ما الذي جعل أكار يمضي في طريق جنون العظمة والغطرسة التي أضحت من الماضي، تجاه الإمارات ومصر ؟
إلى متى تبقى الازدواجية الأخلاقية، والأحقاد والأطماع التاريخية التركية، هي الموجه الرئيس لسياسات أنقرة في الشرق الأوسط، والخليج العربي؟
المؤكد أن سائر الأتراك يسعون وراء نموذجهم المنحول أردوغان، الذي أحب الظلمة، فباتت أعماله شريرة، ولهذا فهو يخشى من الدول التي تحمل مشاعل التنوير للإنسانية، إذ تفضح نواياه وطواياه الخبيثة .
من غير مقدمات أو مطولات، يمكن للمرء أن يحاجج التصريحات المكذوبة التي أطقلها وزير الحرب والاستعمار التركي "خلوصي أكار"، في الساعات الماضية تجاه الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية، متهما الأولى بأنها ارتكبت –على حد قوله – أعمال مضرة في ليبيا وسوريا، ومحذرا مصر مما أسماه التصريحات المستفزة.
في الحالة الإماراتية، يغالط " أكار" حقائق التاريخ المعاصر، حين يتهم الإمارات بدعم المنظمات الإرهابية المعادية لتركيا، بقصد الإضرار بأنقرة. أكار يقرأ الوضع الجيوستراتيجي الإقليمي بالمعكوس، وهي قراءة في واقع الحال، مكشوفة إلى حد المفضوحة، في محاولة فاشلة للتغطية والتعمية على إرهاب تركيا الذي قفز من الشرق الأوسط، إلى الأدنى وهو ما سنأتي عليه لاحقا .
يشهد القاصي والداني بأن الإمارات العربية المتحدة ليست فقط دولة بل هي دولة و رسالة أيضا، ومن ينكر ذلك فهو جاحد وحاقد، بل كاره لكل صاحب إرادة تسعى لأن تسود قيم التصالح والتسامح حول العالم .
ليس غريبا أن يشعر أكار بالحقد المضاعف، وهو يرى عظم شأن الإمارات، ومدى تأثيرها الأدبي والأخلاقي، ونموذجها المادي الخلاق، لا سيما في أوقات الجائحه، ذلك أنه في حين تسعى شراذم المرتزقة التركية في المنطقة تحمل الموت والنار والدمار، تسابق الإمارات الرياح من أجل استنقاذ المرضى والجوعى في آخر بلاد العالم، في غابات الأمازون .
الكذب ديدن القيادة التركية، والوزير المخادع الذي يذهب إلى أن الإمارات العربية المتحدة "دولة وظيفية"، فاته أنها باتت نموذجا للتنمية والانطلاق في أعلى عليين، فناهيك عن نجاحاتها التجارية وتحولها إلى نقطة وصل بين الشرق والغرب، أضحت كذلك دولة يجوب مسبارها الفضاء ويقترب من المريخ، ومحطاتها النووية السلمية تبشر بغد مشرق صناعة وزراعة، دولة تسعى لتعميق مشاعر الأخوة الإنسانية بين شعوب الأرض كافة، من غير محاصصة طائفية، ولا فتن مذهبية، فضلا عن ذلك، دولة تتمتع بجيش نظامي يمتلك أحدث الأسلحة، دفاعا وذودا عن حياض الوطن .
ما الذي جعل أكار يمضي في طريق جنون العظمة والغطرسة التي أضحت من الماضي، تجاه الإمارات ومصر ؟
قبل بضعة أيام كان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش يتحدث عن كيفية تحصين النظام العربي، مثنيا على التعاون المصري السعودي، والإمارات مع أشقائها وهي الضلع الثالث لمثلث القوة العربي المعاصر .
الوزير قرقاش كان من الحسم والحزم بأن طالب بموقف قاطع في مواجهة المرتزقة والإرهابيين وجنود الإنكشارية، في إشارة لا تغفلها العين لمن تقوم أنقرة بإرسالهم إلى ليبيا.
