أحمد سعداوي لـ"العين الإخبارية": بلوغي "البوكر العالمية" مليء بالرموز
الروائي العراقي أحمد سعداوي في حوار خاص لـ"العين الإخبارية" بعد وصول روايته "فرانكشتاين في بغداد" للقائمة القصيرة لـ"البوكر" العالمية.
في عام 2014 أعلنت لجنة تحكيم البوكر العربية حسم الروائي العراقي أحمد سعداوي لسباقها المحتدم، عبر روايته "فرانكشتاين في بغداد"، معلنة أنها إضافة للمنجز الروائي العربي المعاصر، وعددت آنذاك في حيثياتها أسباب اختيارها لرواية سعداوي، كمستوى الابتكار في البناء السردي في شخصية روايته "الشسمه"، تلك الشخصية التي تختزل مستوى ونوع العنف الذي يعاني منه العراق وبعض أقطار الوطن العربي والعالم.
في عام 2018 أدرجت لجنة تحكيم جائزة "مان بوكر" البريطانية العالمية النسخة الإنجليزية لرواية "فرانكشتاين في بغداد" ضمن قائمتها الطويلة، ثم ما لبثت أن ضاعفت من ثقل الحدث بإدراجها ضمن قائمتها القصيرة، ليصبح أحمد سعداوي الروائي العربي المرشح لنيل الجائزة البريطانية العريقة عن روايته التي تتصدر المنافسة النهائية ضمن أفضل روايات العالم، في حدث أدبي نادر ودامغ الأثر.
تتسع دائرة التأمل بين المشهدين، البوكر العالمية ونسختها العربية، ما دفع"العين الإخبارية" لتأمل مشروع العراقي أحمد سعداوي الذي تستمع الآن لدويّ صيته عاليا في المنابر الأدبية العالمية.
تحدثنا إلى صاحب "فرانكشتاين في بغداد" في حوار شائق حول مشروعه الأدبي، ومُتأمل لـ"عالمية" بطله "هادي العتاك" الذي عبر حدود بغداد لينافس بتقنياته وتاريخه وفانتازيته مئات الأبطال في فضاءات الرواية العالمية.
فإلى نص الحوار مع الروائي العراقي أحمد سعداوي.
وصول "فرانكشتاين في بغداد" لقائمة "مان بوكر" القصيرة تلقاه العرب بكثير من الزهو.. كيف تلقيته؟
ـ الموضوع كله لم يكن في الحسبان. أنا قرأت تغريدة على تويتر لصحفي ألماني كان قرأ الطبعة الإنجليزية من الرواية وأعجب بها، وغرّد قائلاً؛ بأنه سيكون مستغرباً إن لم تدخل الرواية في المان بوكر.
في وقتها تفاجأت، وراسلت ناشرتي البريطانية فأكدت لي إدخال الرواية بالمسابقة، ومن لحظتها بدأ التوتر والإثارة، أولاً مع ظهور الرواية في القائمة الطويلة من بين 108 روايات مرشّحة، وثانياً، وهو الأكثر إثارة، بعد ظهورها في القائمة القصيرة.
كان يوماً مليئاً بالتوتر، ولم أستطع فعل شيء سوى انتظار البث المباشر لحفل القائمة القصيرة، فهذه خطوة كبيرة لصالح الرواية ولمشروعي الشخصي فضلاً عن كونها خطوة مليئة بالمعاني والرموز ضمن الإطار الثقافي العام.
ماذا ألهم جائزة بريطانية مثل "مان بوكر" لاختيار "فرانكشتاين في بغداد" ضمن قائمتها القصيرة؟
ـ أعتقد أن حضور الرواية هو ما جذب الانتباه لها، فقد كانت تحظى بتعليقات ممتازة منذ فوزها بالبوكر العربية في 2014، وأجريت معي العديد من المقابلات في الصحف الأمريكية والبريطانية، وهناك مقالات كتبت عنها، وكان تأخر ظهورها بالإنجليزية حافزاً للسؤال عنها وانتظارها.
وبعد نشرها بالإنجليزية في يناير كانون الثاني الماضي، بطبعة مشتركة بريطانية وأميركية، ومن قبل داري نشر مرموقتين؛ "بنجوين راندوم هاوس" في أمريكا، وهي من أكبر الناشرين بالإنجليزية، ودار "ون وورد" في بريطانيا المعروفة بنجاحها، فقد حصلت بعض مؤلفاتها على البوكر مرتين فيما سبق.
كل هذا خدم الرواية، بالإضافة إلى أن ترجمتها كانت على يد واحد من أبرع المستعربين البريطانيين، ألا وهو جوناثان رايت، الذي أشاد الجميع بجودة عمله مع الرواية.
