في عين القنبلة.. "العين الإخبارية" تقتحم عالم أوبنهايمر "المخيف"
يحكي فيلم "أوبنهايمر" لكريستوفر نولان قصة عالم الفيزياء الشهير "روبرت أوبنهايمر"، الذي أصبح معروفا باسم "أبو القنبلة الذرية".
وفي ظل قيادة "أوبنهايمر"، ابتكرت مجموعة صغيرة من علماء القرن العشرين سلاح "القنبلة الذرية" الفتاك، غير أن أوبنهايمر، الذي دخل في صراع نفسي بسبب القوة التدميرية للقنبلة الذرية، هو من عارض المساعي الأمريكية لإنشاء القنبلة الهيدروجينية، ليتم اتهامه على أثر ذلك بعدم الولاء لأمريكا، ونتيجة لذلك، يفقد في عام 1954، منصبه كمستشار للحكومة الأمريكية.
والقنبلتان الهيدروجينية والذرية كلتاهما نوع من الأسلحة النووية، لكنهما مختلفتان تماما عن بعضهما.
يقول الفيزيائي جيم نابوليتانو من جامعة تمبل الأمريكية لـ"العين الإخبارية": "باختصار يمكننا أن نقول إن القنبلة الذرية هي جهاز انشطار، بينما تستخدم القنبلة الهيدروجينية الانشطار لتوليد تفاعل اندماجي، أي أنه يمكن استخدام القنبلة الذرية كمحفز لقنبلة هيدروجينية".
القنبلة الذرية ومعادلة أينشتاين
وحتى نفهم بشكل أكثر تفضيلا القنبلة الذرية، يعود بنا نابوليتانو إلى الخلف قليلا، مذكرا بأن "كل شيء في عالمنا، بما في ذلك أنفسنا، يتكون من جسيمات صغيرة تعرف بالذرات، وتقع النواة في قلب الذرة، وهي منطقة صغيرة، ولكنها كثيفة تحتوي على بروتونات موجبة كهربائيا، ونيوترونات متعادلة كهربائيا، ويحيط بالنواة جسيمات أصغر تسمى الإلكترونات، أي أنه يمكن تصور الذرة، وكأنها نظام شمسي صغير، حيث تمثل النواة الشمس، وتتألف من النيوترونات والبروتونات، بينما تدور الإلكترونات حولها مثل الكواكب".
واكتشف العلماء بمرور الوقت أنه عندما يصطدم نيوترون بنواة بعض المواد الانشطارية، فإنه يزعزع استقرار النواة، مما يتسبب في انقسامها إلى نواتين أصغر، ثم تصطدم النيوترونات التي تم إطلاقها حديثًا مع ذرات أخرى قريبة، مما يؤدي إلى تفاعل متسلسل لمزيد من الانقسام، وينتج عن هذا التأثير المتتالي عددا من الذرات التي تخضع للانشطار.
ويوضح نابوليتانو أنه "أثناء الانشطار النووي، تكون الكتلة الكلية للشظايا الناتجة أقل بقليل من كتلة النواة الأصلية، ويتم تحويل هذه (الكتلة المفقودة) إلى كمية هائلة من الطاقة، كما هو موضح في معادلة شهيرة لألبرت أينشتاين (E = mc ^ 2)".
ويضيف أن "هذه المعادلة تشرح فقط إطلاق الطاقة، وليس كيفية صنع القنبلة، وكان الدور الوحيد لألبرت أينشتاين في هذا المشروع أنه كتب إلى الرئيس فرانكلين روزفلت خطابا، يقترح فيه أن الولايات المتحدة يجب أن تبحث في الأسلحة الذرية، قبل أن يستخدم الألمان هذه التكنولوجيا القاتلة، ومع ذلك، فإنه قد ندم على ذلك في وقت لاحق، وقال في مقابلة مع مجلة (نيوزويك) (لو علمت أن الألمان لن ينجحوا في تطوير قنبلة ذرية، لما فعلت شيئا)".
ماذا فعل أوبنهايمر؟
ويتطلب الانشطار النووي العملي عناصر محددة، مثل نوع معين من اليورانيوم (يسمى علميا النظير)، ويسمى "اليورانيوم 235 "، وفي القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي، كانت المواد الانشطارية المستخدمة هي "اليورانيوم 235" و"البلوتونيوم 239".
ويقول نابوليتانو: "في خام اليورانيوم الطبيعي، يوجد حوالي 0.7% فقط من اليورانيوم 235، وللحصول على ما يكفي، كان على العلماء إيجاد طرق لفرز 235 من بقية المواد في عملية تعرف باسم التخصيب، وهو ما فعله الفيزيائيون في مشروع مانهاتن الذي رأسه أوبنهايمر، حيث استخدموا العديد من الطرق، التي قادت لذلك، بما في ذلك أجهزة الطرد المركزي، والانتشار الغازي، والانتشار الحراري، والفصل الكهرومغناطيسي".
ماذا يحدث بعد ذلك؟
ويصف بيتر سامي، أستاذ الفيزياء بجامعة جنوب الوادي المصرية، توفير كميات من "اليورانيوم 235" بأنه الخطوة الأساسية، ففي سياق التفاعلات النووية، يمكن تشبيه "اليورانيوم 235" ببالون ممتلئ تقريبا حتى نقطة الانهيار، بحيث يكفي لفرقعته نفخة إضافية واحدة من الهواء، أو ربما حتى دفعة لطيفة من أحد المارة.
ويقول سامي لـ"العين الإخبارية": "بالنسبة إلى ذرة من اليورانيوم 235، يأتي هذا الدفع اللطيف من نيوترون يدفع اليورانيوم إلى حافة الهاوية، وعندما ينفجر، ينقسم إلى ذرتين جديدتين، تحتوي كل منهما على حوالي نصف عدد البروتونات والنيوترونات، كما أنه يطلق بضعة نيوترونات حرة وكمية لا تصدق من الطاقة".
ولضمان حدوث تفاعل متسلسل، تم تجهيز الأسلحة الذرية بما يكفي من المواد الانشطارية بتركيز كثيف بدرجة كافية، بحيث يضرب كل نيوترون جديد، في المتوسط، نواة أخرى، كما يوضح سامي.
ويضيف أنه "يمكن أن يتراوح ناتج الطاقة من التفاعل إلى ما يعادل حوالي طن حتى 500 كيلو طن من مادة تي إن تي المتفجرة، كما تطلق القنبلة شظايا انشطارية مشعة ناتجة عن انقسام النوى الثقيلة إلى نوى أصغر".
لماذا رفض أوبنهايمر القنبلة الهيدروجينية؟
وبعد نجاح القنبلة الذرية، عاش أوبنهايمر في صراع نفسي بين الأخلاق وما تفرضه من ضرورة مراعاة الأبعاد الإنسانية، وبين التقدم العلمي الذي قد يؤدي لنتائج لا يحمد عقباها، وهو ما جعله يعارض مشروع "القنبلة الهيدروجينية" التي يمكن أن تنتج طاقة تفوق الذرية.
والقنبلة الهيدروجينية، كما يعرفها أليكس ويلرستين، أستاذ الفيزياء بجامعة هارفارد، هي نوع من الأسلحة النووية التي تنفجر من الطاقة المكثفة التي يطلقها الاندماج النووي، ويمكن أيضا تسمية القنابل الهيدروجينية بالأسلحة النووية الحرارية.
ويقول ويلرستين لـ"العين الإخبارية"، إن "الطاقة في تلك القنبلة تنتج بواسطة تحفيز عملية الاندماج النووي بين نظائر عناصر كيميائية لعنصر الهيدروجين وبالأخص النظيرين التريتيوم وديوتيريوم، حيث ينتج من اتحاد هذين النظيرين للهيدروجين ذرة هيليوم مع نيوترون إضافي، ويكون الهيليوم الناتج من هذه العملية أثقل كتلة من الهيليوم الطبيعي، وتقاس قوتها بالميغا طن (بالمليون طن من مادة تي إن تي)".
وتاريخيا، كانت قنبلة القيصر التي أنتجها الاتحاد السوفيتي سابقا، هي أكبر سلاح نووي تم تفجيره على الإطلاق، وهي عبارة عن قنبلة هيدروجينية بقوة 50 ميغا طن، تم تفجيرها تجريبيا في صباح يوم 30 أكتوبر /تشرين الأول عام 1961، حيث تم إلقاء قنبلة القيصر من على ارتفاع 10500 متر فوق منطقة الاختبار، وهي جزيرة "نوفايا زيمليا" في المحيط المتجمد الشمالي، وصعقت نتائجها المخيفة العالم كله، حيث وصل الارتفاع الأقصى للسحابة الناتجة عن الانفجار 64 كلم، وبلغ عرضها 40 كلم، وكان قطر كرة النار الناتجة عن الانفجار 4.6 كلم، وطافت الموجات الناتجة عن الانفجار حول الكرة الأرضية بأكملها 3 مرات، وذاب ثلث سطح الأرض تحت منطقة الانفجار، حيث تحولت الصخور في مركز الانفجار إلى رماد وتحولت بقية الأرض إلى سطح من الزجاج، وفي هذا الوقت كانت أقوى قنبلة أمريكية على الإطلاق أصغر من هذه القنبلة بأربعة مرات على الأقل.
كيف دخل كريستوفر نولان إلى رأس روبرت أوبنهايمر؟
هذه التفاصيل العلمية المعقدة استطاع المخرج وكاتب السيناريو كريستوفر نولان تبسيطها من خلال التحضير الجيد للفيلم عبر جلسات علمية مطولة عقدها مع علماء، واستطاع من خلالها الدخول إلى رأس روبرت أوبنهايمر.
وأثناء كتابة السيناريو، تحدث نولان طويلا مع روب ديكغراف، مدير معهد جامعة برينستون للدراسات المتقدمة (شغل أوبنهايمر منصب مدير المعهد من عام 1947 إلى عام 1966)، حتى يتمكن من تبسيط الطبيعة الثورية والشبه السحرية للتحول من الفيزياء الكلاسيكية إلى فيزياء الكم، التي كان من نتيجتها إنتاج القنبلة الذرية.
كما كان الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل كيب ثورن، حاضرا أيضا في المناقشات أثناء التحضير للفيلم، وهو ما ساعد نولان على فهم العملية العلمية وكيف تعمل، حتى يمكن عكس ذلك ببساطة على الشاشة.
aXA6IDMuMTQ0LjMxLjg2IA== جزيرة ام اند امز