تتويج تشارلز الثالث.. اقتصاد يتألم في استقبال الملك
اعتبارا من السبت المقبل، سيتم تتويج الملك تشارلز الثالث في كنيسة وستمنستر أبي في لندن؛ في وقت تشهد البلاد مصاعب اقتصادية جمة.
ويُعد حفل التتويج احتفالا دينيا رمزيا يتم من خلاله تتويج الملك، فضلا عن الفعل المادي بوضع التاج على رأسه؛ ويُضفي الحفل الطابع الرسمي على دور الملك كرئيس لكنيسة إنجلترا، ويؤشر على تغيير ألقابه وسلطاته.
وسيكون على عاتق الملك تشارلز إدارة البلاد التي يبدو أنها فقدت مكانتها كمركز مالي عالمي، إلى جانب فقدانها مركزها المالي على مستوى أوروبا لصالح هولندا، اعتبارا من العام الجاري، بسبب المصاعب الاقتصادية.
اقتصاد مترنح
اليوم تواجه المملكة المتحدة التحديات التالية: التضخم، تباطؤ النمو الاقتصادي، ارتفاع الديون الوطنية، واحتجاجات عمالية متصاعدة، وتكاليف مرهقة ناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة، إلى جانب مسألة المهاجرين الذين يصلون إلى المملكة المتحدة في قوارب.
كما أن الحالة القاتمة للاقتصاد العالمي بشكل عام، تؤثر أيضا على اقتصاد المملكة المتحدة، وكذلك حالة عدم اليقين بشأن العمل الصناعي المستمر من قبل العمال في جميع أنحاء البلاد.
وبحسب بيانات المكتب الوطني للإحصاء في المملكة المتحدة، من المتوقع أن يواجه الاقتصاد ركودا مطولا مع تراجع النمو وزيادة البطالة في خلال العامين الجاري والمقبل، مما يتسبب في الانكماش.
وفي أعقاب التوقعات القاتمة إلى حد ما في نوفمبر 2022، واصل بنك إنجلترا تشديد السياسة النقدية بشكل أكبر من خلال زيادة أسعار الفائدة؛ وما لهذه الزيادات من آثار على خفض الإنفاق والاستثمار في عام 2023.
التضخم
اليوم، يعتبر التضخم أحد أصعب التحديات التي يبدأ فيها الملك تشارلز مهامه رسميا، بعد تتويجه بالتاج يوم السبت، وسط حالة غايات في الشارع المحلي، والذي ينعكس على شكل احتجاجات وإضرابات عمالية.
بلغ معدل التضخم السنوي 11.1% في أكتوبر 2022، وهو أعلى مستوى في 41 عاما، قبل أن يتراجع قليلا في الأشهر اللاحقة إلى 10.1% في مارس 2023.
وأبلغ 94% من البالغين في بريطانيا عن زيادة في تكلفة معيشتهم في الفترة من يناير إلى فبراير 2023. وغالبًا ما تنفق الأسر الفقيرة أكثر نسبيًا من البعض الآخر على الغذاء والتدفئة والوقود المرتفعة أسعارها بحدة.
واليوم، يعيش العديد من المواطنين البريطانيين دون طعام لتوفير المال للإيجار، وليس طهي الطعام لتوفير تكاليف الطاقة وقطع اتصال الغاز لتوفير المال؛ وهي ظروف ستصعب من عمل الحكومة وستطال الملك أيضا.
وتظهر بيانات المكتب الوطني للإحصاء أن الأجور الحقيقية في المملكة المتحدة أقل مما كانت عليه قبل 15 عاما؛ وسط توقعات بانخفاض دخل الأسرة الحقيقي بعد الضرائب بنسبة 4.3% في 2023، وهو أكبر انخفاض منذ بدء السجلات المماثلة في عام 1956.
كذلك، اليوم يعيش 14 مليون شخص أي خمس سكان بريطانيا، في فقر؛ منهم أكثر من 50% تحت خط الفقر، و1.5 مليون معدمون وغير قادرين على تحمل الضروريات الأساسية، وهناك ما لا يقل عن 3.2 ملايين شخص بلا مأوى حاليا في المملكة المتحدة، وفقًا لتقديرات Shelter.
