مَن يشعل الفتنة الطائفية في شمال إثيوبيا وإلى أين تتجه الأوضاع؟
شهدت مدينة غوندر التاريخية بشمال إثيوبيا أعمال عنف طائفية خلفت عشرات القتلى والجرحى، سرعان ما فجّرت غضبا في باقي المدن بالبلاد، خاصة العاصمة التي خرجت مساجدها في مظاهرات منددة بالحدث.
وأحداث العنف التي اندلعت في مدينة غوندر التاريخية بإقليم أمهرة شمال البلاد، ليلة الثلاثاء، خلفت أكثر من 20 قتيلا وعشرات الجرحى بجانب إحراق عدد من المحلات التجارية والممتلكات وطالت بعض دور العبادة بالمنطقة.
وتعود أحداث العنف التي شهدتها المدينة، وفق إفادة مسؤول الأمن في إقليم أمهرة، ديسالين طاسو، عندما قام بعض الشبان المسلمين بأخذ الحجارة من الكنيسة المجاورة لمقابر المسلمين التي كان يشيع فيها أحد علماء المدينة.
في المقابل، قام بعض الشبان المسيحيين برشق المسلمين بالحجارة، مما أحدث فوضى ومواجهات بين الجانبين، بحسب المسؤول نفسه.
وتسببت الأضرار التي لحقت بدور عبادة المسلمين بموجة غضب في مدن إثيوبية أبرزها العاصمة وجامعة أديس أبابا ومدن دري داو وجيما وهرر التي شهدت مظاهرات منددة بأعمال العنف الطائفية في مدينة غوندر.
واستنكر الشيخ منو الكريم رشيد، عضو مجلس علماء الإسلام بإثيوبيا، أعمال العنف وقال إن "هذه الفتنة ليست من قيم الأديان مسيحية كانت أو إسلامية في إثيوبيا"، معبرا عن تنديد المجلس بهذه الأحداث.
وأوضح الشيخ رشيد، في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن "المسلمين والمسيحين في إثيوبيا عرفوا طوال حياتهم بالتعايش السلمي والتعاون والسلام بينهم حيث تجد المسجد جانب الكنيسة".
وأشار رشيد إلى أن "القضاء على هذه الفتنة الطائفية يحتاج إلى تحقيق عاجل لتقديم الجناة للعدالة".
ولفت إلى أن "تشكيل لجنة لمعالجة المشكلة وإجراء تحقيق هو الطريق لوأد الفتنة وتحقيق السلام"، مطالبا الحكومة بتشكيل لجنة مستقلة لتحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين .
المخرج لإيقاف الفتنة
والفتنة الطائفية التي نشبت شمال إثيوبيا مؤخرا، وأشعلت شرارة الغضب في معظم المدن الإثيوبية، يعتقد العديد من الإثيوبيين أن المخرج منها لا يأتي إلا بالعدالة.
ويرون أن الحل الوحيد لإيقاف هذه الفتنة التي أرجعها العديد منهم إلى الخلاف الذي كان قائما حول ملكية أرض ظل حولها نزاع بين المسلمين والمسيحيين بالمنطقة.
ودعا المجلس الأعلى الفيدرالي للشؤون الإسلامية بإثيوبيا الحكومة إلى إرسال قوات أمنية للمنطقة وضرورة التحقيق في الأحداث، معبرا عن أسفه لأعمال العنف الطائفية التي شهدتها مدينة غوندر.
من جانبه، حمل رئيس المجلس الإسلامي الشيخ عمر أدريس الحكومة الفيدرالية والمحلية مسؤولية الأحداث التي شهدتها مدينة غوندر.
وقال في مؤتمر صحفي، اليوم الخميس، إن "أحداث مدينة غوندر تتطلب إجراء تحقيقات عاجلة يشترك فيها مجلس الحكومة الفيدرالية وحكومة الإقليم وإدارة المنطقة للتعرف على المتورطين في الأحداث والأسباب التي تقف وراء نشوبها".
وأكد على أنه "سيتم تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتحقق من الجهات التي تقف خلف هذه الفتنة والمتورطين فيها من المسؤولين والمواطنين للقضاء عليها ومنع تكرارها في مواقع أخرى".
وأضاف أن "أي تهاون أو تراخي في تقديم الجناة للعدالة ربما يؤدي إلى أعمال انتقامية في مناطق أخرى"، مشددا على "ضرورة الإسراع في التحقيقات وتقديم الجناة المتورطين في هذه الأحداث الى العدالة أي كانت صفته ورتبته".
ويحمل الكثيرون إدارة المدينة اندلاع الفتنة لعدم حسم النزاع مبكرا، ويرون أن الأزمة سببها عدم الحسم مبكرا والذي كان من الممكن أن يجنب حدوثها واستغلالها من قبل المتطرفين وأصحاب الأجندات الخفية.
ويطالب قطاع عريض من الإثيوبيين بضرورة تقديم الجناة والمقصرين من المسؤولين في المدينة إلى العدالة لؤد الفتنة.
مكتب الشؤون الإسلامية في إقليم أمهرة حمّل مسؤولية الأحداث إلى إدارة المدينة، وقال في بيان شديد اللهجة، إنه أبلغها بوجود مؤشرات مبكرة على وقوع حادث محتمل.
وفي المقابل، يرى العديد من سكان إقليم أمهرة أنه عندما يتعلق الأمر بفرض سيادة القانون، يجب أن يبدأ الأمر بالمسؤولين الذين تلقوا إخطارًا بوجود مؤشرات محتملة لوقوع مثل هذه المجزرة لكنهم لم يتخذوا أي إجراء.
فيما أكدت حكومة إقليم أمهرة في بيان لها عقب الأحداث أنها "ستتخذ جميع الإجراءات القانونية والمناسبة ضد الجناة المتسببين في أعمال العنف الطائفية بالمدينة".
وشددت على أنها "تعمل على نزع فتيل الصراع بالتعاون بين قوات الأمن والزعماء الدينيين والشيوخ والشباب في المدينة للقبض على المتورطين في الأحداث".
غوندر التاريخ والتسامح
وتعتبر مدينة غوندر التي تقع على بعد 772 كلم من العاصمة أديس أبابا، من أقدم مدن إقليم أمهرة الذي يزخر بالعديد من المناطق الأثرية والمحميات ما جعل منه وجهة سياحية مميزة لعشاق التاريخ والطبيعة.
وتحتفظ غوندر بالعديد من المعالم التاريخية بالبلاد من القصور والقلاع الكنسية تعود لأكثر من 375 عاما، كما تميزت المدينة بالتعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين.
واعتبرت حكومة الإقليم، أحداث العنف الطائفية ظاهرة لا تشبه المدينة، وقالت إنها محاولة لكسر وحدة شعب المنطقة من خلال إثارة الفتنة الطائفية في مدينة غوندر التاريخية رمز التسامح والاحترام لشعب أمهرة.
إدانات ومطالبات بالعدالة
وكانت أبرز ردود الأفعال على أحداث غوندر بجانب المظاهرات المنددة التي خرجت في العديد من المدن، المطالبات بالقبض على الجناة والتحقيق الفوري واحتواء الفتنة.
ووصف بيان المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإقليم أمهرة الأحداث بأنها "مجزرة إرهابية" أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى وإحراق ممتلكات.
وقال إن أعمال العنف التي راح ضحيتها أكثر من 20 قتيلا وعشرات الجرحى "تقف وراءها مجموعة متطرفة من المسيحيين ارتكبت المجزرة واستخدمت فيها أسلحة بيضاء وقنابل يدوية”.
وطالب المجلس الإسلامي بالإقليم الحكومة الفيدرالية وحكومة الإقليم بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة وتقديم كل من يقف وراء هذه الأحداث إلى المحاكمة الصارمة.
فيما وصف مجلس المؤسسات الدينية الفيدرالي الأحداث بالأعمال غير القانونية واللا إنسانية، وقال إن هذه الأعمال ليست من ثقافة الإثيوبيين المعروفة بالتسامح والتعايش بين جميع الأديان.
وحذر المجلس من أن تقضي مثل هذه الفتن على ثقافة التسامح والتضامن القائمة بالبلاد، مؤكدا على ثقته في أن تستعيد المدينة التاريخية عافيتها والتمكن من معالجة مشاكلها.
ودعا المجلس الحكومة الإثيوبية وحكومة الإقليم إلى الإسراع في التحقيقات وتقديم المتورطين والجناة للعدالة واتخاذ الإجراءات اللازمة للقيام بكل ما هو ضروري.
بدورها، أدانت أحزاب سياسية الأحداث ودعت الحركة الوطنية لشعب أمهرة "أبن"، جميع الأطراف (مسلمين ومسيحيين) بالمنطقة إلى الامتناع عن التصعيد والتركيز للقبض على الجناة المتورطين في إشعال الفتنة بالمدينة.
كما دعا "حزب المواطنين الإثيوبيين من أجل العدالة الاجتماعية" ، هو الآخر الحكومة إلى العمل بأسرع ما يمكن لضمان أمن البلاد وشعبها.
الإفطارات تبدد المخاوف
وعلى الرغم من أن الكثيرين تخوفوا من أن تؤثر أحداث غوندر على الإفطارات الجماعية التي انتظمت في عدد من المدن الإثيوبية على الشوارع الرئيسية هذا العام في ظاهرة رمضانية فريدة، إلا أن مدينة بحر دار حاضرة إقليم أمهرة الذي شهد الأحداث بددت هذه المخاوف.
وأقامت المدينة إفطارها السنوي للمسلمين بمشاركة رجال الدين المسيحي في الشوارع الرئيسية بالمدينة.
كما شهدت العاصمة أديس أبابا هي الأخرى إفطارا أمس شارك فيه كبار المسؤولين تقدمهم نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية دمقي مكونن بجانب عمدة مدينة أديس أبابا أدانيش أبيبي ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ عمر أدريس.
وقال مكونن، خلال كلمة له بالإفطار، إن هناك تاريخا من التسامح الديني في إثيوبيا وهي صورة البلاد التي يجب أن نعززها دوما.
ومنذ عامين، تحولت موائد الإفطار الجماعية في إثيوبيا إلى مهرجانات شعبية وقومية وكرنفالات إسلامية تشهدها الشوارع الرئيسية في المدن.
aXA6IDE4LjIxNi4xMDQuMTA2IA== جزيرة ام اند امز