أموال ملطخة بالدم.. حادث صبراتة ينكأ جراح تجارة تهريب البشر في ليبيا
وسط "عجز" محلي عن مكافحتها و"تخاذل" دولي عن مد يد المساعدة، نكأ حادث حرق 15 مهاجرًا غير شرعي، جراح قضية تجارة البشر في ليبيا المأزومة.
تلك "التجارة" التي تعد ثاني أهم مصادر دخل المليشيات المسلحة في غربي ليبيا بعد تهريب النفط والوقود، جعلت من العاصمة طرابلس ومدنها الميناء الرئيس لها، مما دفع بملايين الدولارات إلى خزانة العناصر الإجرامية التي تقتات على نهب المصارف والمؤسسات العامة، في البلد الأفريقي.
وكانت جمعية الهلال الأحمر الليبي -فرع صبراتة أعلنت، يوم الجمعة، العثور على 15 جثة متفحمة كانت على متن وبجوار قارب على شاطئ مدينة صبراتة غربي ليبيا، إلا أنه رغم عدم إعلان هوية أصحاب تلك الجثامين وأسباب مقتلهم، أكد حقوقيون، أنهم ضحايا لمليشيا تهريب البشر.
وبوصفها ثاني أكبر مدن غرب ليبيا المحكومة من قبل مليشيات تجارة البشر بعد الزاوية، أعاد ذلك الحادث، القضية لدائرة الضوء من جديد، باعتبار تلك المدينة (حيث وجدت الجثث) يسيطر عليها أكبر وأخطر تجار البشر، أبرزهم أحمد الدباشي (العمو) المطلوب دوليا.
وإلى ذلك، قال الحقوقي الليبي فتحي النجار، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إنه "في السنوات الأخيرة أصبحت تجارة البشر وتهريبهم ثاني أهم مصادر دخل المليشيات بعد تهريب النفط والوقود"، مشيرة إلى أنه في السنوات الأولى بعد أحداث عام 2011 كانت الميليشيات تسلب المؤسسات الحكومية وتجبر المصارف على منحها اعتمادات بالعملة الأجنبية.
إلا أن تلك الممارسات تراجعت بشكل كبير أمام حالة شبه الإفلاس التي تعيشها تلك المؤسسات إضافة إلى الرقابة الدولية على المصرف المركزي الليبي الذي يديره محافظة الصديق الكبير والذي كان الممول الأول لتلك المليشيات، بحسب الحقوقي الليبي.
تجارة البشر.. الكنز الأكبر
وأوضح فتحي النجار، أن المليشيات المسلحة والتي باتت تبحث عن مصادر أخرى لتمويل أنشطتها "الإجرامية"، وشراء السلاح وتجنيد الشباب، وجدت في شواطئ ليبيا المطلة على البحر المتوسط ضالتها.
ورغم أن أنشطة تهريب البشر كانت موجودة في ليبيا قبل العام 2011، إلا أن تلك المليشيات "استثمرت تلك الشواطئ في أنشطتها غير المشروعة كتهريب البشر والمتاجرة فيهم"، بشكل لم يعد يحدث بشكل خفي كما في السابق، بحسب الحقوقي الليبي.
وأكد الحقوقي الليبي، أن "تخاذل" المجتمع الدولي زاد من شوكة تلك المليشيات في هذه التجارة، مشيرًا إلى أن "الدول الغربية التي من المفترض أنها تكافح ظاهرة تجارة البشر وتهريبهم في العلن، هي من تساعد عليها، وخاصة وأن تلك البلدان وأبرزها المشاطئة لليبيا من مصلحتها إبقاء المهاجرين في ليبيا.
وتابع: "إيطاليا مثلا أحد أكثر الدول المتضررة من الهجرة القادمة من ليبيا، مما دفعها للسماح للمهربين بفعل ما يشاؤون في المهاجرين من قتل وتعذيب".
وأشار إلى أن تلك الممارسات "القاسية" من قبل المهربين بحق المهاجرين، تستفيد منها إيطاليا وباقي الدول الأوروبية عبر أمرين؛ أولهما أنها ستلقي بالرعب في قلوب المهاجرين، وخاصة وأن الطريق الوحيد لتلك الهجرة سيكون فقط عبر تلك المليشيات الليبية التي "ستعذبهم حال تعاملوا معها".
أما الأمر الثاني -بحسب فتحي النجار- فأكد أن تلك الأفعال ستبقي المهاجرين في ليبيا، أيًا كان مصيرهم، مما يحول بينهم والوصول إلى البلدان الأوروبية.
أموال ملطخة بالدم
الكاتب الليبي سامي المجبري كشف أن "إيرادات تلك الميليشيات الخارجة عن القانون، أكثر من 230 مليون دولار سنويا جراء تهريب المهاجرين غير الشرعيين فقط "، مشيرًا إلى أن ذلك الرقم كان ناتجًا عن رصد دولي جرى قبل عامين".
وأوضح المجبري، أن تلك الإيرادات ترتفع كل عام مع تفاقم الظروف المعيشية الصعبة في بلدان المهاجرين خاصة القارة الإفريقية التي يزداد العيش فيها صعوبة يومًا تلو الآخر، مما يدفع إلى تزايد أعداد الهاربين نحو أوروبا، بشكل يزيد المليشيا المسلحة ثراء.
وعبر المجبري عن استيائه من الدور الغربي في ملف المهاجرين وميليشيات تجار البشر في بلاده، قائلا إن "هناك تقارير ترد تباعا حول ضخ دول بالاتحاد الأوروبي لملايين اليوروات في ليبيا؛ لإبطاء تدفق المهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط إليها".
وأشار إلى أن تلك الأموال الأوروبية "تصب في خزينة شبكات متداخلة من أمراء الحرب والمليشيا في غرب ليبيا، ناهيك عن فاسدين ضمن الأجهزة الحكومية المختصة المتمثلة في أجهزة ما يعرف بخفر السواحل الليبي".
"تواطؤ" أوروبي
وحول طريقة دفعة تلك الأموال الأوروبية إلى المليشيات، قال المجبري إنها تكون عبر مراسلات رسمية غير سرية في صورة مساعدات لتحسين الظروف بمراكز الإيواء التي تديرها تلك المليشيات.
وأكد أن الرابح الأكبر من تلك السياسة مليشيا تجارة البشر الليبية التي تجني الأموال من طرفين وهما: المهاجرون الذين يحاولون الفرار لأوروبا وبلدان القارة العجوز التي تريد إبقاءهم.
وتابع: "تجني المليشيات -كذلك- أموالا إضافية جراء تشغيل المهاجرين في الدعارة، بالإضافة إلى المطالبة بفدية لإطلاق سراحهم"، بحسب ما رصدت منظمة أطباء بلا حدود في تقارير سابقة".
موجات الهجرة
وأشار المجبري إلى ما وصفه بـ"فضيحة"، لإحدى الدول الأوروبية التي تربطها سواحل مشتركة مع غرب ليبيا، قائلا إنه "قبل سنوات فضح أحد نواب البرلمان في ذلك البلد -لم يسمه- حكومة بلاده التي دخلت في صفقة مع أحمد الدباشي الملقب بـ(العمو)، تمثلت في دفع خمسة ملايين يورو لذلك المهرب لإيقاف موجات الهجرة.
ورغم كون العمو مطلوبا للتحقيق من محكمة الجنايات الدولية منذ عام 2017 ومدرجا على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي على خلفية تهم تتعلق بالاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، إلا أنه يقود مليشيا أنس الدباشي في صبراتة التي تعد ضمن المليشيا المرخصة من الدولة الليبية.
وكانت المنظمة الدولية للهجرة قالت في يوليو/تموز الماضي، إن 1614 مهاجرًا كانوا ضحية لعمليات الاتجار بالبشر خلال عامين في ليبيا.
aXA6IDMuMTUuMTcuNjAg
جزيرة ام اند امز