الانكماش الاقتصادي
الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة بدلاً من النمو، انخفض إلى سالب 0.2% في عام 2019، بأسوأ أداء له منذ عام 2012؛ ومرة أخرى، عانى أكبر انخفاض في الدخل القومي (GDP) منذ أوائل القرن الثامن عشر عندما انزلق الاقتصاد في أبريل 2020 بعد تفشي جائحة كوفيد 19.
على الرغم من ادعاء الحكومة البريطانية أنها تعافت بسرعة، إلا أن الانتعاش كان ضئيلً تقريبا؛ ومع انخفاض النمو، تقل القدرة على نمو الأجور الحقيقية، فيما يتوقع أن ينمو الاقتصاد هذا العام بشكل طفيف.
أيضا، تم الإبلاغ عن معدل البطالة في المملكة المتحدة بنسبة 3.7% في ديسمبر 2022، وهو أحد أدنى معدلات البطالة منذ عام 1974، ومع ذلك، وفقا لتقرير السياسة النقدية لبنك إنجلترا، فإن البطالة سترتفع بشكل كبير خلال الفترة المقبلة حتى الربع الأول 2024.
وهناك يأتي أحد التحديات الرئيسية الأخرى أمام الملك الجديد، وهو إيجاد حكومة وقطاع خاص قادران على خلق فرص العمل، ومنع زيادات البطالة إلى التوقعات البالغة 7% بحلول العام المقبل.
احتجاجات عمالية
الطبقة العاملة والقطاعات الأخرى من الجماهير الكادحة، تسير على طريق النضال وهو أحد التحديات أمام الملك الجديد في الدولة التي كانت لا تغيب عنها الشمس.
وتسببت الإضرابات منذ العام الماضي في جميع أنحاء بريطانيا، والتي شارك فيها الملايين من العمال، في تعطيل الخدمات الرئيسية بشكل متكرر مثل الرعاية الصحية والنقل بالسكك الحديدية. كما نظم الآلاف من عمال الإسعاف إضرابات بسبب الأجور والظروف المعيشية.
بيان من قصر بكنجهام
ووسط أرقام تعكس المعاناة، قال قصر بكنجهام ومسؤول عن تنظيم حفل تتويج الملك تشارلز إن الحفل الذي سيقام يوم السبت سيكون أكثر الفعاليات التي شهدتها بريطانيا فخامة منذ أكثر من جيل وسيساهم في انتعاش اقتصاد البلاد.
وسيتوج الملك تشارلز برفقة قرينته كاميلا في كنيسة وستمنستر آبي في لندن في حدث تاريخي تعود أصوله إلى ما يقرب من ألف عام وسيشارك فيه آلاف من أفراد الجيش في موكب يمتد لمسافة ميل عبر وسط لندن.
وقال الإيرل مارشال إدوارد فيتزالان-هوارد دوق نورفولك أكبر نبلاء إنجلترا "هذه لحظة فخر يشهدها تاريخنا الوطني".
وأضاف فيتزالان-هوارد، الذي تنظم عائلته مناسبات رسمية منذ عام 1483، للصحفيين "هذه لحظة مناسبة أيضا لنذكر أنفسنا بالفخر الذي نشعر به في بلادنا العظيمة وبدستورنا غير المكتوب الذي خدمنا جيدا لمدة تزيد عن ألف عام خلال تاريخنا الطويل".
وسيشارك نحو سبعة آلاف من أفراد القوات المسلحة في المراسم، ومنهم أكثر من أربعة آلاف يضمون فرقة الموسيقى العسكرية، في موكب سيسير من كنيسة وستمنستر آبي إلى قصر بكنجهام حيث سيتلقى الملك والملكة المتوجين حديثا تحية ملكية في متنزهات القصر.
ثم سيلوح الملك وقرينته كما جرت العادة للحشود من شرفة القصر بعد ذلك وستحلق طائرات عسكرية في السماء في إطار الاحتفالات بالحدث.
ويقول منتقدون للمراسم الباذخة إن التكلفة تأتي في وقت يعاني فيه الناس من أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة لكن متحدثا باسم القصر قال إن هناك تقارير تتوقع تدفق أكثر من مليار جنيه إسترليني (1.25 مليار دولار) للاقتصاد البريطاني نتيجة لإقامة مراسم التتويج.
وقال المتحدث "لست مخولا بالحكم على مدى دقة تلك الأرقام لكن بالتأكيد وجهة النظر تلك تشير إلى أن الاحتفالات ستشكل دفعة اقتصادية قوية للبلاد".