لقد وصلت الأحداث العالمية إلى المواجهة وانقلبت إلى الماضي ومخلفاته المتناثرة في ميدان الحرب بين المعسكرين الشرقي والغربي فكرياً وآيديولوجياً وثقافياً.
وبنسخة العصر الجديد، وبوسائل انطوت من حين إلى آخر على حلبة المنافسة التي تغيرت في الشرق بقيادة الصين وفي الغرب بقيادة أمريكا، التي تسعى إلى الحفاظ على موقعها المتميز في النظام العالمي، من أجل بسط هيمنتها، والأمر نفسه ينطبق على الصين التي تحول فائض قوتها الاقتصادية إلى نفوذ سياسي واستراتيجي على المستويين الإقليمي والدولي، وتفكر جيداً في الخيارات والاتجاهات المحتملة.
مشاهد وحقائق تسير وفق سياسة ملغومة بالتوترات تحت حماية عظمى، في مرحلة التنافس الاقتصادي الغربي بقيادة أمريكا مع الصين تدخل منعطفاً مصيرياً، وقد تصل إلى مرحلة المواجهات العسكرية، فواشنطن تعيش مرحلة ترى فيها خطراً حقيقياً يتهدد مكانتها الدولية، لكنها في المقابل خسرت شيئاً من الثقة التي كانت تمتلكها مع حلفائها، بينما يزداد نفوذ الصين بالتجارة الدولية وتكتسب علاقات جديدة، ما يعني أن المرحلة المقبلة ستكون التنافسية صعبة، وقد تصل إلى مرحلة مواجهات عسكرية مباشرة أو بالوكالة بينهما، وذلك بحسب العديد من المحللين الغربيين المختصين في الشأن الصيني.
هذه التحركات والتجارب كانت وما زالت قابلة للاستنساخ بعدما دقت طبول الحرب بين روسيا وأوكرانيا وحلف الناتو، وحشد الجيوش والأساطيل، وهو أمر لا يراد منه سوى التلويح بالحرب ودفع روسيا لهذه الحرب.
فهناك من يتطلع بفارغ الصبر للشروع في هذه الأزمة، حتى أمست واقعاً متحققاً، فالخصم المستهدف معروف وصار شأنه في ذلك شأن أمثاله الآخرين الذين سيتعين التعرف عليهم والكشف عن هوياتهم لاحقاً.
من هنا، اعتاد المؤرخون أن يصفوا التحولات الراهنة في كل حقبة ومراحلها الأممية في السياسة الخارجية التي قامت في واقع الأمر على المصالح السياسية والاقتصادية الاستراتيجية، أضف إليها أسرار العداء بين الغرب والشرق والصراع المزمن بينهما ضمن إطار المصالح، والتي لا تخلو أي حقبة من حقب التاريخ منها، ففي الواقع هناك أمل غامض يعيشه البشر من أجل حياة آمنة مستقرة، ومن اليسير علينا كتابة التناقض الجوهري الذي ينطوي عليه هذا التكوين السياسي والاقتصادي.
ولكن غطرسة الغرب تتجاهل، أو بالأصح تقلل من، شأن القوى العظمى في العالم ومكانتها كقوة، وأن مصالحها قد تتداعى مع الزمن، ومن ثم لن تترجم هذا التهديد إلى واقع عملي، فالنية السلطوية الغربية كشفت عن حقيقة سياستها بعد اندلاع مثل هذه الأزمات، فالحرب وشيكة الاندلاع بين حلف الناتو وروسيا، وواشنطن والناتو يضعان خطط طوارئ في حال اختارت روسيا استهدافهما، وفي هذا السياق تقول وزارة الدفاع الروسية "إن تزويد الغرب لأوكرانيا بالأسلحة سيطيل أمد النزاع، والغرب يقترف خطأً فادحاً بتزويد أوكرانيا بالأسلحة والمعدات العسكرية".
وما إن بدت الحياة تتسم بشيء من الحرية والديمقراطية في العالم، حتى تسارعت الأحداث نحو صناعة الإرهاب في الشرق الأوسط والحرب، وانضم العديد من الدول الغربية إلى هذا المعسكر، وهكذا لم يعد هناك من يستنكر ويلات الماضي باعتبارها تحدياً مستديماً وستظل جزءاً من التاريخ، تستخدمه الدول الغربية بالضغط على الصين، إضافة إلى تلويحها بعقوبات صارمة عليها، محذرة إياها من عدم إجهاض العقوبات الغربية على روسيا.
ولكن يمكن على ما يبدو أن يتكرر ذلك المشهد المأساوي إذا استخدمت الدول العظمى الأسلحة النووية للإبادة البشرية وامتلأت الأرض والبحار شروراً عن قصد وسبق إصرار بلا اكتراث للنتائج، لا سيما أن هذا الأسلوب يدفع للحرب عوضاً عن الحلول الدبلوماسية، فالتوترات في الشرق متعددة ومصدرها استفزاز من قبل بعض الدول الغربية.
لهذا لم تهدأ كوريا الشمالية ولم تتوقف، منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى "البيت الأبيض"، عن إجراء التجارب الصاروخية النووية وفوق الصوتية، وتحديث الثالوث النووي الذي تمتلكه عبر تطوير أدواتها الناقلة والحاملة لأسلحتها النووية من صواريخ برؤوس نووية وغواصات وقنابل نووية تطلق من الطائرات.
إذًا، لن يكون المستقبل السياسي آمناً، بل يمكن القول إنه سيكون فيه مزيد من الاضطرابات إذا كانت الغاية الذهاب في هذا الاتجاه، وعندها تكثر أحاديث قادة الحرب في وسائل الإعلام، وتنطق خطاباتهم بالمواثيق والاحتجاجات لإعادة الصراع الدولي إلى حسابات خاطئة في تقييمهم للمصالح الاستراتيجية، فكلٌ يسعى إلى السيطرة على الساحة الدولية وفق النظام العالمي الحالي ليكون نظاماً أحادياً بعيداً عن شراكة حقيقية ضمن عالم متعدد الأقطاب، والجميع يتحمل التوتر الذي يُراد به تغيّر العالم.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة