كيف أحبطت الدبلوماسية الذكية للإمارات مخطط الضم؟
يعلم الفلسطينيون أن وجود المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية - وهي الأراضي التي يسعون إلى تأسيس دولة مستقلة عليها في المستقبل - يجعل من المستحيل أن تكون لهم دولة فلسطينية قابلة للحياة.
بنجاح الدبلوماسية الذكية لدولة الإمارات العربية في تحريك المياه الراكدة في مسارات الصراع العربي الإسرائيلي، والاتجاه قدما لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، تكون أبوظبي قد وضعت نقاطا كاملة على الحروف في إشكالية التعامل مع إسرائيل، والقفز على كل ما أبقى البحث عن حل للقضية الفلسطينية مجرد سراب ووهم استمر سنوات طويلة، وقد فشلت كل الجهود الإقليمية والدولية تباعا في التوصل لنقطة بداية، كما فشل الرؤساء الأمريكيون تباعا في تهيئة الأجواء لتحقيق تقارب حقيقي وجاد يمكن البناء عليه بين الجانبين، برغم بدء مسيرة التسوية مطلع التسعينات، وما تلاها من خطوات تعلقت بمفاوضات متعددة الأطراف، وانتهاء بأوسلو والذي دشن خطوة إنشاء السلطة الفلسطينية على الأرض، ومنحها لأول مرة جزءا من الأرض التاريخية للشعب الفلسطيني، ومن وقتها شهدت المفاوضات الفلسطينية شدا وجذبا للتوصل إلى صيغة محددة تفضي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وهو ما لم يحدث.
قامت الحكومات الإسرائيلية باستكمال مخطط الاستيطان بالكامل وفق خطة التهويد، كما ضمت القدس، واعترفت بها الولايات المتحدة، ونقلت لها سفارتها لتبدأ تصفية القضية الفلسطينية على الأرض من استمرار الاستيطان والتهويد ورفض حق العودة، وبالتالي لم يعد هناك ما نفاوض عليه عربيا وفلسطينيا في ظل تجمد المشهد الفلسطيني الإسرائيلي على ما هو عليه، لتزايد حكومة الائتلاف الراهن على مخطط ضم الأراضي الفلسطينية ومنطقة الأغوار، وليغلق الباب أمام تحقيق أي فرص للتسوية الحقيقية في ظل استمرار حالة الانقسام بين شطري الوطن الفلسطيني في الضفة والقطاع وعدم إتمام المصالحة، وفي ظل التدخلات الإقليمية التي أعلنت عن نفسها في الملف الفلسطيني والمزايدة عليه، وهو ما يفسر حالة الرفض والتشنج التي عبرت عنها ردود الفعل القطرية والتركية والإيرانية، باعتبار أن هذه الدول ترى في توظيفها للقضية الفلسطينية مصالح مباشرة ومكاسب حقيقية. لتأتي دولة الإمارات العربية المتحدة وولي عهدها سمو الشيخ محمد بن زايد، ومعه فريق عمل كامل سعى بحرفية حقيقية في التفاعل مع ما يجري والدخول على الخط لإفشال مخطط الضم لما تبقى من أراض فلسطينية، وليمنح الجانب الفلسطيني الفرصة في استئناف التفاوض مجددا وتحت مظلة عربية وبتنسيق إماراتي مصري أردني، وبحضور عربي من دول عربية ستلتحق بمسار التفاوض مع الجانب الإسرائيلي وبرعاية أمريكية، ومتابعة دولية خاصة مع التأييد الجامع لدولة الإمارات العربية في خطواتها غير المسبوقة، والتي تنطلق من واقعية سياسية حقيقية واقتراب غير مسبوق، حيث نجحت السياسة الإماراتية في تحقيقه، خاصة وأن الإمارات باتت محورا لكثير من السياسات العربية الإقليمية، وطرفا قويا وقائدا، وهو ما يفسر الحفاوة الكبيرة من قبل إسرائيل بالتوصل للاتفاق معها، خاصة وأن حسابات القوة الشاملة تعمل لصالح البلدين، وهو ما أكد عليه الجانبان وباعتبار دولة الامارات مركزا اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا كبيرا في الإقليم .
وتذكيرا للذين دخلوا في مزايدات إعلامية وسياسية على ما جرى من معاهدة سلام إماراتية إسرائيلية، فإن الضم الإسرائيلي كان سيعني تطبيق سيادة الحكومة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية، والتي لا يعترف بها القانون الإسرائيلي، وكذلك القانون الدولي في الوقت الراهن يسميها كأراضٍ لإسرائيل، ويرى القطاع الأمني في "شاباك وأمان" إن عواقب مثل هذه الخطوة هي ديموغرافية واقتصادية واجتماعية وقانونية وأمنية ودولية، كما اعتبر قرار الضم أنه الإلحاق القانوني والرسمي لجزء من أرضٍ ما إلى كيان سياسي آخر (مثل دولة) لإيجاد السيادة على الإقليم الجديد. على عكس حالة تسليم الأراضي بموجب اتفاق سياسي.