بعيداً عن هذا، فالرواية بذاتها تحقق حضوراً جيداً في مختلف اللغات التي ترجمت إليها، وقد نالت في 2017 جائزة الخيال الإبداعي الكبرى في فرنسا، وتتوالى طبعاتها، وأغلب المراجعات الصحفية والمقالات أشارت إلى فرادة الرواية وتميزها، وتقرير هيئة تحكيم المان بوكر ذكر شيئاً من هذا أيضاً.
ما مواطن الخصوصية والصعوبة برأيك في نسج رواية مسرحها العراق؟
ـ الخصوصية تأتي من طبيعة البيئة الاجتماعية والتاريخية، وإلا فإن التحديات التي تواجه كتابة الرواية في العراق مثلها في مصر والهند وأميركا وكل مكان في العالم.
التحدي الأبرز هو القدرة على إزاحة "تشتيت" الذهن القادم من العالم الخارجي من أجل الإنصات إلى شروط الفن الروائي، بغض النظر عن الموضوعة وعن هوية وجنسية الكتابة وكاتبها.
أما الصعوبة، فهي تتعلق بالتعامل مع أحداث على "الهيد لاين" للأخبار العالمية، وإعادة تطويعها كي تكون "مجرد" مادة أدبية.
الخطر الأكبر هو في الاستجابة لنداء نمط معين من القراءة تأتي من الخارج، تطالبك، بالإيحاء، بتحويل العمل الأدبي إلى منشور سياسي، أو عمل مسطّح يتابع الإطار العام للتغطية الصحفية لموضوعاتك المحلية.
والخطر الثاني يأتي من "انفعال" الكاتب مع الأحداث بما لا يتيح له الفصل الموضوعي مع مادة الكتابة.
على الكاتب، في مثل هذه الحالات، أن يكون بارد الأعصاب مثل الجليد كي يستطيع استعمال هذه المواد المتفجرة التي تأتيه من العالم الخارجي وتكون على طاولة الكتابة.
انحزت في سردك للخيار الفانتازي، ألم تخشَ ذلك التناول الغرائبي؟
ـ في كل رواياتي وأعمالي أنا أستثمر الخيال بشكل واسع، في رواياتي الأولى والثانية، ما قبل "فرانكشتاين في بغداد"، كانت هناك استعمالات خيالية لوقائع حلمية أو افتراضية، وكذلك استثماراً لتلك المنطقة التي يختلط فيها الواقعي بالغرائبي. كذلك الأمر مع روايتي اللاحقة "باب الطباشير" فهناك استثمار لإمكانات الخيال إلى حدود بعيدة.
أعتقد أن الخيال المفرط، إن كان غرائبياً أو فنتازياً، يعطيني مساحة من الحرية في صنع مسافة بيني والواقع الذي أتحدث عنه، ويوفر لي "فضاءً اختبارياً" لمناقشة القضايا التي أريد مناقشتها. كما أنه مجال يمنح المتلقي القدرة على مسك إمكانات الكاتب وبراعته وموهبته.
ما الجديد بشأن مشروع تحويل "فرانكشتاين في بغداد" إلى فيلم؟
ـ العمل جار حالياً على كتابة اسيكربت للفيلم، وربما ستقوم الشركة المنتجة بزيارة بغداد لاختيار مواقع التصوير في الفترة القادمة.
إلى أي مدى ساهمت جائزة البوكر في المشهد الثقافي العربي؟
ـ جائزة البوكر العربية مثلها مثل أي جائزة في العالم، تثير الجدل في كل موسم، حول أهميتها ومصداقيتها ودورها وما الى ذلك، ولا يوجد اليوم اتفاق شامل حول هذه المسائل المتعلقة بالجائزة، ولا حتى بجائزة نوبل.
ولكنها برأيي تحقق ثلاثة عناصر إيجابية: الأول هو تكريم المشاريع الإبداعية العربية الكبيرة. وثانياً فتح الطريق وتسريع الخطوات أمام المشاريع الجديدة والمختلفة بسبب الضوء الإعلامي الذي يصاحب الجائزة. وثالثاً تحريك سوق القراءة وجذب الاهتمام أكثر من قبل قطاع القراء للرواية، بكل ما تحمله الرواية اليوم من جماليات ومناقشات لقضايا حيوية، وهذا دور "تنموي" مهم جداً، يساعد على تحسين الاستثمار الثقافي في الأجيال الجديدة.
• هل ستغادر إلى بريطانيا لحضور فعاليات اليوبيل الذهبي لـ"المان بوكر"؟
ـ أتمنى هذا. أنا بانتظار موافقة السلطات البريطانية على منحي فيزا قبل السفر، وهذا موضوع مرهق في الحقيقة.
من المهم أن أكون في حفل الجائزة، ولكن إن حصل عائق، سأنتظر مع أصدقائي وعائلتي هذا الحفل وأتابعه من بغداد.