق.
وتحولت ساحة التحرير بالنسبة لكثير من المتظاهرين في وسط بغداد إلى نموذج مصغر لنوع الدولة التي يحلمون بها، حيث لا تلعب التوجهات السياسة والطائفية أي دور بينهم ووجود الخدمات العامة.
كانت الخدمات، بما في ذلك إمداد المتظاهرين شبه الثابت بالغذاء، جزءاً لا يتجزأ من محاولات استمرار الحفاظ على تواجد المتظاهرين في الساحة، لكن المتطوعين يساورهم القلق بشأن الانخفاض التدريجي في التبرعات.
بعد وقت قصير من بدء الاحتجاجات، بدأ المتطوعون في إقامة خيام لطهي وتوزيع الأطباق العراقية التقليدية على المتظاهرين في ساحة التحرير والمناطق المحيطة بها.
وفي مقابلة مع الأسوشيتد برس قالت سيدة تكنى بـ"أم عمار" من محافظة ميسان جنوبي العراق: "نعد هذه الوجبات من أجل الجائعين والمحتاجين هنا في ساحة التحرير".
وتجهز أم عمار "السياح" وهو مزيج سميك من دقيق الأرز والماء، إضافة إلى الأطباق التقليدية الشهيرة الأخرى مثل العدس والفاصوليا، وكذلك "تيبسي" وهو طاجن عراقي تقليدي ووجبة الدولما.
ومن بين الأطباق الشهيرة المتداولة بين المتظاهرين "المخلمة" والتي تتألف من مزيج من البطاطا والطماطم والبصل والبيض وتقلى معا وتوضع في الخبز، وتشتهر بكونها الإفطار المفضل لسكان العاصمة بغداد.
وخلال المقابلة ذاتها، أكد محسن سلمان، طباخ من العاصمة يعد "المخلمة"، أنها طبق بغدادي قديم يشيع تناوله في الصباح، مضيفاً: "كل الشعب العراقي، وخاصة سكان بغداد، يحبون هذا الطعام".
خبز العروق أو ما يُطلق عليه "التندوري" أيضاً المصنوع من العجين الممزوج بالكرفس والتوابل، أحد أبرز الأطعمة المفضلة لدى المحتجين العراقيين.
وهناك الحلويات الشعبية، مثل الهريسة وتتكون من قمح كامل محلي يتم سلقه وإضافة السكر والقرفة له، ثم الشريك وهو خبز دقيق القمح المحشو بالتمر، وهناك كرات العجين المقليّة التي تدعى العوامة (الزلابية).
ويتوافد المحتجون على الخيام التي أعدت كمطاعم لإعداد الوجبات للمشاركين في الاحتجاج لملء الأطباق البلاستيكية بالطعام.
يقول المحتجون إن الطعام المجاني مهم للمساعدة في الحفاظ على حركة الاحتجاج، خاصة بالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة أكل اللحوم بشكل منتظم لكنه ليس عامل الجذب الرئيسي.
ويمكن رؤية الأشخاص يصطفون لملء الأطباق البلاستيكية بالطعام، حيث يقول المحتجون إن الطعام المجاني مهم للمساعدة في الحفاظ على حركة الاحتجاج، خاصة بالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة أكل اللحوم بشكل منتظم.
يعبر هاشم الجبوري عن قلقه بعد أكثر من شهرين من الاحتجاجات من تراجع الدعم المادي للمتظاهرين. وقال وهو يتحدث بينما كان يقلي الفلافل في قدر كبير، إن الدعم لم يعد قوياً كما كان في البداية.. "هناك الكثير من الضغوط والتهديدات التي تستهدف المتطوعين".
لكن البعض أكدوا أنهم لن يستسلموا لهذا الترهيب.
وقالت أم محمد، التي كانت تقوم بطهي الأرز والفاصوليا: "أقوم بتوزيع الطعام على إخوتي المحتجين.. لن نتراجع حتى لو قتلونا أو هددونا.. لا نهتم".
أم محمد التي قتل زوجها خلال الصراع الطائفي في العراق عام 2006، وباتت المسؤول الأول عن أربعة أبناء، واصلت حديثها: "أنا زوجة شهيد، لكن لا بأس. لن أتراجع ولن أترك الساحة. هنا منزلي الآن، حتى أحصل على حقي".
كانت الأمم المتحدة قد دعت، الأسبوع الماضي، إلى توفير مزيد من الحماية للمتظاهرين السلميين في العراق، محذرة من أن "عنف العصابات المنبثق عن الولاء للخارج قد يضع العراق في مسار خطير".
وأكدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، في تصريحات سابقة، أن القتل والاختطاف والتهديد والضرب مستمر ضد المتظاهرين.
وقالت لين معلوف، مديرة أبحاث الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية: "التصدي بشكل عاجل للوضع المقلق في العراق، الذي يواجه منعطفاً خطيراً ينذر بتصاعد العنف".
وأضافت: "لقد عانى الشعب العراقي طويلاً جداً من دورات العنف المتعاقبة".
وندد المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني، الجمعة، بقتل وخطف المحتجين في الآونة الأخيرة، وحث الدولة على السيطرة على استخدام الأسلحة.
ولم يتبين عدد الأشخاص الذين فقدوا منذ اندلاع الموجة الثانية من المظاهرات العراقية، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتجاجاً على الفساد السياسي والتدهور الاجتماعي المستشري في البلاد.
وقتل أكثر من 460 شخصاً معظمهم من المتظاهرين السلميين، وكذلك بعض أفراد قوات الأمن منذ ذلك الحين، وفقاً لوكالة رويترز.
ورغم استقالة حكومة عادل عبدالمهدي وهي مطلب رئيسي للمحتجين، فإن المظاهرات لا تزال متواصلة وتطالب برحيل النخبة السياسية المتهمة بالفساد وهدر أموال الدولة.
aXA6IDE4LjExNi4xNS4yMiA= جزيرة ام اند امز