مَنْ الذي طلب من قطر أن تتنازل عن سيادتها؟ وما مفهوم السيادة عند النظام القطري؟
في واقعة شهيرة، قفل إعرابي إلى أهله بعد رحلة شاقة فقد فيها جملة بما يحمل، فسألوه: بم عدتّ؟ قال: بخفي حنين؛ فصارت مثلاً يضرب للخسران إلى يوم الناس هذا.
تذكرت قصة هذا المثل المعروفة لديكم، بعد مشاهدتي لتقرير قطري يحاول صاحبه أن يفتخر بجهود وزير الخارجية القطري خلال الأزمة مع الأشقاء، غير مدرك أنه أساء إلى وزيره، على عادة الأبله أن يضرّ متى أراد أن ينفع .
يورد التقرير أن معالي وزير الخارجية القطري قام باثنتين وأربعين رحلة خارج قطر في ١٣٢ يوما قطع خلالها قرابة ٢٠٠ ألف كلم، أي ما يعادل أربع دورات بالكرة الأرضية؛ وأمضى ٢٢٠ ساعة طيران بما يقارب تسعة أيام طيران متواصل، زار ١٩ دولة والتقى ٦٢ شخصية رفيعة المستوى، وحضر ٩٣ اجتماعاً خارج قطر؛ وألقى ١٠ خطابات دولية.
والكارثة أن كل هذا الجهد الذي صُرفت عليه مليارات الدولارات ليقول للعالم إن قطر جاهزة للحوار لكنها لن تفرِّط في سيادتها.
رغم تعنت قطر وتصاممها، وكأن في آذانها وقراً، عن تلبية مطالب الأشقاء، إلا أن ثقتنا في كون صدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يتسع لتحمل المشاق وإصلاح ذات البين، ولم شمل الأمة العربية والإسلامية؛ كما يبقى عطف الأبوة عنده على الجميع قادرا على لملمة الجراح مهما كانت غائرة وعميقة
مَنْ الذي طلب من قطر أن تتنازل عن سيادتها؟ وما مفهوم السيادة عند النظام القطري؟ هل السيادة هي دعم الجماعات الإرهابية؟ أم هي التدخل في شؤون الدول الأخرى؟ أم السيادة هي التآمر على المملكة العربية السعودية لقلب نظام الحكم فيها؟ أم السيادة هي العبث باستقرار البحرين أو الإمارات أو مصر؟ أم هي إطلاق العنان لوسائل الإعلام لتتعدى حريتها المسؤولية الاجتماعية؟ أم أن السيادة تعني بالمفهوم القطري استضافة شخصيات إرهابية مطلوبة للعدالة في دول الأشقاء؟.
يتملكني الفضول والشغف لأعرف ما الذي جعل أمير قطر يكلّف وزير خارجيته كل هذا العناء والتعب ويجعله يدور بالكرة الأرضية أربع مرات ليعود إليه بخفي حنين؟.
فكرت كثيراً فلم أجد لهذا اللغز تفسيراً سوى أن قطر كانت تعتقد أن الاستقواء بالخارج ربما يثني الدول الأربع عن مقاطعتها، وذلك بممارسة ضغوط دولية عليها؛ لكن من الواضح أنها فشلت فشلاً ذريعاً في ذلك بعد عودة الوزير بخفي حنين، وهو ما فات على معد التقرير المسكين.
كان على أمير قطر أن يفهم الرسالة التي قيلت له صراحة، وهي أن وَلِّ وجهك شطر الرياض تجد حلاً للأزمة، خصوصا بعد أن نال نصيبه من رحلة خفي حنين الآسيوية الأمريكية والأوروبية التركية.
في نهاية المطاف لا شك أن أمير قطر سيولي وجهه شطر الرياض بعد لأي؛ لكن هل سيسعفه الوقت في ذلك؟ وهل تبقى له من ماء وجهه ما يواجه به أشقاءه في السعودية بعد أن حاول يائساً الاستقواء عليهم بالجنود الأتراك ونظام الملالي؛ وبعد أن نزلت آلته الإعلامية إلى مستوى عال من الشتائم والسباب والتلفيق؛ وبعد أن أساء الأدب تنظيم الإخوان حليف نظام الحمدين وخرج في ذلك عن جميع الأعراف والتقاليد الإسلامية، وبعد أن أتعب أمير الكويت وضُرب عرض الحائط بجهوده في الوساطة، وكان جلياً ما أفصح عنه سمو الأمير الشيخ صباح خلال خطابه أمس من أن " مجلس التعاون الخليجيّ هو شمعة الأمل في النفق العربيّ، وانهياره هو تصدُّع لآخر معاقل العمل العربيّ المُشترك"، لكن تنظم الحمدين يبدو أنه يستكثر هذه الشمعة على المجتمع الخليجي والعربي عموماً .
لا يختلف اثنان أن استقرار مجلس التعاون الخليجي يمثل صمام أمان لجميع مواطني الدول العربية والإسلامية، كما لا يختلف اثنان على أن ذلك لن يتم دون محاربة التطرف ومكافحة الإرهاب، ولن يتحقق الشرطان دون عودة قطر لمحيطها الخليجي والعربي، وتلبيتها لمطالب أشقائها، أو على الأقل التعامل معها بشكل إيجابي من خلال تبني مسالك حل خلاف الشقيق مع الشقيق.
ورغم تعنت قطر وتصاممها، وكأن في آذانها وقراً، عن تلبية مطالب الأشقاء، إلا أن ثقتنا في كون صدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يتسع لتحمل المشاق وإصلاح ذات البين، ولم شمل الأمة العربية والإسلامية؛ كما يبقى عطف الأبوة عنده على الجميع قادراً على لملمة الجراح مهما كانت غائرة وعميقة؛ في سبيل عودة قطر لوضعها الطبيعي بين أشقائها الخليجيين وأسرتها العربية الكبيرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة