تمتلك روسيا قدرات صاروخية هائلة. أكثر بمئة مرة على الأقل مما تمتلك إيران. ولكن الرهان على الصواريخ لم يثبت نصرا حتى الآن.
لقد صنعت الحرب العراقية الإيرانية بين عامي 1980 و1988 وهماً لدى إيران، بأن الصواريخ هي القوة التي يمكنها أن ترهب أو تحقق "التوازن الاستراتيجي" مع الآخرين.
سبب هذا الوهم هو أن قواتها تعرضت للهزيمة بسبب زخم الصواريخ العراقية، التي كان الكثير منها صناعة محلية، وأحيانا بدائية، ولكنها كانت فاعلة إلى حد كبير في تشتيت وإضعاف القوات الإيرانية.
معركة تحرير "الفاو" في العام الأخير من تلك الحرب، قدمت مثالا ساطعا على أهمية الصواريخ. ولكن أين؟: في ميدان المعركة. هذا هو الشيء الذي لم يُلاحظ، فانتهت إيران إلى أن وضعت رهانها، بعد هذه الحرب، على رقم خاسر.
ميدان المعركة حيث تقف الجيوش قبالة بعضها، شيء، وتحقيق النصر في معركة متعددة الأبعاد، شيء آخر. في الحالتين فإن الصواريخ ليست هي السبب.
ولولا الفوضى والنظم البدائية، التي استعانت بها طهران في تحريك قواتها على جبهات القتال مع العراق، فإن الصواريخ العراقية ما كانت لتبلغ الأثر الذي حققته.
ويستطيع المرء أن يزعم، أن الفشل التكتيكي الإيراني هو سبب الهزيمة وليس الصواريخ.
وهو سبب لم تفهمه إيران إلى اليوم. وهي مُنذ ذلك الوقت، إلى اليوم أيضا، تسعى إلى امتلاك قوة صاروخية، وتعتقد أنها كافية لكي تشكل قوة تهديد أو ردع.
وهذا مجرد وهم، لسببين اثنين على الأقل. الأول، هو أن الدمار الذي يمكن للصواريخ أن تحققه، ليس مما يصعب التغلب عليه وإعادة بنائه. والثاني، هو أنها تدفع إلى بناء قوة صاروخية مضادة. فيتعادل الضرر على الأقل. ولتبقى شؤون المعركة تتقرر في جوانب أخرى من القدرات العسكرية، من قبيل ما إذا كنتَ تملك أو لا تملك غطاء جويا كافيا. أو ما إذا كنت تملك القدرات المادية على إعادة البناء. أو ما إذا كنت، بعد عمل "عدواني"، قادرا على أن تدفع التكاليف.
حتى فكرة "التوازن الاستراتيجي" بالصواريخ نفسها سطحية تماما. لأن التوزان لا يكون توازنا استراتيجيا حقيقيا، دون معادلات عسكرية واقتصادية وسياسية أخرى.
النزاع الجاري بين روسيا وأوكرانيا تحول إلى معركة دبابات وصواريخ. ولكن لا الدبابات صنعت نصرا ولا الصواريخ. لقد حققت دمارا كبيرا. هذا صحيح. إلا أنها لم تحقق نصرا.
الصواريخ الروسية بوسعها أن تطال أي موقع في أوكرانيا. إلا أن القوات الروسية لم تتمكن، حتى بعد مرور شهر كامل من العمليات العسكرية، من إسقاط أي مدينة كبيرة. أما الدبابات فقد سقطت في مصيدة الصواريخ المضادة لها.
الصواريخ العابرة للقارات لا يمكنها أن تغير شيئا في ميزان القوة الاقتصادية، ولا في الموازين الاستراتيجية الأخرى. وذلك مثلما أنها لا تغير شيئا في موازين المعركة نفسها، عندما يبدأ القتال المباشر بين المهاجمين والمدافعين.
انظر إلى الأمر على نحو مجرد. أي دون انحياز سياسي لطرف دون آخر. ودون أن تأخذ بعين الاعتبار مَن هو الذي على حق ومَن هو الذي على باطل. ولسوف ترى أن التفوق الصاروخي الروسي لم يقدم أي خدمات فعلية لمجريات الوقائع على الأرض. لا بين المواطنين، ولا في المفاوضات، ولا في الخصومة السياسية، ولا حتى في الحلول.
الصواريخ الروسية، سواء انتصرت موسكو أم لم تنتصر، وسواء توقف النزاع بالمصافحات والقُبل والأحضان، فإنها ليست سوى عبء، بما راكمته من دمار، وبما تركت في النفوس، وبما أصبح مبررا لمطالب التعويض.
ضحّت إيران بالكثير من أجل أن تبني قوة صاروخية كبيرة، بينما كل شيء آخر فيها ينهار. وهي ربما تملك آلاف عدة منها يمكنها التحليق بمديات مختلفة.
ومن ثم بوسع المرء أن يسأل: وماذا بعد؟
السؤال الحقيقي إنما يكمن في ما يأتي بعد الصواريخ!
فإذا أردت أن تجعل الدنيا تضحك، فقل لها إنك سوف تحقق نصرا بالصواريخ. لأن شيئا كهذا لم يحصل من قبل. لا عندما كان المنجنيق هو الصواريخ، ولا عندما أصبحت تعبر القارات.
ولقد شجعت طهران تاجر المخدرات المعروف حسن نصر الله لكي يتباهى بما لديه من صواريخ، يستطيع أن يصل بها إلى "ما بعد، بعد، حيفا".
قل له: خلينا نشوف، "ما بعد، بعد" تلك الصواريخ.
غرام إيران بالصواريخ، قد يكون تعبيرا عن سوء فهم عميق، إلا أنه نكتة يضحك عليها الروس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة