ما الذي جرى في واشنطن خلال الأيام القليلة الماضية؟ يمكن القطع دون أدنى مزايدة بأن ورقة التوت قد سقطت عن الجسدين القطري والإيراني
ما الذي جرى في العاصمة الأمريكية واشنطن خلال الأيام القليلة الماضية؟، يمكن القطع دون أدنى مزايدة بأن ورقة التوت قد سقطت عن الجسدين القطري والإيراني، ولم يعد هناك ما يستر عوراتهما أمام المجتمع الأمريكي.
لم يكن الاثنين الماضي نهاراً اعتيادياً إذ نجحت القوى العربية لا سيما الرافضة لإرهاب قطر وايران في فضحهما أمام الملأ، ومن خلال المؤتمر الذي عقد في معهد «هدسون»، أحد أهم وأقدم المعاهد الأمريكية المتخصصة في الشؤون الدولية. أهمية الحدث مستمدة ولا شك من ضيوفه النافذين من أمثال الجنرال «ديفيد باتريوس» المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية، والرجل الذي خبر الحرب في العراق وعلم أبعاد الدور الإيراني هناك، إضافة إلى وزير الدفاع السابق «ليون بانيتا» مروراً بـ«ستيف بانون» عقل ترامب الاستراتيجي الذي كفل له الوصول إلى البيت الأبيض قبل أن يتخلى الأخير عنه.
لم يوارِ أو يدارِ كبار المسؤولين الأمريكيين وبعضهم كان مرشحاً لمناصب عليا، فبترايوس طُرح اسمه مؤخرا كمستشار للأمن القومي في إدارة ترامب، و«بانيتا» يمكن أن يعود في أي لحظة لموقع مسؤولية أعلى، ولا يغيب عن ناظري القارئ أن المسؤولين الأمريكيين السابقين عادة ما يشكلون نواة ولب مراكز التفكير الأمريكية، التي تدعم صانع القرار في جميع مؤسسات البلاد.
يذهب الجنرال باتريوس إلى أن إيران تسعى إلى نشر العنف والتطرف، وأن سوريا ضحية تدخل إيران، وعلى الجانب القطري يقطع الرجل بأن قطر تستخدم أدواتها المالية والدعائية في دعم الإرهاب حول العالم، فـ«الجزيرة» مثلاً منصة تتعامل مع التنظيمات الإرهابية، وأنه لا بد من وضع القطريين أمام الحقيقة، بل كشفها للعالم، ما يزيح الغطاء عن دورها في الإقليم والعالم، ولابد لها من الالتزام بمعاهدة وقف تمويل الإرهاب التي وقعتها مع أمريكا.
الدوحة وطهران لا بد لهما من القلق، فالمشاركة في مؤتمر «هدسون» لم تتوقف عند حدود المسؤولين السابقين، إذ شارك فيه عدد من أعضاء الكونجرس الحاليين من أمثال عضو مجلس النواب «مايك ماكول» من الحزب «الجمهوري»، ورفيقه عضو اللجنة الفرعية لمكافحة الإرهاب النائب «روبرت بيتسجر»
مداخلة الجنرال باتريوس تلفت الانتباه لجهة فضح إرهاب طهران الإلكتروني، والذي تشكو منه واشنطن عطفاً على دول الخليج مرات كثيرة، وقد اعتبر أن المبادرة الإماراتية لمكافحة الإرهاب الإلكتروني أحد أفضل الأمثلة للاستراتيجية المستدامة لمواجهة هذا الخطر.
رجل الاستخبارات «ليون بانيتا» ولا شك كان نجم مؤتمر «هدسون» في مواقفه التي لا تصد ولا ترد. وقد وضع الرأي العام الأمريكي أمام حقائق واضحة لا غش فيها من نوعية القول إن الخطر القطري والإيراني لا يقل عن خطر كوريا الشمالية، وإنْ كان المرء يتفهم العلاقة بين طهران وبيونج يانج إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يساوي فيها خبير أمريكي بين الدوحة وبيونج يانج، والخبير هنا رجل تسنم قمة أجهزة الاستخبارات الأمريكية الخارجية، ما يفيد بأنه يدرك أسراراً لا يعرف جميعنا عنها الكثير.
لم يتوقف «بانيتا» عند الدور التخريبي لقطر فقط بل أشار إلى حتمية استجابتها لمطالب الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، وهذا يؤكد زيف الخطاب القطري عن الحصار، ويضعها أمام التزامات جدية تحتم عليها تغيير المسار بالنسبة لسلوكها المعادي للجوار الخليجي والعربي، إضافة إلى ضرورة الالتزام بالمطالب الخاصة بوقف تمويل الجماعات الإرهابية.
خلال مناقشات مؤتمر «هدسون» لم يغب عن تفكير المتحدثين الرسميين الربط بين الدور القطري سيئ الذكر وبين جماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية، والتي من رحمها خرجت جميع الجماعات الأصولية الظلامية.. و«داعش» صورتها الأخيرة. لهذا السبب رأينا أصواتاً عديدة تشدد على أن مصر التي تواجه الإرهاب بصدور أبنائها تستحق الدعم في مسيرتها للتصدي لهذا الوباء الفتاك، وباء الإرهاب، دعماً بجميع ألوانه وأنواعه، كي لا تنكسر وتسقط الأمة من ورائها.
والشاهد أن الدوحة وطهران لا بد لهما من القلق، فالمشاركة في مؤتمر «هدسون» لم تتوقف عند حدود المسؤولين السابقين، إذ شارك في عدد من أعضاء الكونجرس الحاليين من أمثال عضو مجلس النواب «مايك ماكول» من الحزب «الجمهوري»، ورفيقه عضو اللجنة الفرعية لمكافحة الإرهاب النائب «روبرت بيتسجر»، وكلاهما من الأصوات العالية، التي ترى في الأدوار الإيرانية والقطرية تهديداً عالمياً لا إقليمياً فحسب.
يؤكد «ماكول» على سبيل المثال تاريخية العلاقة بين إيران والإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط منذ قيام الثورة الإيرانية وحتى الساعة، وكيف أن الخميني أرسى دعائم الإرهاب في المنطقة، ويلمح إلى علاقة ما بين النظام الإيراني وبين العنف الإيديولوجي الذي ولد في أفغانستان نفس عام مولد الثورة الإيرانية عام 1979. وخلاصة الرؤية عنده أن إيران لا تزال تحمل تهديداً كبيراً للسلم والأمن الدوليين، وهو تهديد يتزايد عبر الرباط الذي يجمعها مع قطر في دعمهما التنظيمات المتطرفة.
أهمية مؤتمر «هدسون» في واقع الحال تتأتى من لفت أنظار بقية الأمريكيين الرسميين المتلاعبين بالخيوط والخطوط من وراء الستار في مشهد ألفته العيون والأذهان كثيراً، إلى مسألة اللعب على المتناقضات والاحتفاظ بكل الأوراق في أيدي العم سام، الأمر الذي كشفه «بانيتا» بالقول إنه قدم كثيراً توصيات بشأن إيران وقطر لكنها لم تدخل حيز التنفيذ.
الأمر الآخر هو توصية بإنشاء ائتلاف شرق أوسطي لا يقتصر دوره فقط على مكافحة الإرهاب، بل التصدي أيضاً للنفوذ المتزايد لإيران.
خطوة مؤتمر «هدسون» في تقديري أنه نوع من طرح القضايا العربية شديدة الحساسية والأهمية بمبادرة من الذات وعدم انتظار الآخرين.. وهنا مكمن النجاح الحقيقي.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة