كلنا نتفق على أنّه لا مكان لمن لا يعمل، وما دام الموظف يستلم حقّه المالي كاملاً فلا بد أن يقوم بتأدية حق العمل عليه
وقف المدير الجديد بعد أن تجوّل لفترة بين مكاتب المؤسسة ليرى الجميع أنّه ممن يؤمنون بضرورة الوقوف قريباً من أماكن العمل لضمان أن يسير كل شيء وفقاً للمُخطّط له، لفت نظره شاب يقف متكئاً على طرف الجدار في آخر الممر.
هنا كان لا بد من تقديم درس علني للجميع ليعلموا أنّه لا يتساهل في إنتاجية العمل، وأنّ تقييمه لأي موظف مهما كانت درجته يعتمد على نسبة إنجازه وجدّيته، فناداه ليأتي إليه ثم سأله: «كم تأخذ يومياً من راتبك؟»، أجاب الشاب: «40 دولاراً يا سيدي»، فأخرج المدير حافظة نقوده وأخرج منها ورقة مائة دولار ثم قال له: «لا أريد أن أراك في هذه الشركة بعد اليوم»، فأخذها الشاب دون تعليق وخرج سريعاً!
كلنا نتفق على أنّه لا مكان لمن لا يعمل، وما دام الموظف يستلم حقّه المالي كاملاً فلا بد أن يقوم بتأدية حق العمل عليه، وما دام أنه ليست كل حركة تعني أنها للأمام؛ فكذلك ليس كل موظف منشغل يعني أنه منشغل في عملٍ مُنتِج يُضيف للمؤسسة ويرتبط فعلياً بأهدافه المنبثقة من أهدافها.
لذلك كان لزاماً أن تلجأ المؤسسات إلى تبنّي طرقاً معينة لقياس تلك الناحية، والتي تعرف حالياً بتقييم أداء الموظف Employee Performance Appraisal، هنا لا بد أن نذكر أنّ بعض المؤسسات يقوم بهذا التقييم من أجل التأكد من تطوير قدرات الموظف بشكل مستمر وما يترتب عليه «تراكمياً» بضم قدرات مَن حوله معه من تطوير لأداء المؤسسة ككل، وتمكينها من تحقيق أهدافها بشكل أفضل وأسرع، هذا ما تفعله المؤسسات الناجحة، البقية للأسف يفعلونه لأنهم يريدون أن يظهروا بشكل جيد لا يختلف عن البقية الذين يستخدمونه أو ربما لأنّ هناك جهة عليا مُلزمة تجبرهم على عمل هذا التقييم!
نقطة لا بد من الانتباه لها، وهي كون المدير أو المسؤول أو رئيس القسم ضعيفاً في قدراته، حينها لا يُتوَقّع أن يكون التقييم عادلاً، كلما كان اختيار قيادات المستويات الوسطى والعليا سيئاً كان التأثير السيئ فادحاً في تلك المؤسسة، ولن تنفعها أي نماذج للتحسين
النظريات والمنهجيات في العموم جيدة ونافعة، لكن ما يُلغي جودتها ويسلبها نفعها هو التدخل البشري بها، فشريحة كثيرة من الموظفين يُبْدون اعتراضهم وتحفظاتهم في أحسن الأحوال على الطريقة التي يتم بها تقييم أدائهم، والتي تعتمد كثيراً على مدى القُرب من المسؤول المباشر، فإنْ كنتَ من المرضيّ عنهم فإنّ أمورك ستكون كما تشتهي حتى لو لم تكن موظفاً جيداً، بينما العلاقة غير الجيدة مع المسؤول تعني أنك ستحصل على الكثير من «الدويحات الحمراء» في تقييمك مهما كنت رائعاً ومنضبطاً ومتفانياً، والمضحك أن بعض المديرين يعتبرها «عيدية» ليقول لك «بعطيك ممتاز لكن النسبة المحدّدة خلّصت»!
ما يزيد الأمر سوءاً هو تبنّي نظام الحصص من أمثال البيل كيرف Bell Curve والتي يكون فيها المسؤول مُجبراً على الخروج بنسب مئوية محددة سلفاً من كل فئة (ممتاز، جيد جداً، جيد، مقبول، ضعيف)، فحتى لو كان لديك مجموعة صغيرة وجميعهم مجتهدون ومتميزون للغاية فلابد «إلزاماً وليس خياراً» أن تضع أحدهم «ضعيف» وبعضهم «مقبول».