ويستند الموقف الإسرائيلي في مجمل تفاصيله على أساس محدد، وهو عدم الاعتراف بما يجري في الضفة الغربية باحتلال أصلاً، بل يراه في الأصل تواجدًا عسكريًا في أراضٍ متنازع عليها اضطرت لفرضه، إلى أن تحين اللحظة المناسبة لسحبه، وعدم ترسيم حدود إسرائيل بعد قيامها عام 1948، واستنادا على نطاق امتداد حدود فلسطين منذ الانتداب، والتي لم تقسم فعليا، فقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة كان رأيًا استشاريًا لا أكثر، كما شكلت المستوطنات مشكلة للفلسطينيين فقط بسبب الأرض التي تشغلها، بل أيضا لأن حريتهم في التنقل تتقيد من خلال مئات نقاط التفتيش وحواجز الطرق.
ويعلم الفلسطينيون أن وجود المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية - وهي الأراضي التي يسعون إلى تأسيس دولة مستقلة عليها في المستقبل - يجعل من المستحيل أن تكون لهم دولة فلسطينية قابلة للحياة.
في هذا الإطار يخضع نحو 60 %من الضفة الغربية إلى السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وما بقي لنحو 2.9 مليون فلسطيني هو العيش في 169 "جزيرة" مبعثرة في المنطقتين أ و ب ما يشكّل 40 %من الضفة الغربية، كما يعيش 400 ألف شخص في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، أكثر من 9000 في غور الأردن، وما لا يقل عن 200 ألف مستوطن في القدس الشرقية المحتلة، وسط 2.7 مليون فلسطيني. ويقطن 65 ألف فلسطيني في غور الأردن.
وتمتد الأغوار في فلسطين من بيسان حتى صفد شمالًا، ومن عين جدي حتى النقب جنوبًا، ومن منتصف نهر الأردن حتى السفوح الشرقية للضفة الغربية غربًا، ولعل ما حدث في القدس خير مثال على معضلة الضم حيث تم ضم قرى وأحياء في القدس، مثل شعفاط وجبل المكبر والعيسوية وغيرها إلى إسرائيل، وتقع هذه المناطق في نطاق بلدية القدس التي رسمتها إسرائيل، وأطلق عليها “القدس الموحدة”، وسكان هذه القرى والبلدات يحملون صفة مقيم دائم في إسرائيل، وهو وضع يمنحهم حقوقًا اجتماعية ليس أكثر، وحقوق التصويت للبلدية وحرية التنقل والعمل في إسرائيل.
لم يكن ليتبقى من الأراضي الفلسطينية بعد قرار تنفيذ الخطة الاسرائيلية بضم المستوطنات ومنطقة الغور بصرف النظر عن مراحل التطبيق وفعالياته وتوقيته، إلا مساحات صغيرة لا تصلح أصلا لقيام دولة فلسطينية مستقلة في ما تبقى من أرض، وفي ظل مخطط إسرائيلي لافت لانهاء وتصفية مخطط اقامة حل الدولتين، لأن هذه الإجراءات غير المسبوقة سيكون لها تداعياتها على ما تبقى، ولا يمكن أن يكون مدخلا لإقامة دولة متواصلة الحدود سواء من ناحية الجنوب، أو مناطق الوسط في ظل وجود المستوطنات الاسرائيلية الكبرى، والعديد من البؤر الاستيطانية العشوائية.
كما أن مخططات الضم لم تتضمن موافقة الحكومة الإسرائيلية على إقامة دولة فلسطينية، على اعتبار أن قرار الضم هو الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية منذ عام 1948. ومن الواضح أن إسرائيل أرادت للفلسطينيين أن يظلوا في وضعهم الراهن .
هذا هو المشهد الفلسطيني بالوقائع، لتدخل دولة الإمارات العربية المتحدة على الخط لتصويبه، وإصلاح مساره وتوجيه البوصلة إلى اتجاهها الصحيح، ووفقا لمخطط مدروس من الدبلوماسية الذكية لدولة الإمارات، وغدا سيدركون هذا المخطط، وهذا التصور الاستباقي الذي يعمل لصالح الشعب الفلسطيني بالأساس، ويعلو فوق حسابات ومصالح الفصائل، وفكر الحركات هنا وهناك، ولن نزيد .