ناقوس خطر.. "بالوعة الكربون" في بريطانيا قد تتحول إلى "قنبلة المناخ"
على مر العصور، ظلت مستنقعات الخث في بريطانيا بالوعة كربون، لكن هذا السلاح بدأ يفقد قوته، وسط مخاوف من تحوله إلى "قنبلة مناخية".
وتقع مستنقعات الخث شمال بريطانيا، وفيها تتشكل الأرض السوداء بتراكم المواد العضوية المتحللة بمعدل 1 ملم في السنة، وهذا يعني أن مترًا واحدًا من طبقة الخث تحتوي على ألف عام من التاريخ.
وفي حالات التعرية، تقع 80% من هذه المناظر الطبيعية في جميع أنحاء بريطانيا في دائرة الخطر، ويمكن أن يختفي في لحظة ما يستغرق بناؤه آلاف السنين ويتلاشى ببساطة أمام عاصفة واحدة.
مستنقعات الخث البريطانية
وتفقدت صحيفة "الغارديان" مستنقعات الخث في أخدود بمرتفعات بينينز شمال بريطانيا رفقة توم سبنسر، مسؤول البحث والمراقبة في شراكة "Moors for the Future" المعنية بالحفاظ على المرتفعات الشمالية.
ويبلغ عرض الخندق بضعة أمتار وعمقه 3.5 متر، وهو جزء من شبكة ممتدة من القمم حول بحيرة "Snailsden"، وتمتد في الوادي مثل الثعابين، ومن المفترض أن تكون هذه المنطقة رطبة باستمرار لامتصاص الكربون.
وعلى العكس من ذلك، تتعرض طبقات الخث في هذه المنطقة للتآكل الشديد، لدرجة يمكن معها شق أحواض كبيرة من طبقات الخث الجاف، وخلال جولة "الغارديان" لاحظ الفريق حدوث انهيارات أرضية طفيفة من جدران الخندق.
تآكل طبقات الخث
وعن مساعي إنقاذ مستنقعات الخث في بريطانيا، يقول توم سبنسر: "تتآكل طبقات الخث من جميع الجوانب في ظل الظروف الجوية القاسية، خاصة الرياح التي تؤدي إلى اقتلاع طبقات الخث من الأسطح.
كما يؤثر هطول الأمطار الغزيرة في هذه المنطقة على طبقات الخث، إذ تؤدي المياه إلى تآكل الطبقات وتحللها ومن ثم تعريضها للجفاف الشديد، وأخيرًا تتطاير على شكل غبار مع هبوب الرياح والعواصف.
وبحسب الصحيفة، تمتلك بريطانيا ما بين 9 إلى 15% من إجمالي أراضي الخث في أوروبا، وتشير التقديرات إلى أن هذه المناطق في المملكة المتحدة تخزن نحو 3 أضعاف الكربون قياسا إلى غابات المملكة.
بالوعة الكربون
وتكتسب مستنقعات الخث أهميتها في مواجهة التغيرات المناخية من قدرتها الفائقة على امتصاص غازات الاحتباس الحراري، خاصة ثاني أكسيد الكربون، وفي إنجلترا وحدها يخزن الخث نحو 584 مليون طن من الكربون.
ويعادل هذا الرقم مقدار ما تنتجه بريطانيا من انبعاثاث الكربون في 5 سنوات وفقا للصحيفة، ورغم أهميتها البيئية إلا أن هذه المستنقعات تعاني منذ فترة طويلة من مشكلة التآكل بسبب الظروف الجوية القاسية.
وعلى مر العصور، جرى تصوير هذه المستنقعات الشمالية في الأعمال الفنية البريطانية كمناطق وعرة وموحشة، تستوطنها الطيور الجارحة والحيوانات المفترسة ويلوذ بها قطّاع الطرق والخارجون على القانون.
جهود حكومية
ورغم تشبع أذهان البريطانيين بهذه الصورة القاتمة، أصبحت المملكة المتحدة مدعوة الآن للوقوع في حب مستنقعات الشمال والحفاظ عليها، وبالفعل وضعت الحكومة استعادة أراضي الخث في صميم استراتيجيتها لخفض الانبعاثات.
ووعدت الحكومة البريطانية باستعادة 35 ألف هكتار من أراضي الخث المتدهورة في إنجلترا بحلول عام 2025، وفي إسكتلندا تعهدت الحكومة باستعادة 25 ألف هكتار بحلول عام 2025، وفقًا لـ"الغارديان".
وأشارت الصحيفة إلى مشروع "Great North Bog" الذي يهدف إلى استعادة 7000 كيلومتر مربع من مستنقعات الخث في شمال إنجلترا في غضون 10 سنوات، وتنفذه شراكة "Moors for the Future" بالتعاون بين جهات حكومية وخاصة.
ويشمل هذا المشروع 5 حدائق وطنية و3 مناطق طبيعية، ويستهدف إلهام حركة وطنية لاحتضان المستنقعات والمرتفعات الشمالية والتعريف بها كبالوعات للكربون، فضلاً عن المساعدة في منع الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات المتزايدة.
"قنبلة المناخ"
ومن دون هذه الجهود العاجلة، من المتوقع أن تتحول أراضي الخث في بريطانيا من كونها الحل للعديد من المشاكل البيئية والمناخية إلى قضية بيئية ومناخية في ذاتها، وتشير تقديرات إلى أن تآكل هذه الطبقات في المملكة المتحدة يطلق حاليًا نحو 23 مليون طن من الكربون سنويًا.
وبحسب "الغارديان"، أصبحت هذه الأراضي من المساهمين الرئيسيين في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من استخدام الأراضي في بريطانيا، فيما يحذر علماء المناخ من أنه "ما لم نتمكن من عكس هذا الواقع فإن مستنقعات الخث ستتحول من مخزن الكربون إلى قنبلة المناخ".
وفي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، شهدت مرتفعات بينينز شمال إنجلترا نشاطًا مكثفًا من الرعي، وساعدت الخطط الحكومية آنذاك ملاك الأراضي على تجفيف هذه المستنقعات لرعي وإيواء المزيد من الماشية، بينما يظل تلوث الهواء السبب الأكبر في إحداث هذا القدر من الضرر.