من الذي يهدد الأمن والسلم الإقليميين، ومن يدعم الإرهاب حول العالم؟ هل هي الإمارات التي احتضنت ولا تزال مؤتمرات وندوات تحض شعوب العالم على الخلاص من الحروب والتوجه معا نحو المدينة الفاضلة؟، أم تركيا التي كشفت الساعات القليلة الماضية عن بعد جديد من أبعاد إرهابها الذي تخطط له همسا في المخادع، وها هو اليوم ينادى به من فوق السطوح ؟.
قبل بضعة أيام كانت صحيفة "هندوستان تايمز" الهندية تكشف عن ملامح ومعالم التدخلات التركية على أراضيها من خلال جماعات إرهابية تولت تركيا دعمها ماليا من خلال قطر في ولاية كيرالا الجنوبية .
التقرير يحمل معلومات للاستخبارات الهندية تقطع بأن أنقرة وسلطانها الهائم بالماضي، تبذل جهودا كبيرة لدفع المسلمين في الهند نحو التطرف وتجنيد المتشددين .
أطماع أردوغان في واقع الأمر لا تتوقف عند نفط وغاز وثروات ليبيا الطبيعية، وإن كان هذا هو هدف رئيس لوجستي من وجوده وسعيه لتعزيز هذا الوجود في ليبيا، ومن خلال الطابور الخامس السراجي وبقية إرهابييه بشكل خاص .
أما الهدف المعنوي الأكبر الذي أكدت عليه الاستخبارات الهندية منذ أيام، فموصول بمحاولات أردوغان توسيع نفوذه في منطقة جنوب آسيا، ظنا منه أن هذا سيقدمه للعالم الإسلامي بوصفه حامي حمى الدين، ورافع راية المسلمين، وخليفة المؤمنين، ومؤسس النسخة الأحدث من دولة العثمانيين.
تصريحات أكار وخطوط وخيوط رئيسه الأبوكريفي أردوغان، تذكرنا بواحدة من روائع "لافونتين"، شاعر وكاتب فرنسا الشهير، إنها قصة الضفدع الذي هيأ له عقله الممتلئ بجنون العظمة، ونفسه المصابة بالبارانويا، أنه قادر على الانتفاخ إلى أن يصل إلى حجم الثور، وفيما هو يفعل انفجر وتبعثرت أشلاؤه على قارعة الطريق .
أكار الذي يهدد الإمارات، بلاده غارقة في الوحل حتى أذنيها منذ نشأة حزب العمال الكردستاني في أواخر السبعينات وحتى الآن، وقد فشلت كل محالاوتها المسلحة في إخضاع الأكراد الذين باتوا يشكلون قلقا في النهار، وأرقا في الليل للسلطان الذي يسكن قصرا من ألف حجرة .
لم تفلح مجازر السلطان المغشوش تجاه الأكراد في كسر إرادتهم، وها قد صاروا خنجرا في خاصرته، بل أضحت أنقرة تشعر بالرعب من قوة وقدرة المقاتلين الأكراد على نقل أسلحة نوعية إلى المعسكرات الحدودية مع تركيا.
ربما يتوجب على أكار المغرور أن يتذكر تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب التي وصف فيها سيده أردوغان بالأحمق، والإنذار الساحق الماحق بتدمير الاقتصاد التركي، إن لم يفرج سريعا عن القس الأمريكي برونسون، الأمر الذي فعله صاغرا وبسرعة البرق .
أحسن كثيرا جدا الوزير قرقاش في رده على المختلين والمحتلين من العثمانيين الجدد، ذلك أن منطق الباب العالي والدولة العليا وفرماناتها مكانه الأرشيف التاريخي".
من يخبر أكار أن التاريخ هو أكبر فكاهي، كما يقول ويل ديورانت، وأن المؤرخين يقهقون وهم يرون خيالات ومآلات العثمانية البائدة تتراقص أمام أعين أردوغان .
ماذا عن مصر، والأحقاد التاريخية التركية تجاهها ؟
إلى الجزء المكمل والمتمم من هذه القراءة في مقال قادم بإذن الله .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة