العلاقات الخليجية الأمريكية تحتاج لوقفة جادة ومهمة يمكن البناء عليها في المدى المنظور، وليس التعامل مع معطيات الواقع والتسليم بما يجري
تكشف التحركات الأمريكية الأخيرة في ملف الأزمة القطرية، ونتائج زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون عن إعادة تدوير الأفكار والرؤي القديمة من أجل التأكيد على الحضور الأمريكي في المنطقة عامة، وفي الخليج ثانياً وفي توقيت حاسم، وفي ظل تطورات فارقة في الملفين العراقي والسوري، وهو ما تطلب تحركا أمريكيا لموازنة الدور الروسي، وفي إطار التحركات الإيرانية العابثة في الملفين العراقي والسوري، وفي ظل ترتيبات تجري على الأرض لأطراف إقليمية، مثل إسرائيل التي تسعى لإقامة منطقة عازلة في جنوب سوريا، وهو الأمر الذي يتطلب النظر في عدة نقاط:
1. لا يمكن استبعاد طبيعة المصالح الأمريكية في الخليج في الوقت الراهن، ومدى ما يمكن أن تتضرر منه في حال استمرار الأزمة القطرية، وتعامل الجانب الأمريكي العابر وغير الفعال مع تطورات الأزمة وعدم جدية الحسم الأمريكي في إرغام قطر لمراجعة مواقفها، والبدء في إجراء حوار حقيقي بدلاً من الدوران في حلقة فراغ خاصة، وأن التحركات الأمريكية السابقة لم تنجح في تحقيق اختراق في المواقف القطرية المتضاربة، والتي كشفت عن خطة إشغال سياسي متعددة المسارات والتحولات والتوجهات والتفاعلات الإقليمية والدولية .
مطالبتنا بمراجعة العلاقات الخليجية الأمريكية تتطلب البدء في توسيع دائرة التعامل والتحالف، والانتقال من الدائرة الراهنة إلى دوائر حركة حقيقية، تجاه الدول الكبرى لمزيد من الحركة السياسية والدبلوماسية، وبما يحقق مزيداً من المصالح الخليجية.
2. حاجة الإدارة الأمريكية للإنصات والاستماع إلى تقييمات جادة صدرت من الولايات المتحدة ذاتها، ومن قلب معهد هدسون، وهو واحد من أهم مراكز البحوث وبيوت الخبرة الأمريكية، والذي عقد مؤتمراً دولياً لمناقشة الأزمة القطرية، وأمن الولايات المتحدة، والتحذير من المخاطر الإيرانية على المصالح الأمريكية، وذلك بمشاركة وزراء دفاع وخارجية ورؤساء سابقين في الاستخبارات الأمريكية، حيث أكدوا بالفعل علاقات قطر المباشرة بالإرهاب، وأن الشيخ تميم نفسه اعترف بأن قطر تعاملت مع تنظيمات إرهابية مثل القاعدة، وأن هذا الأمر ظل في سياق مخطط قطري ما زال مستمراً حتى الآن .
والرسالة هنا أن الولايات المتحدة عليها أن تحسم مواقفها وتوجهاتها بصورة مباشرة، وليس من خلال زحزحة الأزمة وتأجيل خياراتها في إشارات مباشرة إلى أن الولايات المتحدة تسعى ومعها قوى أخرى أوروبية لإطالة خيارات الحسم في ظل حسابات مصلحية، هي بالأساس اقتصادية، ونذكر أنه حتى مذكرة التفاهم المشتركة بين الولايات المتحدة وقطر، والخاصة بمواجهة الإرهاب لم تنشر بنودها ولم تعلن على الملأ، وهو ما يثير الريبة والتشكك في المواقف الأمريكية بالفعل.
3. مع اقتراب موعد انعقاد مجلس التعاون الخليجي في الكويت، وما يحيط به من ملابسات يُثار تساؤل مهم حول طبيعة ما يجري خليجياً، وكيف يتم التعامل معه وبصرف النظر عن انعقاد أو عدم انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي في موعدها، فإنه ولحسابات تتعلق بالمواقف الخليجية الجادة للدول المقاطعة التي لم تتغير ولم تتبدل، منذ بدايات الأزمة، فمن الضروري أن يتم التعامل مع تبعات أزمة التأجيل، فالحل ليس في تأجيل انعقاد القمة، بل عقدها والتعامل مع تطوراتها وإحداثياتها.
