أزمة إسكان تغيّر وجه برلين.. لا مكان لأهل الفن
كثيرون يرون أنَّ مشاكل الإسكان هذه نزعت عن برلين طابعها البوهيمي والإبداعي الذي تتمايز به باعتبارها العاصمة الأوروبية للثقافات البديلة.
في أروقة دار "تريبتو أتولييه" ذائعة الصيت في العاصمة الألمانية برلين، يساور القلق نحو 30 رسّاماً ومصوّراً وغيرهم من الفنانين الذين يعملون في هذا المكان، إذ إنَّهم مضطرون إلى إخلائه في خضمّ أزمة إسكان بالعاصمة الألمانية.
وينبغي على الفنانين إخلاء هذا المصنع السابق في حيّ تريبتو شرقي برلين بحلول شهر مارس/ آذار 2020، ومن المفترض تشييد مجمّع عقاري من 5 طوابق، مكان المبنى.
سنوياً، يغلق حوالي 350 أستوديو فنياً أبوابه في برلين من جرّاء الأزمة العقارية، بحسب جمعية الفنون البصرية في العاصمة الألمانية (بي بي كاي).
ويرى كثيرون أنَّ مشاكل الإسكان هذه نزعت عن برلين طابعها البوهيمي والإبداعي الذي تتمايز به باعتبارها العاصمة الأوروبية للثقافات البديلة.
وكثيرة هي المواقع التي تكتسي رمزية كبيرة في مجال الفنون التي باتت ماضياً منسياً اليوم، على غرار "تاخيليس" الشهير الذي أغلق سنة 2012 ليحلّ محلّه مجمّع سكني وفندق.
لا شكّ في أن المعيشة في برلين تبقى ميسورة الكلفة بالمقارنة مع عواصم أوروبية أخرى، لكنها شهدت نموّاً في سوقها العقارية أدّى إلى مضاعفة الإيجارات في خلال 10 سنوات وصعوبات في استئجار المساكن.
سلطات المدينة لم تعزّز العروض السكنيّة تماشياً مع الطلب المتزايد الناجم عن مجيء نحو 50 ألف شخص ليستقروا في المدينة كلّ سنة.
ويقول صاحب مقر "تريبتو أتولييه"، بيتر أوتمان، وهو مهندس معماري يقيم في ميونيخ (الجنوب)، إنَّه لا يريد طرد الفنانين.
وتقول الفنانة الألمانية ليديا باشي (41 عاماً): "موضوع الإعمار لم يُناقش.. هو أبلغنا أنَّه في وسعنا تدوين أسمائنا على قائمة الانتظار للانتفاع من أستوديوهات جديدة.. والتسجيل على هذه اللائحة هو بمثابة الإذعان للأمر الواقع والاستسلام".
ويخشى الفنان الإيرلندي لوركان أوبايرن (58 عاماً) أن تندثر الجماعة التي تدور في فلك "تريبتو أتولييه" منذ 7 سنوات.
ويوضح: "أنشأنا بيئة فعلية محورها الفنّ منذ وصولنا في العام 2012 وقوامها علاقات صداقة وطيدة وحسّ نقدي".
وشهد أوبايرن الذي يعيش في برلين منذ الثمانينات على تقلّبات كثيرة في المشهد الفني بالعاصمة الألمانية.
ويعتبر أن الحقبة التي كان يقصد فيها كبار الفنانين، من أمثال ديفيد بويي وإيجي بوب ونيك كايف، برلين ليستمدّوا الوحي منها، قد ولّت إلى غير رجعة.
ويتابع: "كانت النوادي الفنية تنتشر في أصقاع المدينة كافة وقد باتت برلين نظراً لتاريخها موقعاً يجذب المستثمرين الأجانب".
يدحض بيتر أوتمان اتهامات الفنانين، قائلاً "أتفهّم حسرة المستأجرين. لكن لا بدّ من التذكير أن العقار الجديد يتّسع لـ 175 شخصاً، أي أكثر بـ 150 شخصاً من العدد الحالي".
ويخشى نصف الفنانين المقدّر عددهم بحوالي 8 آلاف بحسب جمعية الفنون البصرية في برلين أن يخسروا الأستوديوهات الخاصة بهم على المدى المتوسط.
وقال وزير الثقافة في حكومة برلين المحلية، كلاوس ليديرير، في تصريحات لـ"برلينر تسايتونج"، إنَّ "دوّامة الإيجارات التجارية بدأت تنقلب بسرعة، مؤدية إلى اندثار عدد كبير من المواقع الفنية".
وأضاف: "لم نحسب لذلك حساباً. وكان ينبغي لنا أن نضع سياسات في هذا الصدد قبل 7 أو 10 سنوات".
وتقول ليديا باشي: "لا نناضل من أجل قضيتنا فحسب بل من أجل كلّ الفنانين الذين يواجهون مصاعب".