إبراهيم نصرالله: أخشى المستقبل.. و"حرب الكلب الثانية" طاردتني
صاحب البوكر العربية 2018 يتحدث لـ"العين الإخبارية" عن أسباب كتابة روايته "حرب الكلب الثانية"وأسرار ترشحها وهواجسه تجاه المستقبل.
لا شيء سيبقى على حاله. لا شيء سينجو من كل هذا التوحش. لا الحجر ولا القيم ولا البشر ولا الحرب ولا الخوف ولا الأمل. مستقبل بارد، قاس، بوجوه مستنسخة الملامح، هو ما تأخذنا إليه رواية "حرب الكلب الثانية" للكاتب الفلسطيني إبراهيم نصرالله الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر العربية" في دورتها للعام 2018 والتي أعلنت من أبوظبي.
كيف سيكون شكل حيواتنا المستقبلية؟ ما الذي سيصمد من جوهر الإنسان في عالم جشع، ناقم على ماضيه وحاضره، كاره وغارق في الأنا؟ أسئلة يفجرها إبراهيم نصرالله في روايته من خلال الغوص في عالم المؤامرات المتوالية التي تطوع التكنولوجيا لخدمتها.
يخيفنا ذلك المستقبل الذي يرسمه صاحب "زمن الخيول البيضاء"، وقد يكون أكثر ما يخيف فيه هو قربه من الواقع أكثر منه إلى الخيال العلمي عن ذلك الخوف وعن "حرب الكلب الثانية" وأسباب كتابتها وأسرار ترشحها للبوكر، كان لنا هذا الحوار مع الروائي الفلسطيني إبراهيم نصرالله.
-يغريني البدء من سؤال أظنه متوقعا: "حرب الكلب الثانية".. فما هي حربه الأولى؟
هو اسم فعلا مثير للانتباه، لكن الاسم مهم بالنسبة للرواية، لأنه باعتقادي يمثل ما يدور في الرواية من حرب كلبية تجتاح الجميع. حرب الكلب الأولى موجودة في الرواية، لكن إذا تحدثت عنها بالتفاصيل سأفسد أحداث الرواية.
"حرب الكلب الثانية" واحدة من الروايات التي لم أستطع القفز عن فكرتها، بعض الأعمال تتلبسك وتصبح هاجساً وحتى لو حاولت الهرب منها، لأنني أعيش موضوعها كما يعيشه الآخرون، لأنه كما تعرفين أن بروز ظاهرة التطرف والقتل الشديد والمرعب في حياتنا العربية في سنواتنا الأخيرة ترك أثره على حياتنا اليومية كأشخاص وكأوطان وكمجتمعات وأيضا ترك أثره على صورتنا التي باتت شديدة القتامة في كل أنحاء العالم، وبتنا بالفعل إلى حد بعيد ضحايا لهذا العنف.
الرواية تتحدث عن التوحش الذي بدأ يجتاح الحياة وليست مصادفة إن لم ينجُ أحد، فحينما ينتشر العنف لا ينجو أحد. كل هذه الأجواء دفعتني إلى أن أسأل السؤال: إلى أين سنصل؟ برأيي سنصل إلى ما تحدثت عنه الرواية.
-هل كان موضوع الرواية سبباً رئيسيا في فوزها بالبوكر؟وهل تعمدت أن تواكب الحرب على الإرهاب لتنال الرواية انتشارا أوسع؟
كتبت هذه الرواية فقط لأنها رواية ملحة لا أستطيع الفرار منها، آخر ما فكرت فيه كيف سيتفاعل معها القارئ. الكتاب عمل فني، فما كتب عن داعش وعن التطرف قد يملأ مدناً بالأوراق، أنت بالنهاية تكتب عملاً فنياً له شروطه يجب أن تكون له مساهمته، ما الذي ستقوله، أنت عبر مشروعك في هذه الرواية عن أدب المستقبل، كيف ستختلف عن الآخرين؟ وبالمناسبة أقولها لأول مرة، هذه الرواية فرض الناشر علي فرضا ترشيحها وقد قدمت قبل 3 أيام فقط من إغلاق باب الترشيح. لم أفكر في إرسال الرواية للجائزة على الإطلاق لكن باعتبار كل من وصل للائحة القصيرة فيما سبق يحق له أن تكون روايته الجديدة ولا تحسب روايته على الناشر فقال لي الناشر لنشارك بها، لمَ التحفظ؟ وهكذا في اللحظة الأخيرة بضغط من الناشر ترشحت، وما كان بذهني المشاركة أبداً. كل جائزة هي جائزة جميلة ومهمة ولها الكثير من التقدير، جائزة البوكر واحدة من الجوائز التي شغلت العالم العربي كثيراً وأحدثت فرقاً كبيرا في تلقي الرواية، لكن في المقابل أعرف أيضاً أن الجائزة لا تحيي رواية ولا تقتلها، وذلك ينطبق على أي جائزة في العالم، فالكثير من الكتاب لم تنل كتبهم أي جوائز في العالم لكن نحن نقرأ كتبهم اليوم بطريقة متواصلة، وبالمقابل هناك كثير من الكتاب نالوا جوائز وقد نسيناهم بعد 6 أشهر.
-الرواية تتحدث عن داعش ولم تسمها، هل شعرت وأنت تكتبها بأنك تخففت من الثقل أو من العجز الذي ينتابنا أمام كل هذا الخراب؟
كل عنف يستند إلى نص ما، وكل شيء إيجابي وجميل يستند إلى نص ما. لدى داعش وكل التنظيمات المتطرفة نص ما انطلقت منه وأنا أكتب النص النقيض، نص بشر من الممكن أن ينطلقوا لتأسيس حياة أخرى غير تلك التي تؤسسها داعش وسواها عبر الدمار.
عندما أكتب مشروعاً مثل "الملهاة الفلسطينية" لا يعني أنني حررت فلسطين في هذا المشروع، ولكن جعلت فكرة فلسطين قابلة للتحرير.. أن أجعل فلسطين سبباً كافياً للعيش ولا أقول للموت، فنحن لا نريد أناسا يقاتلون فقط ويموتون وإنما يقاتلون ويعيشون ويرون تحريرها بأم أعينهم أيضاً. لو كنت أكتب لأصف ولأتخفف من المسألة كحمل ذاتي، لربما كنت تركت هذا العالم العربي وسافرت إلى مكان آخر وأتخفف من هذه المسألة، لكن المسألة حمل حضاري عليك ككاتب أن تواجهه وتحمله.
-ثلاثة من الكتاب الذين نافسوك على "البوكر" كانوا شبابا برواياتهم الأولى، هل أشعرك ذلك بأنك تأخرت في نيل هذا التقدير؟
أنا أشعر بسعادة فعلية لوجود أجيال جديدة صاعدة قادرة على أن تقدم نماذج إبداعية على هذا المستوى العالي منذ بداياتها الكتابية، نحن نكتب ليتحسن العالم لكي يكون أفضل ولكي يأتي أناس ويكتبون أفضل منا، كما سعينا نحن بالمقابل إلى أن نتمثل ببعض الكتاب الذين سبقونا أو حتى نكتب أفضل منهم. هذه حركة الحياة التي هي جزء من رسالة الكتابة.
أعتقد أننا نكتب لا لنترك العالم قاحلا من بعدنا، لكننا نكتب لكي نترك ما يليق بالأجيال القادمة التي ستكون أبناءنا وأحفادنا الذين سيقرؤون ومن حقهم أن يكون لديهم الكتب التي يجدون أنها تستطيع التعبير عنهم بصورة عميقة ومهمة.
لا أعتقد أن هناك عمرا للحصول على جائزة روائية، طبعاً بعيداً عن الموجز الروائي المتراكم لشخص ما، لأنني أعتقد أن المقياس هو "الكم النوعي" دائماً. أؤمن أن الذي يميز نجيب محفوظ عن كاتب ما من مجايليه، وما يميز محمود درويش عن شاعر آخر من الذين جايلوه هو الكم النوعي، لكن أنا أعتقد أن الأعمال الإبداعية نفسها هي كلها في عمر واحد يعني ليس للرواية عمر، فليس هناك رواية شابة لأن هناك شابا كتبها، ورواية غير شابة لأن شخصا آخر كتبها.
-"رواية المستقبل"، هل بدأت تترسخ في المشهد الروائي العربي أم مازال حضورها خجولا؟
أعتقد أن التجربة مازالت في بداياتها، حيث لم يترسخ حضور الرواية المستقبلية في المسار الثقافي العربي بعد، هنالك بالتأكيد مجموعة من المحاولات، لكن لم يفرد لهذا الفن ذلك الحضور في الثقافة العربية ولا يزال تياراً خجولاً.
-يستهلك العالم التكنولوجيا لتسهيل حياته، كما يسخرها لتحقيق أهداف خبيثة، ويمكن القول إنه في حالة نكران لوجوهها الخبيثة وتأثيرها على علاقاتنا ويومياتنا وأطفالنا.. أسألك:
كيف استطعت تحويل مخاوف الحاضر إلى واقع معلن يفرض نفسه في المستقبل في "حرب الكلب الثانية"؟
المستقبل والاختراعات كلها تأثيث للعالم الشخصي لأبطال هذه الرواية، وعملياً لا يمكن أن تكتب عن المستقبل من دون أن تخترع أو تقدم اختراعات غير موجودة الآن، وربما كان هذا الشيء هو الشيء الممتع الوحيد بالنسبة لي، ربما لأن هذه الرواية هي رواية قاسية وصعبة وتحذر من المستقبل بطريقة واضحة.
-شعرنا بأن الرواية تستشرف مستقبل العالم العربي وتضعه أمامنا لتصدمنا.
تحدثت الرواية كثيراً عن المسافة بين الطرفة والمأساة، نحن نتحدث عن هذه المسائل كأنها تراث يعني نتكلم عن جو عام عن عالم عربي خارج الحضارة غير مسهم فيها على الإطلاق غير الاستهلاك السريع جداً لها، لكن ليس لدينا اختراع واحد نستطيع القول بأنه لنا، فقط لدينا مجموعة، على المستوى الحضاري، بالتأكيد لدينا فقر حضاري مرعب في المساهمة اليوم في تاريخ البشرية، لكن ربما لدينا أفراد، كأن نجد عالما جيدا وأستاذ جامعة متميزا ومخرجا سينمائيا مبدعا، لكن خارج هذه المسائل نحن من المستهلكين فقط.
-تشاؤمك هذا ينفي احتمالية أن نستفيد من التكنولوجيا لصالح الخير
قد نستفيد من التكنولوجيا في حال امتلكناها، لكن ما دمنا غير قادرين على امتلاك هذا التكنولوجيا ومازالت تصلنا حبة الدواء من نفس الشخص الذي يلقي القنبلة، أعتقد أنه لا يوجد أمل.
أعتقد أن المشكلة الكبيرة قائمة في الإنسان، فمنذ أن كان يمتلك رمحاً وسيفاً كان يقتل بهذه الوحشية، وحين امتلك القنبلة النووية لم ولن يختلف الأمر. المشكلة في توحش الإنسان وفي بحثه غير المتناهي لاكتشاف وسائل استغلال أكثر وعلى اكتشاف أسلحة أكثر فتكاً.
هل لديك هاجس الخوف من المستقبل؟
أنا دائماً أخشى المستقبل، لأن هناك توحشا يسخر العلم لصالحه، عندما أراد الغرب الذهاب لأمريكا، سخر العلم لإبادة الهنود الحمر، وكذلك سخر العلم لإبادة الكثير من المناطق في أفريقيا وليس بعيداً مستقبلاً أن يتخفف الكثير من المليارات الموجودة على هذا الأرض، فقط لأنه يملك علما أكثر مما نملك نحن علاجاً للأمراض التي يمكن أن تنتشر، فأنا لا أثق حقيقة بالقوى المتوحشة القوية التي تتعامل مع البشر باعتبارهم عبئاً على الكرة الأرضية وعبئاً على الحياة.
مستقبلنا مخيف، والمسألة ليست بحاجة لنبوءة، نحن نقرأ الواقع ونقرأ التدهور المخيف الذي يحدث على مستوى الكرة الأرضية على مستوى البيئة، نقرأ التدهور الكبير على مستوى القيم والجشع والسيطرة والانفلات، والسلطة المطلقة الطليقة كل هذه المسائل إذا ما تواصلت بهذه الطريقة، ويبدو أنها ستتواصل، فهذا ما يخبرنا به التاريخ البشري، من هنا يأتي الخوف من المستقبل، من هنا تأتي ضرورة الرواية بالنسبة لي.
aXA6IDE4LjExOC4xOTMuMjgg
جزيرة ام اند امز