سياسة
من طالب بأوكرانيا لحافة مقصلة الإعدام.. كيف انقلبت حياة إبراهيم سعدون؟
من طالب في أوكرانيا لأسير يواجه حكما بالإعدام، مسار يلخص قصة قصيرة وحزينة في آن، تنتظر سطر النهاية بمعرفة مصير "مظلم" يواجه الشاب المغربي إبراهيم سعدون.
فالطالب المغربي الذي كان يدرس في كلية الأيروديناميكية وتقنيات الفضاء في معهد كييف للعلوم التطبيقية، عندما اندلعت أزمة أوكرانيا، وجد نفسه أسير حرب، بلا اتفاقية تحميه.
فكيف تغيرت أوضاع الشاب المغربي؟
بوجه شاحب وبعيون تائهة تبحث عمن ينقذها من عثرتها، ظهر الشاب إبراهيم سعدون والمواطنان البريطانيان شون بينر وأندرو هيل، في محكمة بجمهورية دونيتسك الشعبية بأوكرانيا والتي تدعمها روسيا، في اتهامهم بارتكاب جرائم حرب وإرهاب.
المحكمة وجدت أن الثلاثة الأسرى مذنبون، مشيرة إلى أنهم عملوا للإطاحة "العنيفة" بالسلطة، وهي جريمة يعاقب عليها بالإعدام في الجمهورية الشرقية غير المعترف بها، كما أدانتهم بارتكاب أنشطة المرتزقة والإرهاب.
وبينما حاكمت المحكمة الشبان الثلاثة على أساس كونهم مرتزقة أجانب، أكد المتهمون وعائلاتهم أنهم كانوا يعيشون في أوكرانيا بشكل قانوني وقاتلوا رسميًا مع أوكرانيا، مما يمنحهم الحماية لكونهم أسرى حرب شرعيين، مشمولين باتفاقية جنيف.
وحددت إحدى فقرات المادة الرابعة من اتفاقية جنيف طبيعة أسرى الحرب، والذين يقعون في قبضة "العدو"، بينهم: أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، والمليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءا من هذه القوات المسلحة، وأفراد المليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى"، فيما أكدت المادة الخامسة من الاتفاقية اعتبار تلك الفئات أسرى ابتداء من وقوعهم في يد "العدو" إلى أن يتم الإفراج عنهم وإعادتهم إلي الوطن بصورة نهائية، وهو ما ينطبق على سعدون.
إلا أن وكالة الأنباء الروسية التي تديرها الدولة، "ريا نوفوستي"، قالت إن الشباب الثلاثة أقروا بالذنب، فيما زعم مسؤولون موالون لموسكو أن أفعالهم "أدت إلى مقتل وإصابة مدنيين"، فضلاً عن "تدمير البنية التحتية".
وفيما سيكون لدى سعدون والشابان الآخران شهر لاستئناف الحكم، قالت وكالة الأنباء الروسية إن الحكم قد يخفض إلى 25 عاما أو السجن مدى الحياة إذا قبل الطعن، أما حال رفضه فسيواجهون حكم الإعدام رميًا بالرصاص.
والد سعدون يتحدث
وفيما قال والد سعدون، طاهر سعدون، لصحيفة "Madar 21" المغربية على الإنترنت، إن ابنه ليس مرتزقا وإنه يحمل الجنسية الأوكرانية، أكدت عائلات أسلين وبينير أن ابنيهما كانا عضوين في الخدمة لفترة طويلة في الجيش الأوكراني.
وقال طاهر سعدون والد الطالب المعتقل، إن نجله يدرس في السنة الثالثة بكلية الديناميات وتكنولوجيا علوم الفضاء، مضيفًا: "ابني طالب متميز ورائع يجب أن يفخر به المغرب".
ورفض طاهر تسمية نجله بـ"المرتزق" ذلك الوصف الذي تنسبه إليه بعض وسائل الإعلام الروسية، مشيرًا إلى أن ابنه "أسير حرب مدني ولم يشارك في الحرب، بل عمل مترجمًا عندما أُجبر على البقاء في دونباس عقب اندلاع الحرب".
الأب المكلوم يقول: "كان ابني قائد المجموعة لأنه يتحدث الروسية بكل لهجاتها، وحاول الاتصال بالموالين للروس، وقدم نفسه بملابس مدنية ولم يكن يرتدي ملابس عسكرية".
وأكد طاهر في بيانه أنه في القانون الدولي الإنساني، "يجب معاملة الأفراد الذين يقدمون أنفسهم على أنهم مدنيون كأسرى حرب وليس مرتزقة"، مشيرًا إلى أن الشاب "تمكن من الفرار وسلم نفسه للروس".
وإبراهيم سعدون يحمل الجنسية الأوكرانية، بحسب والده، الذي أوضح أن نجله حصل عليها، كونه طالب منحة في المعهد الوطني لعلوم الفضاء.
وقاتل الشباب الثلاثة إلى جانب القوات الأوكرانية، إلا أن سعدون استسلم في منتصف مارس/آذار الماضي في مدينة فولنوفاكا الشرقية، بينما استسلم بينر وأسلين للقوات الموالية لروسيا في ميناء ماريوبول الجنوبي في منتصف أبريل/نيسان الماضي.
دحض المزاعم
ورغم ذلك، إلا أن القوات الموالية لروسيا ألقت القبض على سعدون مرة أخرى في أبريل/نيسان الماضي، وبثت عدة وسائل إعلام روسية مقطع فيديو لاستجواب مزعوم، بدا فيه الشاب المغربي "خائفا للغاية" لحظة القبض عليه.
من جانبه، قال صديق سعدون المقرب معز أفغونزودا في تصريحات صحفية، إن المواطن المغربي ليس مرتزقًا، مشيرًا إلى أنه كان يقاتل في الحرب كجندي مجند في ذلك البلد.
وأوضح أفغونزودا، أنه لديه "كل نسخ وثائقه، كل تلك العقود الموقعة مع القوات المسلحة لأوكرانيا، والتي وقعها في نوفمبر/تشرين الثاني 2021".
آخر مرة تحدثنا فيها سويًا، كانت في 27 مارس/آذار الماضي، إلا أنه منذ ذلك الحين، لم أسمع شيئًا عنه، يقول صديق سعدون، مشيرًا إلى أنه علم بالقبض عليه في 17 أبريل/نيسان الماضي، من خلال مشاهدة شريط فيديو له وهو يستسلم.
سعدون ضحية
وقال أفغونزودا إن صديقه سعى للانضمام إلى الجيش في أوكرانيا، بعد فشله في العثور على وظيفة، مضيفًا: "كان في الجامعة، لكنه لا يزال يشعر بأنه عديم الفائدة. لذلك أراد أن يفعل شيئًا مفيدًا، واكتساب بعض الخبرة العسكرية".
وفيما أعلن أفغونزودا أنه بدأ حملة للدفاع عن حرية سعدون الذي وصفه بـ"ضحية" لروسيا من خلال مناشدة المجتمع الدولي، أعرب مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن قلقه إزاء أحكام الإعدام الصادرة بحق الشباب الثلاثة، مضيفًا أن المحاكمات الجائرة لأسرى الحرب ترقى إلى مستوى جرائم الحرب.
وقالت المتحدثة رافينا شامداساني باسم مكتب حقوق الإنسان للصحفيين في جنيف إن "مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يشعر بالقلق إزاء ما يسمى بالمحكمة العليا لجمهورية دونيتسك الشعبية التي أعلنت نفسها حكم الإعدام على ثلاثة جنود".
إدانات دولية
وأضافت: "هؤلاء كانوا مواطنين من دول أجنبية تم أسرهم في ماريوبول لكونهم مرتزقة. ووفقًا للقيادة الرئيسية لأوكرانيا، كان جميع الرجال جزءًا من القوات المسلحة الأوكرانية. إذا كان الأمر كذلك، فلا ينبغي اعتبارهم مرتزقة".
وأدانت وزارة الخارجية البريطانية الحكم ووصفته بأنه "حكم زائف بلا شرعية على الإطلاق"، فيما قال المتحدث باسم رئيس الوزراء بوريس جونسون جيمي ديفيز إنه بموجب اتفاقيات جنيف، يحق لأسرى الحرب التمتع بالحصانة كمقاتلين.
وعبرت ألمانيا عن "صدمتها" بشأن أحكام الإعدام، قائلة: "بصفتهم مقاتلين هم أسرى حرب ويحق لهم التمتع بحماية خاصة بموجب اتفاقية جنيف. يظهر مرة أخرى تجاهل روسيا الكامل للقانون الإنساني الدولي".
وطلبت جمعية الصداقة المغربية الروسية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التدخل لدى المحكمة لأسباب إنسانية، لعدم متابعة الحكم على سعدون.
وقال مراقبون إن المحاكمة "صورية"، مشيرين إلى أن التهم الموجهة إلى الشباب الثلاثة "ملفقة" وضعت على "محاكاة محاكمة الجنود الروس في أوكرانيا".
حملات تضامن
وما إن صدر حكم الإعدام على إبراهيم سعدون، حتى سارع العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، إلى الإعراب عن تضامنهم مع الشاب، مطالبين السلطات المغربية بالتدخل العاجل لإنقاذه.
وتحت وسم #seveIbrahim، شارك رواد مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، صورًا ومقاطع فيديو للشاب المغربي، لحظة النطق بالحكم بالإعدام، معربين عن آمالهم في أن ينجو من مقصلة الحكم الذي وصفوه بـ"الجائر".