شمال سوريا.. دعم إنساني يفتش عن صدع بجدار أزمات السياسة
في 6 فبراير/ شباط، ضرب زلزال بقوة 7.8 درجة تركيا وسوريا. كانت واحدة من أكثر الأحداث إيلاما من هذا النوع خلال عقد من الزمن.
تجاوز عدد القتلى أكثر من 20 ألفا، وهو رقم مرشح للزيادة، وانهار نحو 5775 مبنى، بما في ذلك المنازل والمستشفيات والمدارس، مما ترك مئات الآلاف بلا مأوى، وفقا لتقرير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
ورغم تدفق المساعدات الطارئة إلى تركيا دون عوائق نسبيًا، وضعت المعضلات السياسية عراقيل كبيرة في طريق مرور المساعدات إلى سوريا، إذ لا تحظى المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة سوى بقدر ضئيل من المساعدات الإنسانية، وهو ما يضع مزيدا من الأعباء على كاهل الأوروبيين لإيجاد حلول، وحشد الجهود الدبلوماسية المشتركة لإيجاد طريق للمساعدات لدخول المنطقة.
ووفقا لتقديرات الحكومة التركية، فهناك ما يصل إلى 13.5 مليون شخص في تركيا قد تضرروا من الزلزال. لكن الأفراد الأكثر تضررا على الجانبين التركي والسوري هم اللاجئون السوريون والنازحون داخلياً، والذين يعيشون أوضاعا يرثى لها، ويعانون في مواجهة انخفاض درجات الحرارة في ليالي الشتاء الباردة، فضلاً عن نقص الغذاء والوقود.
ووفقا للتقرير، لم تتمكن سوى قوافل صغيرة قليلة من دخول مناطق شمال غرب سوريا، الأكثر تضررًا من الزلزال، وغير الخاضعة لسيطرة الحكومة والتي تجد نفسها معزولة تمامًا. وتعتمد الجهود هنا بشكل شبه كامل على المنظمات غير الحكومية المحلية، التي تفتقر إلى القدرات والموارد والطاقة اللازمة لإدارتها في مواجهة هذه الأزمة المدمرة. وهم بحاجة ماسة إلى الخبرة والآلات والوقود الذي لم يتمكنوا من الوصول إليه.
ويعكس هذا الواقع التعقيدات الحادة والمنهكة التي لا تزال تخيم على سوريا، التي تغذي الاستقطاب الدولي العميق الذي ترك السكان اليائسين أصلاً عاجزين في الساعات والأيام التالية للزلزال عندما يكون الدعم أكثر إلحاحًا لمحاولة إنقاذ الأرواح.
ووفقا للتقرير، فقد كشف الزلزال عن الحالة المتردية للغاية لمرافق الرعاية الصحية في المنطقة، والتي تتميز بضعف الخدمات والبنية التحتية وعدم كفايتها.
ويعيش السكان في ملاجئ مؤقتة لا تمكنهم من تحمل برودة الطقس. وحتى قبل الكارثة، أفادت التقارير أن 90% من مواطني سوريا بحاجة إلى المساعدة.
تقديم مساعدات أوروبية لهؤلاء السوريين مليء بالمعضلات السياسية. ويكمن في قلب المشكلة عدم رغبة الغرب في توجيه كميات كبيرة من المساعدات عبر دمشق وفقا لمطالب الحكومة السورية الآن، التي طلبت دعمًا أوروبيًا من خلال آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي. كما دعت إلى تخفيف العقوبات الغربية.
وفي الوقت الذي يبدي فيه الغرب، الذي يعد أكبر مانح للمساعدات في سوريا، استعداده لتقديم المزيد من الدعم الإنساني لمعالجة هذه الأزمة، يبدو القادة الغربيون غير مستعدين لتقديم المزيد من المساعدة عبر دمشق بسبب المخاوف من استغلالها لأغراض خاصة، بدلاً من تسليمها إلى مستحقيها. لذلك يتوقع أن يستمر النقص في الإمدادات في شمال غرب سوريا.
وبحسب التقرير، فبعد قصف الشمال الغربي لعقد من الزمان حتى الآن، هناك القليل من الثقة في إيلاء دمشق اهتماما بسكان المنطقة وعدم استخدامها المساعدات المتزايدة لتعزيز موقفها.
من جانبها، قالت الحكومة الأمريكية بالفعل إنها ستوجه المساعدة عبر المنظمات غير الحكومية المحلية بدلاً من الحكومة، لكن قدرة هذه المنظمات غير كافية بشكل كبير.
وقبل الكارثة، كانت أوروبا وحلفاؤها يرسلون مساعدات إنسانية إلى شمال غرب سوريا عبر الحدود من تركيا. على الرغم من معارضة دمشق وروسيا، ولا يزال معبر باب الهوى الحدودي مفتوحًا بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2672. لكن هذا المعبر مغلق منذ ثلاثة أيام بسبب الأضرار التي خلفها الزلزال. وأعيد فتحه أخيرًا يوم الخميس أمام إمدادات محدودة، لكن البعض يطالب بفتح معابر حدودية أخرى - مثل باب السلامة وجرابلس - على وجه السرعة لتدفق المساعدات. لكن الضرر الهائل الذي لحق بالبنية التحتية اللوجستية (مثل المطارات المحلية) في جنوب تركيا يعني أن إرسال أي مساعدات ضخمة عبر تركيا سيكون تحديًا كبيرًا لبعض الوقت في المستقبل.
ويثير فتح نقاط عبور حدودية جديدة أيضًا مشكلة قانونية حادة حيث يتعين على الحكومات الأوروبية الالتفاف حول التفويض الحالي للأمم المتحدة. ولتأمين اتفاق جديد، ستحتاج روسيا إلى منح الضوء الأخضر لنقاط العبور الجديدة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكن ربما تمنع موسكو هذا النهج نظرًا لصراعها مع الغرب بشأن حرب أوكرانيا - فضلاً عن رغبتها في استخدام الوصول إلى المساعدة لتعزيز موقف دمشق. لذلك ستحتاج الحكومات الأوروبية إلى العمل مع تركيا لإنشاء وإدارة نقاط وصول وآليات تسليم جديدة.
ووسط الافتقار إلى الخيارات البديلة، رأت بعض المنظمات الدولية غير الحكومية أن زيادة الدعم عبر دمشق يشكل ضرورة في الوقت الراهن واشترطت إدخالها وسط مراقبة كافية واستثمارات دبلوماسية كبيرة من الدول الغربية.
بيد أنه في الوقت الذي تدعو فيه بعض الحكومات الأوروبية روسيا إلى ضمان قيام دمشق بتخفيف بعض القيود السياسية على دخول المساعدات إلى شمال غرب البلاد، لا يوجد تفاؤل كبير بإحراز تقدم على هذا الصعيد. ولا يبدو أن هناك مساعي أوروبية حقيقية لفتح مفاوضات مع دمشق حول هذه القضية.
وخلص التقرير إلى أنه بدون البحث عن حل لإيصال هذه المساعدات سيرتفع عدد ضحايا الزلزال، ناهيك عن التأثير الذي ستحدثه الأزمة الإنسانية التي تلت ذلك على الأوضاع المحلية.
وعلى الرغم من التحديات الهائلة، يتعين على الدول الأوروبية التحرك سريعا للبحث عن مسارات لدعم السوريين على الأرض. ولن يكفي مجرد تقديم الدعم والتمويل للمنظمات غير الحكومية المحلية التي لا تملك القدرة للاستجابة لهذه الأزمة. وهذا يتطلب قيادة شجاعة وخلاقة من الدول الأوروبية.
كما يجب عليهم الضغط لفتح مزيد من المعابر الحدودية من خلال المفاوضات مع روسيا، وإذا لزم الأمر، دون تفويض من الأمم المتحدة ومحاولة خلق مساحة لدخول مزيد من الدعم إلى المنطقة عبر دمشق. كما يجب أن تتفوق الضرورات الإنسانية على المواقف السياسية القائمة منذ فترة طويلة لضمان تلبية الاحتياجات الأساسية.
aXA6IDMuMTM4LjEzNC4yMjEg جزيرة ام اند امز