والبعض الذي يتحمّس لنظام الحصص هذا يذكر أنّه سيُنصِف المتميزين فعلاً وليس «ربع» المدير والمتزلفين وماسحي الجوخ، لكن ما يحدث فعلاً أنّ «ربع» المدير احتكروا الامتياز، بينما المتميزون وجدوا أنفسهم بين جيد ومقبول وضعيف ما تسبب في انحدار روحهم المعنوية وتسمّم بيئات العمل الداخلية!
يقول لي أحد الإخوة الظرفاء إنه يملك حلاً لنظام الحصص هذا حتى «نِفْتَكّ من الفَلْعة ودواها» وذلك بأن يقوم المدير بتعيين موظف سيئ للغاية وموظفين اثنين سيئين وثلاثة متوسطين واثنين متميزين وواحد متميّز للغاية حتى يُسهّل على نفسه القضية من أولها ولا يدخل في دوامة وجع الرأس!
نقطة لا بد من الانتباه لها وهي كون المدير أو المسؤول أو رئيس القسم ضعيفاً في قدراته، حينها لا يُتوَقّع أن يكون التقييم عادلاً، كلما كان اختيار قيادات المستويات الوسطى والعليا سيئاً كان التأثير السيئ فادحاً في تلك المؤسسة، ولن تنفعها أي نماذج للتحسين لأن من سيشرف عليها هم أولئك السيئون وتحوير مسار تلك النماذج وتفريغها من فائدتها هو مما يبرعون فيه.
فقد ذكر لي أحد الإخوة أنهم يُطبقون نظام التقييم الشامل 360º Feedback، ورغم ابتهاجي بسماع ذلك إلا أنه قتل ذاك الابتهاج بأنّ نتائج التقييم يتم تحويرها عندما تصل إلى سعادة المدير!
من كوارث المديرين مع التقييم أيضاً أنه لحاجة المدير لوقت وجهد كبير لمراجعة تقييمات كل موظفيه وهو ما لا يتحمس له الكثيرون؛ فإنّ سعادته تكون بين خيارين، إمّا أن يمر بشكل سريع ويضع أغلب الخيارات «وسطاً» مع الأخذ في الاعتبار بمن سيكون ممتازاً ومن سيكون سيئاً هذا العام، وإمّا أن يعهد بذلك إلى شخص آخر قد يكون مدير الموارد البشرية أو ربما سكرتيره الخاص لإنهاء المهمة نيابة عنه، وإحضارها له لمجرد الاعتماد، هذه بحد ذاتها مشكلة كبرى لأنها تخلق لهذا الشخص صفة قيادية كبيرة بالمؤسسة لا تتناسب وحقيقة منصبه!
من الهزلي أيضاً أن يكون من اشتراطات التقييم العالي حضور عدد معين من الدورات التدريبية، لكن الموظف يصطدم عند مراجعته لقسم التدريب بأنه لا توجد ميزانية، وهي الثغرة التي يتحايل عليها البعض بشراء شهادات حضور دورات «مفصّلة» حسب الطلب بقيمة تتراوح من 50 إلى 250 درهماً، ولأنّها تُقبَل لدى العديد من المؤسسات فإن التزوير و«الفهلوة» والتلاعب تستفحل في بيئات العمل، تلك ما تضيف بُعداً سيئاً آخر للتطبيق «المشوّه» لأنظمة التقييم !
التقييم في صورته الفعلية المطلوبة مهم لتقف المؤسسة على قدراتها الحقيقية ومدى توافقها مع طموحاتها، وكيف بالإمكان تحسين تلك القدرات من خلال ما أوضحته نتائج نماذج التقييم «الحيادي».
وبما أن مناط نجاح النظام وفشله مرتبط بصورة رئيسية بمدير المؤسسة وبقية القيادات؛ فإنّه من الضرورة أن يتم التركيز عليهم للتأكد من تسييرهم لتنفيذها بالطريقة السليمة دون مجاملات أو «طرزانيات» لا معنى لها، كما فعل المدير الذي دفع مائة دولار وطرد ذاك الموظف والذي لم يكن سوى عامل توصيل طلبيات البيتزا!
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة