ماذا تملك تركيا الآن لكي تستعيد النفوذ الاستعماري القديم؟ لا شيء سوى الوهم. لا اقتصادها يسمح بنفوذ، ولا جيشها يمتلك العزيمة لكي يُهدي أردوغان نصرا في أي مكان.
إذا ما تعمقنا في مزاعم وتهديدات وزير الدفاع التركي خلوصي اكار، فإننا سنجد ثلاثة أرباع الأتراك إرهابيين. وسيده يحكمهم على هذا الأساس أصلا. وهو يعتقل عشرات الآلاف، ممن يعارضونه بتهم الإرهاب. وبينهم كتاب وأدباء وصحفيون، لا يملكون أكثر من أقلامهم. حتى إن أحدا لا يستطيع أن ينتقد سياساته القمعية وتدخلاته الخارجية دون أن يُصبح في نظره إرهابيا، وهي صفة يحاول أردوغان أن يستخدمها على سبيل الترهيب، لمجرد أنه هو نفسه يعيش تحت وطأة رهاب الخوف من شعبه ومن جيشه.
لا يملك حزب أردوغان أغلبية تكفي لكي يحكم بمفرده، وكل البقية في نظره هم إرهابيون إلا الذين يدعمون بقاءه في السلطة، وكلما تراجعت مكانته كلما زاد عدد الإرهابيين وفقا لحساباته المصابة بالهستيريا، وهناك عدة أشباح تخيفه داخل تركيا وخارجها وهي تجعله ينام خائفا، ويصحو خائفا، من تمردها عليه. ويتهمها بالإرهاب، من أجل أن يوفر لنفسه شعورا بأنه يقف على الضفة الصحيحة، دون أن يرى الأرض وهي تميد من تحت أقدامه.
خلوصي أكار تجرأ على أن يهدد الإمارات ولو كان لتهديده أي قيمة، ما كان ليختار وصفة من وصفات الجُبن تلك. ويرتع أردوغان وغلمانه بالأوهام العثمانية، حتى لكأنهم يعيشون في واقع افتراضي مريض، فيتصورون أنهم قادرون على تهديد الجميع. وفي الواقع، فإن تركيا قد تكون قادرة على الاعتداء والتوسع على حساب مصالح الآخرين، وهو بالضبط ما يراه الأردوغانيون سبيلا لاستعادة حلم الإمبراطورية العثمانية.
وتلك الإمبراطورية إذا كانت قد سقطت لأسباب تتعلق بفشلها في الداخل وعدوانتيها في الخارج، وجهلها العميم، فإن تركيا الأردوغانية تكرر الوجه الأسوأ لتلك التجربة الغابرة في التاريخ.
ماذا تملك تركيا الآن لكي تستعيد النفوذ الاستعماري القديم؟ لا شيء سوى الوهم. لا اقتصادها يسمح بنفوذ، ولا جيشها يمتلك العزيمة لكي يُهدي أردوغان نصرا في أي مكان. الآلاف من كبار ضباط هذا الجيش، وأفراده من مختلف المراتب، يقبعون في السجون لأنهم "إرهابيون" بحسب تصنيفات أردوغان الإرهابية هي نفسها. ويستطيع المرء أن يفهم كيف يعيش الضباط الآخرون تحت وطأة الترهيب الذي يُمارس ضدهم.
تركيا ليست حليفا موثوقا في "الحلف الأطلسي"، لاسيما بعد صفقة صواريخ أس-400 الروسية، التي ينظر إليها الأمريكيون على أنها تهديد مباشر لأنظمة الأطلسي وطائراته.
الأوروبيون أنفسهم ينظرون إلى العدوانية التركية بالمزيد من المشاعر بأن العقوبات ضد أنقرة قد لا تكفي لردع أردوغان عن مواصلة التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط بما يشكل تهديدا لمصالح اليونان وقبرص. بل وكاد الأمر أن ينقلب إلى نزاع مسلح أيضا.
و"الدور الإجرامي" لتركيا في ليبيا، بحسب وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوفر للاتحاد الأوروبي قناعات كافية بأن قيام تركيا بإرسال الأسلحة والمرتزقة إلى هناك يشكل تهديدا يستوجب الرد.
في ظل أجواء كهذه، يجرؤ خلوصي على تهديد الإمارات. ومن أين؟ من على قناة "الجزيرة" القطرية، الأمر الذي يُشكل سقطة أخلاقية جديدة لها وله. ولكنها جرأة المريض، الذي يجعل من أوهامه واقعا بديلا عن الواقع.
"الإرهابيون"، في عين أردوغان، من شعب تركيا يعرفون على أي حال، أن نظام التسلط في الداخل والعدوان في الخارج، لن يوفر لأردوغان وحزبه الفرصة لكي يبني قوة استعمارية جديدة على رمال الإفلاس الذي يهدد اقتصاد تركيا. ولن ُيمنح الوقت في السلطة، لكي يواصل أعمال التهديد. ومن يدري، فأعمال الفساد والترهيب التي رعاها أردوغان قد تكفي لأن يجرب ما جربه ضحاياه القابعون في السجون.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة