معضلة الأسمدة النيتروجينية والمناخ.. هناك حل
يحتاج العالم إلى الأسمدة النيتروجينية لتلبية احتياجاته الغذائية، لكنها مصدرًا لواحد من أقوى غازات الاحتباس الحراري؛ فما الحل؟
يُعد النيتروجين من العناصر الأساسية التي تحتاجها النباتات للنمو؛ خاصة المحاصيل الاستراتيجية، والتي عادةً ما يستهلكها سكان العالم بكميات كبيرة، مثل: القمح والأرز والذرة. لكن في أغلب الأحيان، لا تتوافر الكميات الكافية من عنصر النيتروجين في التربة لتلبية الاحتياجات العالمية من تلك المحاصيل؛ إذ بلغ تعداد السكان العالمي 8 مليارات نسمة في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2022؛ بحسب الأمم المتحدة.
وهنا تزداد الحاجة إلى الأسمدة النيتروجينية؛ لضبط كمية النيتروجين في التربة بما يتناسب مع احتياجات النباتات؛ حتى وصل استخدام الأسمدة النيتروجينية إلى 60% من الاستهلاك العالمي للزراعة.
كوميديا سوداء
ومع تزايد الحاجة إلى استخدام الأسمدة النيتروجينية؛ لتحقيق الإنتاجية الأمثل من المحاصيل الزراعية، تزداد كميات الأسمدة المتسربة إلى الأرض والمياه الجوفية، وتنبعث بعد ذلك إلى الغلاف الجوي على شكل غاز ثاني أكسيد النيتروز، والذي يُطلق عليه «غاز الضحك»؛ بسبب الشعور بالبهجة الفوري الذي يشعر به من يستنشقه. وعلى الرغم من أنه قد يجعل الإنسان يضحك لا إراديًا، إلا أنّ انبعاثاته تُشكل خطرًا كبيرًا على بيئتنا؛ فهو واحد من أقوى الغازات الدفيئة، وفعّاليته أكبر من النيتروجين 300 مرة في حبس الحرارة، وقد يبقى في غلافنا الجوي لمدة تصل تزيد عن 100 سنة، إضافة إلى تأثيرته السلبية على غاز الأوزون.
ومع تزايد انبعاثات غاز ثاني أكسيد النيتروز، تفقد التربة في المقابل النيتروجين، ويزداد استخدام الأسمدة النيتروجينية التي تنبعث في صورة غاز ثاني أكسيد النيتروز، وهكذا دوالييك، ما يساهم -بصورة قوية- في تفاقم الاحتباس الحراري. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تتسرب النترات إلى الأنظمة المائية فوق أو تحت الأرض، ما يعزز تكاثر بعض أنواع الطحالب غير المرغوب فيها، وتقل كمية الأكسجين المذاب في الماء، وتلك الظروف كارثية؛ خاصة للحياة البرية والتنوع البيولوجي.
معضلة، لكن هناك حل!
يحتاج العالم إلى الأسمدة النيتروجينية، لكن عواقب استخدامها لتلبية الاحتياجات العالمية، تأتي بالسلب على المناخ، وهنا بدأ العلماء في البحث عما إذا كانت هناك طريقة تساعد في استخدام النيتروجين بطريقة لا تُضر بيئتنا، إلى أنّ خرجت مجموعة بحثية ألمانية بفكرة تقوم على محاكاة أجروها باستخدام نموذج جيوفيزيائي حيوي يُسمى (LandscapeDNDC).
وأظهرت النماذج أنه يمكن خفض الاستهلاك العالمي للأسمدة النيتروجينية بنسبة 32% عبر التوزيع الأكثر تجانسًا لتلك الأسمدة في العالم. وفي المقابل، لن يتأثر المستوى المحلي لإنتاج الحبوب. ونشروا ما توّصلوا إليه في دورية «كوميونيكاشنز إيرث آند إنفيرونمنت» (communications earth & environment) في سبتمبر/أيلول 2023.
وتتمثل فكرة المحاكاة في إعادة توزيع الأسمدة النيتروجينية في مناطق مختلفة من الأرض؛ فمثلًا، بدلًا من تركز استخدامها في بعض المناطق مثل: الصين، أمريكا الشمالية، أوروبا. أعادوا توزيعها بحيث تُستخدم بنسبة أكبر في المناطق الأقل استخدامًا، مثل: جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، بحيث تعوض زيادة الإنتاجية في تلك المناطق الأقل استخدامًا، انخفاض الإنتاجية في المناطق الأخرى على مستوى العالم، وحسبوا إجمالي إنتاج الذرة والقمح والأرز بين عامي 2015 -2030.
ووجدوا أنّ استخدام الأسمدة النيتروجينية في إنتاج القمح قد انخفض بنسبة 45%، بينما انخفض استخدامها بنسبة 33% لإنتاج الذرة، مع عدم التأثير على الإنتاجية العالمية.
هذا من شأنه أن يساعد مناطق جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا في الاكتفاء الذاتي من الإنتاجية الزراعية لهذه الحبوب، بينما يخف الضغط في المناطق الأخرى التي تعاني تربتها؛ نتيجة الإفراط في استخدام الأسمدة النيتروجينية. من جانب آخر، تخف الآثار الضارة مناخيًا لانبعاثات غاز ثاني أكسيد النيتروز.
aXA6IDMuMTQ1LjEwOS4xNDQg جزيرة ام اند امز