صحيح أن القمة من المفترض أن تُعقد في الكويت الوسيط العربي الذي ظل متماسكاً ومستمراً في مهمته ، بصرف النظر عن نجاحه أو فشله، فإن المجهودات الكويتية يجب أن تُقدر ويُبنى عليها، ومن ثم يجب الانتباه إلى أن الإدارة الأمريكية وبالتنسيق مع الجانب الكويتي كانا وما زالا بقدرتهما التفاعل المنشود في إطار البدء بالتعامل مع الأزمة حسماً وجزماً، وليس من خلال التأكيد على أن الأزمة عصيّة عن الحل في ظل التشبث القطري غير المبرر وغير المقبول، ومن ثم فإن الجانب الأمريكي عليه أن يحدد طبيعة دوره الراهن، حيث إن ما قام به وزير الخارجية الأمريكي في جولته الأخيرة في الخليج يسجّل موقفاً ليس أكثر، وهو ما يمكن أن يثير تساؤلات وإشكاليات جديدة تتعلق بالوسيط الكويتي، ودوره ومهمته المستمرة التي لم تتوقف، خاصة مع التحركات القطرية متعددة المسارات، والتي تشير إلى من يخطط وينسق ويقيم ويبني السيناريوهات في التعامل مع تطورات الأزمة، وما يمكن أن تتضرر منه قطر في محيطها العربي والدولي.
4. في هذا الإطار تحتاج العلاقات الخليجية الأمريكية لوقفة جادة ومهمة، يمكن البناء عليها في المدى المنظور، وليس التعامل مع معطيات الواقع والتسليم بما يجري، خاصة أن إقامة علاقات ندية مع الولايات المتحدة أمر مهم، ومتطلب ضروري والانطلاق إلى علاقات أكثر اتساعاً وتعدداً وتحولاً، وفي ظل ما تشهده المنطقة العربية وليس الخليج وحده من تحولات حقيقية، خاصة أن حالة السيولة التي تشهدها المنطقة ستحسم في الأشهر المقبلة، وسيكون عام 2018 بداية تأسيس استراتيجيات سياسية في عدد من الدول، سواء في سوريا أم العراق والأردن وفلسطين وصولاً إلى دول الخليج العربي، وهو ما يجب الانتباه إليه والتفاعل مع تحولاته وتحدياته المباشرة التي قد يكون لها تداعيات مؤثرة على الإقليم بأكمله.
ومن ثم فإن ترك الجانب الأمريكي من جانب، وروسيا من جانب آخر لإعادة التموضع في الإقليم لن يكون في صالح الدول العربية، بل بالعكس يجب الانطلاق إلى تحديد أدوار وأنماط وتوجهات أكثر واقعية ووفقاً لحسابات عربية خليجية بالأساس؛ ودونما تأخير في ظل مخاوف الإبقاء على الأزمات العربية على ما هي عليها، بما في ذلك الأزمة القطرية، والتي من الواضح أن التعايش مع تبعاتها سيظل مطروحاً وقائماً ما لم يتم الضغط على الإدارة الأمريكية، وبمنطق المصالح المباشرة ومن خلال لوبي عربي مؤثر وفعال يخاطب دوائر التأثير المباشر والفاعل في الولايات المتحدة، وعدم التركيز على مسار واحد أو مخاطبة دوائر ثبت أنها غير قادرة على إحداث الضغوطات المطلوبة على الارض، والانتقال إلى خيارات أكثر تفاعلاً وتأثيراً على الجانب القطري للعودة إلى حوار حقيقي، يفكك الارتباطات القطرية مع التنظيمات الإرهابية، ويغير من نمط التشابك الراهن بين قطر والإرهاب في العالم، والذي لا يحتاج فقط لمراجعة، وإنما اتّباع أسلوب ضاغط ومؤثر وفاعل ومتنامٍ، من أجل التأكيد على وجود مجتمع دولي يمكن أن يتعامل مع الحالة القطرية في العالم، ويرغم قطر عليى اتّباع نهج آخر، وهو ما يجب أن يدركه القطريون بالفعل.
إن مطالبتنا بمراجعة العلاقات الخليجية الامريكية تتطلب البدء في توسيع دائرة التعامل والتحالف والانتقال من الدائرة الراهنة إلى دوائر حركة حقيقية تجاه الدول الكبرى، لمزيد من الحركة السياسية والدبلوماسية، وبما يحقق مزيداً من المصالح الخليجية، وينقل رسائل للجانب الأمريكي بأن المنظومة الإقليمية والدولية تتغير، وأننا نملك البدائل في التعامل مع السياسات الخارجية التي تخص أمننا وسياستنا وتوجهاتنا .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة