3 قصص لـ"صناع الأمل" تزرع الأمل في العالم العربي
معدية العمري وأحلام يوسف ورزق المصري.. 3 حكايات عن الأمل وقوة العزيمة ومحبة الناس والسعي إلى إفادتهم.. ماذا تقول التفاصيل؟
منذ إطلاقها نهاية فبراير 2018، نجحت مبادرة "صناع الأمل" في اجتذاب عدد كبير من المشاركات من شباب وشابات من مختلف أنحاء العالم العربي يتطلعون إلى المساهمة في نشر الأمل وصنع تغيير إيجابي. حتى اليوم، تلقت مبادرة "صناع الأمل" آلاف قصص الأمل من أفراد ومجموعات، لديهم مشاريع ومبادرات، يسعون من خلالها إلى مساعدة الناس وتحسين نوعية الحياة أو المساهمة في حل بعض التحديات التي تواجهها مجتمعاتهم.
سعياً لمشاركة هذه القصص كي تكون مصدر إلهام للآخرين الذين يتطلعون إلى تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل، نستعرض بعض قصص صناع الأمل التي تفتح نافذة أمل وتفاؤل وإيجابية في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج.
القصة الأولى
بسبب حادث مؤلم تعرضت له صديقتها العام الماضي، طالبة سعودية تطور "سافينو".. مبادرة مبتكرة للتبرع بالدم استفاد منها أكثر من 500 مريض و30 بنكا للدم حتى اليوم.
السعودية معدية العمري، طالبة الطب في جامعة أم القرى، تغيرت نظرتها للحياة تماماً بعد الحادث المروع الذي تعرضت له إحدى صديقاتها استلزم نقل كميات كبيرة من الدم لها، حيث واجه الأطباء صعوبة في توفير حاجتها بسبب ندرة فصيلة دمها. من هذه التجربة المؤلمة، نفذت العمري فكرة مبتكرة لإنقاذ المرضى والجرحى الذين يحتاجون لنقل دم دون أن يتوفر دائماً ما يكفي لذلك، من خلال إنشاء منصة إلكترونية وتطبيق على الهواتف المحمولة، يشجع على ثقافة التبرع بالدم بين الرجال والنساء، ويربط المتبرعين وبنوك الدم والمستشفيات من أجل توفير احتياجات المرضى من الدم بكل يسر وسهولة.
تحمل المنصة اسم "سافينو" الذي يشير إلى اسم "الوريد الصافن الطويل"، أي الوريد السطحي للساق، وهو أطول وريد في الجسم على طول الطرف السفلي، ويكون مطموراً تحت الجلد.
وتضم المنصة أسماء عدد من المتبرعين، وبالتالي يمكن توفير الدم من أكثر من متبرع في وقت واحد، فضلاً عن تحديد الموقع الجغرافي للمتبرعين المتواجدين ضمن المنطقة ذاتها للمحتاجين، وفي حال عدم وجود متبرعين، بالإمكان طرح بدائل أخرى للحصول على الدم.
ومنذ إطلاقها عام 2017 حتى الآن، بلغ عدد المستفيدين من المنصة 532 شخصاً، كما استفاد من خدماتها 30 بنكاً للدم. وتتضمن المنصة أسماء لأكثر من 1200 متبرع ومتبرعة من مختلف فئات المجتمع السعودي لديهم استعداد للتبرع بالدم فوراً، في حين بلغ عدد الطلبات التي استقبلتها المنصة حتى الآن للانضمام إلى قائمة المتبرعين 3878 طلباً.
كذلك، نفذت منصة "سافينو"، التي يقوم عليها حاليا سبعة أعضاء، العديد من حملات التبرع بالدم، منها حملة "أخوات الحد الجنوبي"، وهي حملة تحفز الطالبات والسيدات على التبرع بالدم إلى جنود الجيش السعودي في منطقة الحد الجنوبي، إضافة إلى تقديم المحاضرات التوعوية في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية للتشجيع على ثقافة التبرع بالدم.
ترى العمري أنه من المهم نشر ثقافة التبرع بالدم في المجتمع وإبراز فوائد التبرع، مؤكدة بالقول: "على المستوى الشخصي للمتبرع، فإن التبرع قد يكون له فوائد أخرى كثيرة عدا مساعدة الآخرين.. حيث يمكن للأشخاص معرفة حالتهم الصحية والحصول على العلاجات والأدوية اللازمة في حالة إصابتهم بمرض أو فيروس معين من دون معرفتهم بذلك".
تأمل العمري أن توسع نطاق عمل "سافينو"، وتوسيع دائرة الأمل، من خلال زيادة قاعدة المتطوعين المسجلين في المنصة، وعقد شراكات مع جهات عدة، كي يكون المشروع مستداماً ويتحقق الهدف منه في مساعدة الآخرين ومد يد العون لهم من خلال توفير احتياجاتهم من الدم. بالنسبة لها، فإن "سافينو" تسهم بطريقة أو بأخرى في إنقاذ حياة العشرات من الناس، وهذا بحد ذاته أمل كبير وفرق كبير.
القصة الثانية
كان يمكن لحياة أحلام يوسف، معلّمة اللغة الإنجليزية في مدرسة جدحفص الثانوية للبنات، في مملكة البحرين، أن تمضي بصورة عادية، بحيث تقوم بواجبها المهني كما هو مطلوب منها.. وكفى.
لكن أحلام لم تشأ أن تحصر رسالتها "المقدسة" كمعلمة وفق منظومة التعليم القائمة، أو أن تجعلها حبيسة الصف، أسيرة المنهج. بالنسبة لها، رسالة المعلم معنية بالدرجة الأولى بالطالب ولتلبية احتياجاته التربوية. ولأجل طالباتها، طورت أحلام مبادرة "احتواء"، التي تقوم على تقديم تجربة تعليم فردية مميزة.
تعنى مبادرة "احتواء" التي استفادت منها 116 طالبة، بمساندة ودعم طالبات المستوى الثاني والثالث الأدبي، من مختلف فئات التحصيل العلمي، مع التركيز على ذوات التحصيل المتدني والمتعثرات دراسياً، وأولئك من فئة أصحاب الهمم إلى جانب الطالبات اللاتي يعانين ظروفاً خاصة ويحتجن إلى احتواء نفسي وأكاديمي من نوع خاص، وذلك في مادة اللغة الإنجليزية. لهذه الغاية، أطلقت أحلام، في العام 2014، مبادرة "احتواء"، حيث بلورت من خلالها استراتيجية مبتكرة أطلقت عليها اسم "تفريد التعليم"، أي تقديم تجربة تعليمية فردية مصممة وفق مواصفات خاصة تناسب كل طالبة حسب ظروفها، وحسب قدراتها وإمكاناتها، إيماناً من أحلام بأن التعليم الناجح يقوم على مراعاة الفروقات الفردية بالدرجة الأولى بحيث يتم استثمار القدرات المتفوقة لاستخراج الأفضل وصقل القدرات المحدودة وتنميتها واستجلاء طاقات وإمكانات أخرى، من مبدأ أن التطور العقلي والفكري سمة بشرية بالأساس.
وتشمل مبادرة "احتواء" تصميم كتيبات وأنشطة ومشاريع متنوعة، متدرجة في الصعوبة، وفق أسلوب "تفريد التعليم" الذي يقوم على "الاهتمام بالفرد المتعلم"، بحيث تُترك مسألة التقدم الذي تحققه الطالبة إلى قدراتها الفردية وسرعتها الذاتية في التعلم داخل الصف.
ولا يقتصر "تفريد التعليم" على تقديم محتوى تعليمي فردي مبتكر في اللغة الإنجليزية، وإنما تقديم تجربة تربوية شاملة، تتضمن مد جسور من التواصل الإنساني بين المعلمة والطالبات تقوم على احتواء الطالبة نفسياً وعاطفياً، ومتابعة الإنجاز الأكاديمي التي تحققه من خلال إشراك ولي الأمر كون الدعم الأسري يلعب دوراً مهماً في مبادرة "احتواء".
تضم "احتواء" العديد من الأنشطة التواصلية والتفاعلية بين المعلمة والطالبات، وبين الطالبات وأولياء الأمور، من بينها مشروع "اتصال إيجابي" و"جداريات" و"التحفيز من أجل التعليم" و"البطاقات الافتراضية التحفيزية لأولياء الأمور"، وكلها مصممة كي تضمن انخراط الطالبات في أنشطة الهدف منها تحفيزهن وشحذ قدراتهن بما يخدم تقدمهن في العملية التعليمية.
