الهجرة غير الشرعية.. صداع أوروبي والدواء ليبي
البلدان الأوروبية سارعت إلى التحرك نحو الحد من الهجرة غير الشرعية، عبر الاعتناء بمصدر تلك الهجرة وهي المياه الليبية.
تحولت ليبيا إلى مركز جذب لآلاف الراغبين في الهجرة من بلدانهم نحو أوروبا، فأكثر من 90% من المهاجرين الذين يصلون إيطاليا ينطلقون من البوابة الليبية، ما جعلها تجارة رائجة ومصدر ثراء فاحش للعديد من القائمين عليها في ليبيا من جهة، وقلق دائم للدول الأوروبية من جهة أخرى.
فسارعت تلك البلدان الأوروبية إلى التحرك نحو الحد من الهجرة غير الشرعية، منطلقة من العملية الأوروبية «صوفيا» لمكافحة الهجرة قاعدة لها.
والعملية الأوروبية «صوفيا» تحمل اسم طفلة ولدت بعد إنقاذ مركب كانت تواجه صعوبات قبالة سواحل إيطاليا. لكن المرحلة الثانية تهدف إلى الخروج من المياة الأوروربية والتوجه قبالة مصدر التهريب وهي سواحل ليبيا.
وكان وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي، قد زار طرابلس، الإثنين، في مسعى يهدف لتنسيق الجهود في هذه المرحلة الجديدة، وقال في مؤتمر صحفي مع المفوض بوزارة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة الوفاق الوطني محمد الطاهر سيالة، إنه تم الاتفاق «على تفعيل اتفاقية الصداقة 2008 واتفاقية 2012، لمواجهة تحديات الهجرة والاتجار بالبشر في أقرب وقت ممكن»، مضيفا أن هذا «هو هدف مشترك بين ليبيا وإيطاليا»، بحسب وكالة الأنباء الإيطالية «آكي».
وأضاف الوزير الإيطالي أنه «بفعل المذكرة المشتركة يتم التعاون بين البلدين وحماية الحدود، خاصة الحدود الجنوبية ويجب العمل فورًا في إطار المعتاد بين البلدين، حيث اتفقنا اتفاقًا كاملاً على العمل المشترك ضد الهجرة غير الشرعية وتهريب النفط الليبي».
وأشار إلى أن «التعاون بين ليبيا وإيطاليا في ملف الهجرة غير الشرعية كان بنّاء، وسيتم تعزيز هذا العمل أكثر من خلال تدريب القوات الليبية في الأشهر القادمة، حيث تم العمل على بعض الاتفاقيات وسنعمل على تفعيلها».
بدوره، أكد المفوض بوزارة الخارجية والتعاون الدولي محمد الطاهر سيالة الاتفاق على إطلاق مجموعة من المشاريع المشتركة مع إيطاليا تتعلق بمكافحة الهجرة غير الشرعية ومكافحة الاتجار بالبشر، بالإضافة إلى مكافحة تهريب الوقود عبر البحر من ليبيا.
وأضاف سيالة، خلال المؤتمر الذي عُقد بالعاصمة الليبية طرابلس، الإثنين، أنه «جرى الاتفاق أيضا على تمويل جملة من المشاريع في ليبيا من قبل إيطاليا»، مشيرا إلى أن «هذه المشروعات أعطت أهمية خاصة للجنوب الليبي، بالإضافة إلى تعاون مكثف في مجال الأمن بين وزيري داخلية البلدين».
وقالت وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي، إنه توجد ضرورة ملحة لتفعيل المرحلة الثانية من عملية «صوفيا» البحرية الأوروبية وسط البحر المتوسط والمتمثلة في العمل هذه المرة داخل المياه الإقليمية الليبية.
تأهيل خفر السواحل
وقالت بينوتي، في تصريحات نقلتها وكالة «آكي» الإيطالية، الإثنين، إن «الانتقال إلى المرحلة الثانية من العملية الأوروبية وقيام إيطاليا بلعب دور محوري فيها وفي مجال تأهيل خفر السواحل الليبيين هو الطريق الأمثل لمواجهة مهربي البشر ومنع المراكب من مغادرة ليبيا محملة بالمهاجرين الأفارقة نحو أوروبا».
وأضافت أن إنعاش اتفاق الهجرة مع ليبيا يبدو ضروريًا نظرًا لأن أكثر من 90% من المهاجرين الذين يصلون اليابسة الإيطالية ينطلقون من الأراضي الليبية.
وقالت وزيرة الدفاع الإيطالية إن المشكلة هي أنه توجد حكومة معترف بها دوليًا في طرابلس، لكنها لا تسيطر على مجمل الأراضي ولكن الوضع يستوجب القيام بخطوات إلى الأمام.
وأضافت "بينوتي" أنه يمكن الانتقال إلى مرحلة جديدة بالنسبة للمهمة الأوروبية وبالنسبة للتحرك الإيطالي والتوجه للعمل داخل المياه الليبية وكذلك المساعدة في ضبط الحدود الليبية.
رحلة المهاجرين
وكانت شبكة «CNN»، نشرت منتصف ديسمبر الماضي، تقريرًا حول طرق شبكات تهريب البشر في ليبيا إلى أوروبا، مؤكدة فيه أن «من يمتلك سيارة رباعية الدفع ويكون خبيرا في مسالك الصحراء أو قاربًا ويكون خبيرًا في البحر ومن تكون لديه علاقات متينة وروابط قوية في المنطقة تتكفل بتأمينه يمكن أن يصبح مهربًا في ليبيا وينخرط عبر سلسلة تهريب متكاملة تبدأ من وراء حدود ليبيا البرية لتنتهي عند حدودها البحرية».
وقال مصدر عسكري في الجيش الليبي -رفض ذكر اسمه- لـ«CNN»: إنه «من الحدود الليبية تنطلق الرحلة عن طريق الصحراء باتجاه منطقتي الكفرة وسبها اللتين تعدان أهم مناطق تجمع للمهاجرين في جنوب ليبيا، ثم يتم توزيعهم على الشواطئ الليبية الموجودة غرب ليبيا خاصة مدينة مصراتة وزوارة؛ حيث يتم التجميع ثم الإرسال في قوارب إلى أوروبا».
وأضاف «خط التهريب يبدأ من حدود ليبيا الجنوبية المشتركة مع النيجر والتشاد، حيث يتم تجميع المهاجرين على الحدود ليقع إرسالهم باتجاه سبها وضواحيه، ثم تنطلق الرحلة من سبها نحو سرت طريق الجفرة ومنها إلى المنطقة الغربية حيث توجد الشواطئ».
طرق متعرجة
وأشار إلى أن «هناك منطقة عبور أخرى يعتمدها مهربو البشر تربط بين مدينة الكفرة على حدود السودان إلى مدينة أجدابيا شمالا ثم إلى الغرب الليبي»، مضيفا أن «المهاجرين غير الشرعيين يدخلون إلى ليبيا عبر طرق متعرجة ومسالك فرعية صعبة تعرف شبكات تهريب أنها بعيدة عن الرقابة الأمنية».
وبخصوص العائدات المالية لهذه التجارة، أوضح المصدر أن التحقيقات التي أجراها مع بعض المهاجرين غير الشرعيين الذين تم القبض عليهم كشفت أن هذا النشاط يدّر أرباحا كبيرة على ممتهنيه؛ حيث يكون التعامل مع المهاجرين بعملة الدولار في أغلب الأوقات.
وكشف أن تكاليف نقل الأشخاص من حدود ليبيا الجنوبية إلى داخلها تبلغ 200 دولار، أما النقل من الجنوب إلى الشمال يكون بـ100 دولار، ومن الشمال إلى الغرب بـ400 دولار، وتتصاعد الأسعار فى أوقات معينة خاصة في فصل الصيف.
وأبرزت الشبكة تصريحات المهاجر يوسف كدوكي، التي روى فيها تفاصيل رحلته قائلا: إن «شبكات التهريب لا تكترث للناس وتتعامل معهم كأنهم بضاعة»، مضيفًا أنه «تعرض رفقة المهاجرين الذي كانوا معه إلى الاحتجاز في مستودعات لعدة أيام في ظروف سيئة منعوا فيها من أبرز الاحتياجات البسيطة حتى من الكلام كما تم تجريدهم من كل ما يملكون».