استطلاعات الرأي اليوم تبشر بفوز الديمقراطي جو بايدن، ولكن هل يمكن التعويل على هذه الاستطلاعات فعلاً؟ ل
من يريد فوز الرئيس دونالد ترامب بولاية ثانية في البيت الأبيض؟ ربما تحدد الإجابة على هذا التساؤل فرص ترامب في الفوز بالانتخابات الأمريكية المقبلة. ولكن قوائم المؤيدين والرافضين لم تكتمل بعد داخليا وخارجياً. فبين خصوم الرئيس الأمريكي أنفسهم هناك من يتمنى ويسعى لفوزه، ولا عجب أن تجد بين مناصريه من يعمل بصمت لإفشاله وإبعاده عن سدة الحكم.
بعد مرور أربع سنوات من إدارته للبيت الأبيض بطريقة لم يعرفها العالم من قبل في السياسة الخارجية الأمريكية، ووسط التحديات التي تعيشها الولايات المتحدة اليوم اقتصادياً واجتماعياً وصحياً، يصعب التنبؤ بنتائج انتخابات نوفمبر المقبل، كما أن التجربة تقول إن المفاجأت في مثل هذه الاستحقاقات تبقى متوقعة ومحتملة حتى الأيام الأخيرة قبيل فتح صناديق الاقتراع.
استطلاعات الرأي اليوم تبشر بفوز الديمقراطي جو بايدن، ولكن هل يمكن التعويل على هذه الاستطلاعات فعلاً؟ لقد أخفقت في تنبؤ الفائز بانتخابات 2016، روجت جميعها لفوز هيلاري كلينتون ثم انتصر ترامب بفارق أثار الدهشة حينها، مدير التعددية في حملة ترامب نحو الولاية الثانية يقول على أحد الفضائيات العربية: "إن استطلاعات الرأي تأتي بالنتائج التي يريدها الممول، تختار الأسئلة والعينة بما يضمن أن تكون النتيجة هي فوز بايدن بالرئاسة".
المدير ذاته ويدعى ساجد ترار، يقول إن المسلمين في الولايات المتحدة سيصوتون لصالح ترامب، وهذا عمليا يخالف التوقعات لأسباب كثيرة نظن أنها تعبر عن مزاج هذه الأقلية هناك، فترامب لم يكن ودوداً تجاه المهاجرين المسلمين، ولا يبدو مهتما كثيراً بأوضاع الأقلية المسلمة بحكم شعبويته، كما أنه لم يقدم الكثير لدول العالم الإسلامي كي يثير إعجاب جالياتهم في أمريكا.
مواقف الأقليات المهاجرة إن جاز التعبير، تتشابه كثيرا تجاه المنافسة بين بايدن وترامب، القول الفصل في تأثيرهم على نتائج اقتراع نوفمبر المقبل يعتمد على حجم انخراطهم في الحياة السياسية وتسجيلهم في قوائم الناخبين، وهو أمر يختلف بين أقلية وأخرى وبين جيل وآخر من المهاجرين.
على مستوى الداخل أيضا تبدو اللوبيات اليهودية ممتنة لما فعله ترامب لإسرائيل خلال ولايته الأولى، ولكن بايدن لن يتأخر عن هؤلاء تحديداً، وربما يكون إسرائيلياً أكثر من ترامب. لم يعرف التاريخ الأمريكي الحديث رئيساً معادياً لتل أبيب، وبايدن المنخرط في سياسة بلاده منذ ثمانية وأربعين عاماً يعرف ذلك جيداً، ويعرف أيضاً من أين تؤكل الكتف في هذا المجال تحديداً.
بالنسبة للأمريكيين السود قد يكون الأمر حسم ضد الرئيس بعد مقتل جورج فلويد على يد الشرطة الأمريكية، ولكن السود ليسوا من جلب ترامب إلى السلطة في 2016، لم يرفع ترامب شعارات مناهضة للعنصرية قبل أربع سنوات، ومن صوت من السود لصالحه حينها لم يفعل ذلك طمعا بالمساواة مع البيض وإنما لاعتبارات شخصية أو سياسية أو اقتصادية لم تتغير غالباً.
ثمة ثلاث فئات رئيسية بين الذين صوتوا لترامب في 2016، الأولى وضعت الاقتصاد على رأس اعتباراتها، والثانية ملت شخصيات السياسة التقليدية وبحثت عن التغيير، والثالثة أرادت ذلك الزعيم الشعبوي لتكون قدوة هذا التوجه في الغرب ككل، هذه الفئات الثلاث تقف اليوم أمام الاستحقاق الرئاسي بذات الدوافع وبخيارين واضحين كما كان الحال قبل أربع سنوات. ترامب أكثر شعبوية من بايدن، وهو أكثر قدرة منه على دعم الاقتصاد، كما أنه لا ينتمي إلى المدرسة الكلاسيكية السياسية التي تخرج منها جو بايدن ومن قبله هيلاري كلينتون.
وجود هذه الفئات لا يعني أن النتيجة ستنتهي لصالح الرئيس لا محالة، ففي مقابل هؤلاء ستتكاتف جهود كل من فجع بترامب في 2016، أو استاء من سياساته طوال السنوات الماضية، وعندما يضاف لهؤلاء أنصار الحزب الديمقراطي مدعومين بجهود الدول الرافضة لاستمرار الإدارة الأمريكية الحالية، تصبح المنافسة شديدة جداً وغير قابلة للتوقع قبل فرز أصوات الناخبين.
ولا نذيع سرا بالقول إن كثيرا من الدول حول العالم لا ترغب في بقائه على رأس الإدارة الأمريكية. من بينها الصين والاتحاد الأوروبي وإيران و فنزويلا وغيرهم العديد من الدول العربية والغربية، ظاهر الأمور على الأقل في هذه الدول يشي بذلك، ولكن هذا لا يلغي حقيقة أنها تستعد للخيارين، ولا يلغي أيضا وجود دول تتوقع مكاسب كبرى في استمرار عهد ترامب لأربع سنوات أخرى.
قد يدفع فوز ترامب بولاية ثانية إيران إلى إبرام اتفاقية تاريخية مع الصين، وقد يؤدي أيضا إلى سلام أوروبي روسي لم يكن ليحدث لولا استمرار ضغوط ترامب على دول القارة العجوز. قد يحثه الفوز على حسم أزمات المنطقة العربية، وقد تفلح واشنطن بتشكيل تحالف ضد الصين، وربما أيضا تبرم اتفاقية تجارة حرة مع المملكة المتحدة كما يشتهي رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون.
كل الاحتمالات في السباق الرئاسي الأمريكي المقبل ممكنة، وإن كان توقع النتيجة أمراً صعباً حتى الآن. فإن المبالغة في الرهان على أي من المتنافسين هي مقامرة خاسرة لصاحبها، فالسياسة الأمريكية الداخلية منها أو الخارجية، لا ترسم ولا تدار ولا تنفذ عبر شخص واحد، كما أن العالم قد تغير كثيرا عما كان عليه قبل 2016، وأيا كان ساكن البيت الأبيض في 2021 لابد له أن يواجه هذه الحقيقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة