عضو الناتو بلا جيش.. آيسلندا في مواجهة تحولات القطب الشمالي

تُمثّل آيسلندا، العضو المؤسس في حلف الناتو والتي تفتقر إلى جيش دائم، حالة فريدة في المنظومة الأمنية الدولية.
فعلى الرغم من كونها عضوا مؤسسا في حلف الناتو منذ عام 1949، فإنها تفتقر إلى جيش دائم.
ورغم جذورها الأوروبية، فإنها ترفض الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، محافظةً على هوية فريدة تجمع بين تاريخها كأمة صيد تقليدية وواقعها كمركز تكنولوجي يعتمد على الطاقة الحرارية الأرضية والكهرومائية الرخيصة، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.
ولعقود عاش الآيسلنديون في عزلة سلمية نسبية مستفيدين من موقعهم الاستراتيجي في شمال المحيط الأطلسي، الذي جعلهم حلفاء أساسيين للناتو.
واليوم تجد هذه الجزيرة نفسها في قلب تحولات جيوسياسية وعسكرية متسارعة، خاصة مع ذوبان الجليد في القطب الشمالي وفتح ممرات ملاحية كانت مغلقة لقرون، حيث تستضيف قاعدة كيفلافيك، الواقعة خارج العاصمة ريكيافيك، طائرات أمريكية متخصصة في كشف الغواصات، ومقاتلات الناتو التي تحرس المجال الجوي، بينما تُشكل زيادات السفن الحربية للحلفاء في موانئها جزءًا من استراتيجية دفاعية هجينة.
القطب الشمالي: ساحة جديدة للمواجهات
تحولت المنطقة القطبية، التي تقع آيسلندا على مشارفها الجنوبية، إلى ساحة تنافس بين القوى الكبرى بسبب ثرواتها المعدنية وطرقها الملاحية الجديدة التي نتجت عن ذوبان الجليد.
ويشكل "ممر جي يو كيه" الواقع بين غرينلاند وآيسلندا وبريطانيا نقطة مراقبة حيوية للغواصات الروسية التي قد تهدد الأمن الأطلسي، ما يزيد الضغوط على ريكيافيك لتعزيز تعاونها مع الناتو.
في المقابل، تتابع آيسلندا بقلق التحركات الأمريكية نحو غرينلاند المجاورة، خاصة بعد تصريحات الرئيس ترامب عن رغبته في شرائها، ما يهدد بتعطيل التوازنات الإقليمية.
تعتبر الولايات المتحدة كلاً من أيسلندا وغرينلاند بالغتي الأهمية لأمنها الداخلي، إذ تقع غرينلاند على طول مسار يمكن أن تسلكه الرؤوس النووية الروسية التي تستهدف أمريكا عبر السماء، مما يجعلها حيوية لكشف الصواريخ والدفاعات.
فيما يتعين على الغواصات الروسية أن تجتاز حاجزًا ضيقًا بالقرب من أيسلندا، يجبر الغواصات الروسية، التي اقتربت مؤخرًا من أمريكا، على الصعود أقرب إلى السطح أثناء عبورها الحاجز، مما يُسهّل الكشف عنها.
نقاش محلي حول الهوية والأمن
تتصاعد داخل آيسلندا نقاشات حول ضرورة مراجعة استراتيجيتها الدفاعية، التي تعتمد على "خفر السواحل" ذي المهام المزدوجة بين حراسة المصايد وإدارة البنى التحتية العسكرية.
وتواجه رئيسة الوزراء كاترين ياكوبسدوتير تحديات في التوفيق بين تيارين: الأول يدفع نحو مزيد من الاندماج مع الاتحاد الأوروبي (بعد تجميد محادثات الانضمام عام 2013)، والثاني يحذر من الانزلاق إلى صراعات بعيدة عن سياسة الحياد التقليدية.
وتقول ياكوبسدوتير، البالغة 36 عامًا، في تصريحات صحفية: "النقاش العام حول الدفاع ضروري، فأنشطة عسكرية جرت تاريخيًا دون إشراف شعبي كافٍ".
اقتصاد أخضر وتأثيرات جيوسياسية
تدعم الطاقة الحرارية الأرضية الرخيصة قطاعات السياحة والتعدين والصناعات الرقمية في آيسلندا، ما يجعلها نموذجًا للاقتصاد المستدام. لكن هذه الوفرة لم تحمِها من تبعات السياسات الأمريكية تحت إدارة ترامب، التي هددت بفرض رسوم جمركية وأثارت مخاوف من انعكاسات العداء مع أوروبا على موقعها الجيواستراتيجي.
ويرى مراقبون أن التوجه الأوروبي قد يكتسب زخمًا شعبيًا كرد فعل على هذه التحديات، رغم محاولات الحكومة فصل مسألة الأمن عن النقاش حول الاتحاد الأوروبي.
aXA6IDE4LjIyMS4xNjEuMTg5IA==
جزيرة ام اند امز