«فرزات الحوثي» وحواجزه.. «سلاح مزدوج» من التجسس إلى الابتزاز

لم تستوعب اليمنية نور خالد ما يحدث لها إلا داخل غرفة تحقيق عندما انهارت باكية وتوسلت لضابط حوثي إطلاق سراحها مع طفلها المعاق.
كانت نور متجهة وبرفقتها طفلها أحمد، على متن حافلة ركاب من مدينة تعز إلى مدينة الحوبان الخاضعة لسيطرة الحوثيين من أجل زيارة طبيب للعلاج الطبيعي.
وما أن وصلت إلى حاجز تفتيش للحوثيين، إلا وطلب منها أحد العناصر فجأة النزول فورا ومراجعة ضابط النقطة (مشرف الحاجز الأمني).
تقول الثلاثينية اليمنية وهي أم لطفل معاق ووحيد لـ"العين الإخبارية"، إنها كانت لا تعي ما يحدث، إلا عندما دخلت غرفة مجاورة للحاجز الأمني وشعرت بالخوف الشديد مع طفلها لا سيما عندما صرخ الضابط الحوثي في وجهها: "إيش معك تترددي على الحوبان"، في إشارة إلى زياراتها المتكررة للمدينة.
وأضافت أنها خضعت لجلسة تحقيق امتدت لساعات شملت فحص وثائق طفلها والتأكد من الطبيب الذي تزوره وكذا تفتيش هاتفها وانتهاك خصوصية مراسلاتها على تطبيق "واتساب" قبل أن يُطلق سراحها وتهديدها بعدم زيارة الحوبان الخاضع للحوثيين غير مرة واحدة في الأسبوع.
رقابة لصيقة
تكشف شهادة نور الإجراءات الصارمة التي تفرضها مليشيات الحوثي على المسافرين والمتنقلين من المناطق المحررة الخاضعة للحكومة اليمنية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الانقلابيين، التي تشمل توثيق هوياتهم إلكترونيا وتسجيل زمن دخولهم تلك المناطق ومراقبة أنشطتهم ومقار إقامتهم وفرض رقابة لصيقة على تحركاتهم.
كما تكشف حجم أعمال التجسس التي يمارسها الحوثيون في حواجز التفتيش الأمنية بحق اليمنيين لا سيما المرضى أو الذين يزورون مناطق الانقلابيين للعمل أو حتى للقاء ذويهم وأحبائهم بعد سنوات من الفرقة.
ومثل نور هناك من تعرضوا ويتعرضون يوميا للإهانة والتحقيقات القاسية والتجسس، بل الاختطاف والإخفاء القسري، حسب تقارير حقوقية، من خلال حواجز تفتيش يفوق عددها 1900 حاجز بين المناطق المحررة وغير المحررة.
وتحولت الطرقات البرية الواصلة بين مناطق الشرعية والحوثي إلى مصايد للمسافرين، إذ تشير تقارير حقوقية إلى أن المليشيات اختطفت أكثر من 3 آلاف شخص من هذه الحواجز خلال 9 أعوام مضت.
المحطة بداية التجسس
تأتي الانتهاكات الحوثية في حواجز التفتيش تزامنا مع مخطط جديد للمليشيات لتشديد الرقابة والتجسس على المسافرين والركاب والسائقين ابتداء من المحطات وحتى أماكن وصولهم، وذلك تمهيدا لوضع يدها على عمليات النقل برمتها.
وتشير مصادر في وزارة النقل ونقابتها في صنعاء لـ"العين الإخبارية"، إلى أن مليشيات الحوثي تتجه للسيطرة على كل المحطات أو ما تسمى في اليمن (الفرزات) واستخدامها سلاحا في التجسس على المسافرين، وكذا جمع الموارد المالية منها.
ووفقا للمصادر، فإن "المليشيات تستعد للسيطرة على محطات النقل وإبعاد المندوبين القدامى منها عقب صراع بين نقابة النقل والهيئة العامة للنقل البري الحوثية على الإيرادات من هذه المحطات التي تعتمد نظام الدور وتحصل رسوما من كل مركبة أجرة".
وكان سائقو حافلات الأجرة شكوا مؤخرا من انتشار عناصر حوثية داخل أمانة العاصمة صنعاء تنافس أصحاب المحطات وتفرض جبايات إجبارية إضافية على كل مركبة نقل.
كما تستهدف المليشيات استغلال المحطات كسلاح مزودج ابتداء من فرض إتاوات مالية عبر هيئة النقل البري من خلال نظام إلكتروني لضمان ذهابه لأرصدتها، إلى جانب التجسس على المسافرين وهوياتهم وأماكن سكنهم، وفقا للمصادر.
احتكار النقل
وكانت مصادر إعلامية أكدت أن المليشيات تمهد لاحتكار نقل الركاب والمسافرين والتجسس عليهم من خلال ما تسميه "الاستثمار بالنقل البري"، وذلك عبر الدفع بمئات المركبات التابعة لعناصر أمنية موالية لها لإطلاق خدمات نقل الركاب بين مختلف المدن والمحافظات.
كما أقرت المليشيات لائحة داخلية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لتشكيل هيكل تنظيمي لمحطات نقل الركاب بين المدن والمحافظات، في إجراءات تهدد مصدر رزق آلاف الأسر، وفقا لتقارير.