"التوهم" بامتلاك القدرة على إخضاع الآخرين جربها قبل أردوغان كثيرون في عالم السياسة، وإن كان أشهرهم هتلر.
ما أكثر التهديدات التي يطلقها مسؤولو نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي تكاد تكون شملت أغلب دول العالم، وسايرت تلك التهديدات معظم فترات نظام أردوغان وإن كانت وتيرتها ارتفعت بعد عام 2016 باختلاق مسرحية الانقلاب العسكري، وما تبعه بعدها من تغيرات سياسية ودستورية أعطت أردوغان مساحة أكبر في اتخاذ قرارات خارجية تسببت في خلافات مع دول العالم.
وفيما بلغت الجرأة بالبعض من فريق أردوغان السياسي من وزراء وسياسيين، أن استمرؤوا التهديدات على الدول العربية إلى درجة الإدمان، خاصة ضد تلك الدول التي تقف وجه الأوهام التي تعشعش في عقولهم باستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، فإن تصريحات خلوصي أكار، وزير دفاع نظام التركي وأحد "الواهمين" الكبار في نظام أردوغان، يبدو كأنه قد استهوته لعبة التهديدات فاختار أن تكون دولة الإمارات ليوجه لها اتهاماته التي لا ترقى إلى مستوى العلاقات بين الدول ولا ترتقي إلى مستوى النخبة السياسية التي يفترض أنها تمثل الشعب التركي عندما أطلق تصريحاته.
وكما أن الأوهام عادة ما تستحوذ على السياسيين الذين لا يجيدون قراءة الواقع بشكل حقيقي، مما قد يؤدي بهم إلى نهاية غير متوقعة النتائج ولدينا أمثلة عديدة في التاريخ القديم والقريب، فإن التهديدات التي يطلقها السياسيون التابعون للنظام التركي إنما هي بهدف تأدية أدوار تعويضية عن طموحات فاشلة وعدوا بها شعوبهم ومؤيديهم فيما يقومون به من سلوكيات تخريبية في دول عربية ويتشاركون في رغبة إحداث الخراب، ولدى النظام التركي الحالي العديد منهم في الدول العربية.
من الحقائق والثوابت التي تعمد خلوصي أكار وغيره من أتباع أردوغان في تركيا والدول العربية، ممن تركوا لأنفسهم العنان للمغالطات على الدول الأخرى، أن دولة الإمارات تقف على أرضية سياسية صلبة ولديها القدرة على الدفاع عن نفسها بشكل حقيقي وليس بالصراخ على قناة "الجزيرة" (البوق الإعلام لأردوغان)، الذي نراه دليلا على إدراك خلوصي لقدرة دولة الإمارات في وضع حد لمغامرات (سيده) أردوغان الذي يتحدث بالنيابة عنه.
وما فات الوزير التركي وهو يبث سمومه السياسية أن الذي يقوم بدعم المتطرفين ونقل المرتزقة بطائراته ليقاتلوا من أجل أجندات تخريبية في الدول العربية هي بلاده تركيا عندما نقلت مقاتلين من سوريا إلى ليبيا، لذلك فإن المجتمع الدولي لا يعول كثيراً على ما يقوله وزراء النظام التركي لأنهم يحاولون "تخدير" الرأي العام التركي الذي كشف أكاذيبهم.
"جنون العظمة" هو أحد الأمراض التي يعاني منها نظام أردوغان، وهذا يفسر حالة الانفلات السائدة في نوعية التصريحات وعدم السيطرة عليها، وهي تسبب مشاكل لعلاقات الدولة التركية مع باقي دول العالم وليس الدول العربية فقط، على اعتبار أن طريقة التعامل في العلاقات الدولية لها صرامة معينة ومنهجية رصينة في إطلاق التحذيرات، وهو ما يختلف عن أسلوب "البلطجة" السياسية التي يمارسها أردوغان وفريقه مع كل دول العالم.
"التوهم" بامتلاك القدرة على إخضاع الآخرين جربها قبل أردوغان كثيرون في عالم السياسة، وإن كان أشهرهم هتلر لأنه اعتقد بينه وبين نفسه أنه وصل إلى مرحلة السيطرة، ولكنه نسي كل التجارب التاريخية التي مرت أمامه، فالنتيجة دائماً تكون نهايته السياسية وخراب دولته وإخضاعها إلى العديد من القوانين والقواعد الدولية، تجربة ألمانيا واليابان ماثلتان أمامنا لمن يريد أن يستوعب.
ضجيج التحذيرات والتهديدات التي يطلقها السياسيون، كما يفعل وزراء ومستشارو أردوغان، هي دليل على عدم القدرة على القيام بأفعال حقيقية، وهذه خلاصة تهديدات وزير الدفاع التركي ضد الإمارات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة