يمرُّ عالمنا العربي بـ "هزّات" فكرية عملية على أرض الواقع، تتغير فيه الأمور والأحوال بسرعة كبيرة، ونحتاج للحفاظ على "التوازن"
في خمسينات القرن الماضي كانت هناك حملة شرسة جداً على الدول والأنظمة الخليجية، وذلك عندما قامت الثورات في كثير من الدول العربية، وبدأت الحرب ضد دولنا وبعض الأنظمة الوراثية والملكية، وكانت النظرة السائدة والمنتشرة عند قادة هذه الثورات، والتي زرعوها في عقول الشعوب أن هذه الأنظمة الوراثية ما هي إلا أنظمة ديكتاتورية رجعية، وأنهم - زعموا - بثوراتهم أنهم سوف يبدأون عصر النهضة والتطور والحريات والديمقراطيات.
كانت أدبيات ذاك العصر تنظر إلينا على أننا قطيع يقوده راعٍ، وأنهم هم بذرة الانفتاح والمشاركة في الحكم من قبل الشعب، هكذا صوّروا الأمر لشعوبهم .
مضت بعض السنين لتكتشف الشعوب أن هذه الجمهوريات والانتخابات والديمقراطيات مجرد شكليات .. فالحاكم المنتخب يظل حاكماً طوال عمره، ودائماً ما يفوز بالانتخابات ! ويبقى الحزب الحاكم هو المسيطر على كل شيء، وتتوارث فيه المناصب، وأن الفقر في ازدياد، والحاجة والعوَز هي التي تنمو في مجتمعاتهم فقط! وقتها كانت دول الخليج تنهض شيئاً فشيئاً وتنعم في أمنها واستقرارها ورخائها بينما أكلت الثورات والحروب ما تركه الفقر في باقي الدول التي ادّعت النهضة! وقتها اضطرت هذه الأدبيات "الجوفاء" أن تخترع عذراً ثانياً لإيهام هذه الشعوب.
هنا برزت أوهام أن النفط هو سبب هذا الاستقرار والرخاء، ونسي هؤلاء أو تناسوا عمداً أن دولهم تملك من الثروات الطبيعية أكثر مما تملكه دول الخليج من النفط، وأن أغلب هذه الدول بلا أي شك أغنى وأكثر ثروة من دولنا !
تحتاج مراكز القرار في دول الخليج لخوض غمار هذه الحروب الفكرية الإعلامية، وعدم ترك ساحتها فارغة ليملأها هؤلاء العبثيون بسموم أفكارهم، كما يحتاج كافة أبناء المجتمعات الخليجية لإعمال حديث العقل والمنطق بعيداً عن ترهات الأقوال التي تتزين ظواهرها بمبادئ الحريات، وتخفي في باطنها الشر والهلاك.
ما يخفيه هؤلاء هو أن حسن إدارة الأمور والتعقل ومراعاة المصالح العامة، حتى لو كانت نسبية، هو الذي حافظ على أمن واستقرار دول الخليج، وجعل الرخاء هو السمة العامة للحياة لا النفط فقط، كما أخفوا أنهم يملكون من الثروات ما يفوق ما نملكه، لكن سوء الإدارة والتهور هو الذي أضاع هذه الثروات وجعل تلك البلدان تحت طائلة الفقر والعوز .
اليوم يمرُّ عالمنا العربي بـ "هزّات" فكرية عملية على أرض الواقع، تتغير فيه الأمور والأحوال بسرعة كبيرة، ونحتاج للحفاظ على "التوازن" في ظل هذه الهزّات كما فعلنا سابقاً دون أية ممانعة أو مقاومة قطعاً للتغير والتغير والتطور إلى الأفضل لا إلى الأسوأ.
وبلا أي شك أن المعركة الفكرية التي كانت تدور رحاها في الخمسينات عادت بشكل آخر؛ لتبث الشبهات وتزرعها في أذهان المجتمعات، وساندها هذا الانتشار الإعلامي وتنوع وسائله حتى أصبح خارج نطاق السيطرة.
وحتى تحافظ المجتمعات الخليجية على توازنها تحتاج مراكز القرار في دول الخليج، خوض غمار هذه الحروب الفكرية الإعلامية، وعدم ترك ساحتها فارغة ليملأها هؤلاء العبثيون بسموم أفكارهم، كما يحتاج كافة أبناء المجتمعات الخليجية لإعمال حديث العقل والمنطق؛ بعيداً عن ترهات الأقوال التي تتزين ظواهرها بمبادئ الحريات وتخفي في باطنها الشر والهلاك .
خوض هذه المعركة الفكرية الإعلامية لا يقلُّ أهمية عن خوض أية معركة عسكرية، لأن ضررها -أي الحملة الفكرية الإعلامية - لا يقلُّ عن ضرر العمل العسكري ضد دولنا .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة