الكربون وأنظمة المناخ.. هل تتخلف الجبال عن ركب الاستدامة؟
مضاعفة مستويات ثاني أكسيد الكربون من شأنها زيادة درجة الحرارة بمقدار 3.44 درجة مئوية، ومن ثمَّ، ارتفاع درجة حرارة المناطق الجبلية لأكثر من المتوسط العالمي استجابة لتلك الزيادات وتغير معدلات هطول الأمطار.
دور المناطق الجبلية في ضبط تدفقات الهواء
تعُّد المناطق الجبلية في العالم موطنًا لأكثر من مليار شخص، وتتميز بخصائصها الجيولوجية، وتنوعها البيولوجي، فضلًا عن أنها تخلق أنظمة الطقس أو المناخ الخاصة بها عن طريق تغيير أنماط تدفق الهواء وهطول الأمطار. ومن ثمَّ، تلعب الجبال دورًا حيويًا في تشكيل المناخ الإقليمي والعالمي؛ حيث يحدث الهطول المطر الجبلي أو المتأثر بالجبال مع ارتفاع الهواء المحمل بالرطوبة فوق التضاريس المرتفعة؛ فيبرد الهواء ويتكثف ويطلق الماء.
لقد تكيف الأفراد الذين يسكنون الجبال مع البيئة المتغيرة عبر التاريخ، ولكن وتيرة تغير المناخ جعلت المجتمعات الجبلية تكافح من أجل التكيف؛ حيث إنه مع زيادة تداعيات تغيرات المناخ وما يستتبعها من ارتفاع في درجات الحرارة وسخونة الجو؛ أصبح التنبؤ بالتغيرات في هطول الأمطار في الجبال أكثر تعقيدا.
ومع ذلك، ليس كل ما يحدث في الجبال يبقى في الجبال؛ حيث إن عواقب تغير المناخ في الجبال تؤثر على الأراضي المنخفضة أيضًا. فمن الممكن أن يؤدي الهطول الشديد للأمطار، إلى جريان المياه بقوة أثناء تدفقها على المنحدرات مما يؤدي إلى انزلاقات وانهيارات صخرية تصبح تدفقات من الحطام تسحق كل ما هو في طريقها وتسد قنوات الأنهار، وتتسبب في انهيار السدود والفيضانات، وتدمر البنية التحتية. إن مثل هذه الأحداث تحدث بالفعل، والتغيرات المتوقعة في المخاطر لن تؤدي إلا إلى زيادة المخاطر.
ستشعر المناطق الأقرب إلى الجبال بالآثار أولاً، ولكن في النهاية سيشعر الجميع بذلك؛ حيث يعتمد حوالي 2 مليار شخص يعيشون في الأراضي المنخفضة على المياه العذبة النابعة من الجبال. وبالتالي، فإن تطوير الطاقة الكهرومائية واختلال دورة المياه في الجبال قد يهدد الأمن المائي لسكان الأراضي المنخفضة.
وفي نهاية المطاف، في ضوء اعتماد 68% من الزراعة المروية في العالم على المياه العذبة الجبلية، قد ينتشر انعدام الأمن المائي في جميع أنحاء الأراضي المنخفضة ويؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع أيضًا.
باختصار، لدينا جميعا مصلحة فيما يحدث في الجبال، وبالتالي فإن المصلحة الذاتية وحدها يمكن أن تكون حافزًا كافيًّا للعمل على ضمان عدم ترك أي من سكان الجبال يتخلف عن الركب.
تأثير ثاني أكسيد الكربون على أنظمة المناخ الجبلية
يعد تغير المناخ قضية ملحة تؤثر على مناطق مختلفة حول العالم، بما في ذلك المناطق الجبلية. ومع استمرار ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون بسبب الأنشطة البشرية، فمن الضروري فهم كيف ستؤثر هذه التغييرات على أنظمة المناخ الجبلية.
ثاني أكسيد الكربون هو أهم غازات الدفيئة على الأرض: وهو غاز يمتص الحرارة ويشعها. على عكس الأكسجين أو النيتروجين (الذي يشكل معظم غلافنا الجوي)، تمتص الغازات الدفيئة الحرارة المشعة من سطح الأرض وتعيد إطلاقها في جميع الاتجاهات، بما في ذلك العودة نحو سطح الأرض. وبدون ثاني أكسيد الكربون، فإن تأثير الاحتباس الحراري الطبيعي للأرض سيكون أضعف من أن يحافظ على متوسط درجة حرارة السطح العالمية فوق درجة التجمد. ترتفع تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغالب بسبب الوقود الأحفوري الذي يحرقه الأفراد للحصول على الطاقة. فمنذ منتصف القرن العشرين، زادت الانبعاثات السنوية الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري كل عقد، من 11 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا في الستينيات إلى ما يقدر بنحو 36.6 مليار طن في عام 2022 وفقًا لميزانية الكربون العالمية 2022.
ومن ثمَّ، فإن المناطق الجبلية ترتفع درجة حرارتها استجابة لثاني أكسيد الكربون أكثر من المتوسط العالمي، وأن مضاعفة مستويات ثاني أكسيد الكربون من شأنه زيادة درجة الحرارة بمقدار 3.44 درجة مئوية مقارنة بالوقت الحاضر، في حين أن مضاعفة مستويات ثاني أكسيد الكربون أربع مرات ستؤدي إلى زيادة قدرها 7.35 درجة مئوية.
واكتشف الباحثون أن التغيرات في أنماط هطول الأمطار تكون أكثر وضوحًا فوق الجبال في مناطق خطوط العرض المنخفضة، خاصة فوق قممها وتضاريسها شديدة الانحدار.
نماذج من المناطق الجبلية
تظهر تداعيات تغير المناخ بشكل جلّي في خمس سلاسل جبلية منخفضة العرض، في غينيا الجديدة، وشرق أفريقيا، وجبال الهيمالايا، وأمريكا الوسطى، وجبال الأنديز الوسطى.
هذا، وقد شهدت غينيا الجديدة، وشرق أفريقيا، وجبال الهيمالايا الشرقية، والجانب المواجه للريح من جبال الأنديز الوسطى المزيد من هطول الأمطار استجابة لزيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون، كما حدثت ظروف أكثر جفافًا في جبال أمريكا الوسطى والجانب المواجه للريح من جبال الأنديز الوسطى.
كيفية تغير أنظمة المناخ الجبلية
توفر العديد من الدراسات قيمة حول كيفية تغير أنظمة المناخ الجبلية مع ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون. في ذلك الصدّد، تسلط النتائج الضوء على الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات عالمية للتخفيف من تغير المناخ وتأثيراته على المناطق الجبلية. ومن خلال فهم هذه التغييرات، يستطيع صناع السياسات والعلماء والمجتمعات العمل معًا لوضع استراتيجيات فعالة للتكيف والحفظ، وضمان الاستدامة الطويلة الأجل للأنظمة البيئية الجبلية.
aXA6IDMuMTM1LjIwMC4xMjEg جزيرة ام اند امز