كذلك، تجاوزت مبادرة "احتواء" المجتمع المدرسي المحدود، لتسهم في خلق فضاء تعليمي تواصلي أوسع عن طريق توظيف وسائل التواصل الاجتماعي مثل "إنستغرام" لخلق صفوف افتراضية للتعليم، ضمن فضاء إبداعي يتم فيه اختبار عدة أدوات ووسائل تعليمية، يسهم في تشجيع الطالبات على التفاعل بإيجابية واحتوائهن بطريقة تمكنهن من تقديم أفضل ما لديهن.
وبفضل هذ المبادرة، التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، أظهرت نتائج الطالبات المعنيات تحسناً ملحوظاً في أدائهن الأكاديمي، محققات نسب نجاح تفوق المؤشر الوطني في البحرين. لكن الأهم من النجاح وتحقيق الدرجات هو التحسن الكبير في الحالة النفسية للطالبات وهو ما انعكس على علاقتهن بالأسرة والمجتمع من حولهن، حيث أصبحن أكثر تفاعلاً وانخراطاً مع من حولهن.
القصة الثالثة
بالنسبة لبعض الناس، قد يكون المرض العضال عائقاً أمام ممارسة حياتهم اليومية، وقد يحد من طموحهم ويجعلهم ينكفئون على أنفسهم. لكن هناك من يجدون في المرض تحدياً يمكن تجاوزه، وفرصة لتحويله إلى طاقة إيجابية. هذه هي حكاية رزق، الذي لم يسمح للمرض أن يعطله عن رسالته في الحياة: صناعة الأمل.
رزق المصري، أردني، في العقد السادس من عمره، اتخذ من العمل التطوعي رسالة، ترجمها إلى عمل دؤوب لا ينقطع، حتى حين أصيب بمرض الباركنسون (الشلل الرعاش) قبل ثلاثة عشر عاماً.
رحلة رزق مع العمل التطوعي تمتد لأكثر من 35 عاماً؛ فهو ساهم في إدخال رياضة كرة السلة على كرسي متحرك لأصحاب الهمم في مطلع الثمانينيات، حيث بدأ العمل التطوعي مع الاتحاد الأردني للمعاقين في العام 1981، ومنذ ذلك الحين وهو يُلازم أصحاب الهمم على اختلاف فئاتهم، يساعدهم ويرشدهم ويضيء لهم طريق الأمل.
تولى المصري إدارة الاتحاد الدولي لمنطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا للكراسي المتحركة في الفترة من 1990 حتى 1997، بهدف تشجيع أصحاب الهمم على ممارسة الرياضات المحببة لهم، واستثمار أوقاتهم بصورة ممتعة تجعلهم يقبلون على الحياة، ويتجاوزون التحديات التي تخلقها إعاقاتهم، ليشعروا بأنهم قادرون على تحقيق إنجازاتهم.
وجنباً إلى جنب مع اهتمامه بذوي الإعاقات، من أصحاب الكراسي المتحركة، كرّس المصري جانباً من جهوده التطوعية لرعاية أصحاب الهمم من "الصم والبكم" منذ العام 1990. ومن أهم أهداف الجمعية حثّ الجهود الرسمية والشعبية للتفاعل مع قضايا الإعاقة بشكل عام والصم بشكل خاص، ووضع قضايا الإعاقة على أجندة صناع القرار في مجالات التربية والصحة والاجتماع والتدريب وغيرها، بالإضافة إلى تحفيز وتشجيع المجتمع على الانفتاح على لغة الاشارة والتفاعل مع بيئة الصم والبكم، والعمل على تهيئة الأجواء للصم لإبراز إبداعاتهم ومواهبهم والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في التعليم واستخدام التقنيات الحديثة، وكذلك تعزيز العمل التطوعي والمشاركة المجتمعية وفي الارتقاء بواقع الصم وضعاف السمع في شتى المجالات.
يتحدث رزق عن تجربته قائلاً: "واصلتُ العمل والقيام بهذه المهام التطوعية طيلة السنوات الماضية، دون انتظار عائد مادي، خصوصاً مع جمعية رعاية الصم والبكم"، ويضيف: "رغم إصاباتي بمرض باركنسون (الشلل الرعاش) منذ العام 2006 إلا أنني لم أتوقف عن أداء رسالتي التطوعية".
في النهاية، اختار رزق أن يمضي في طريق الأمل وبالتأكيد لا يوجد أي شيء يمنعه عن المضي فيه.
اصنع أملاً... اصنع فرقاً
aXA6IDE4LjExNy4xMDMuMTg1IA== جزيرة ام اند امز