في جزر فيجي.. آثار التغير المناخي جزء من الحياة اليومية
الآثار الناجمة عن التغير المناخي تجاوزت عتبة السيناريوهات المستقبلية لتصبح الآن واقعًا معاشًا وجزءًا من الحياة اليومية لبعض الشعوب.
في جمهورية جزر فيجي، وهي دولة جزرية صغيرة تقع في جنوب المحيط الهادئ، اضطر مئات السكان إلى ترك منازلهم وقراهم تحت وطأة التغيرات المناخية.
وأجرت صحيفة "ABC News" الأسترالية معايشة لأوضاع السكان في قرية "Vunidogoloa"، التي كانت قائمة ذات يوم على الشواطئ النائية لثاني أكبر جزيرة في فيجي.
وأضحت هذه القرية واحدة من أولى المجتمعات في العالم التي أُجبر سكانها على الانتقال إلى مكان آخر مخطط له من قبل الحكومة بسبب تغير المناخ وغرقها أمام ارتفاع منسوب مياه المحيط.
"كان هذا منزلي"
وتصف الصحيفة الأسترالية إحساس الخسارة بين سكان القرية، فبينما كان يشق سيلوسي راماتو المياه الضحلة بقدميه توقف فجأة وأشار إلى عمود لا يكاد يُرى في قاع البحر وقال: "كان هذا منزلي".
وجرى نقل السكان إلى قرية جديدة على بعد نحو كيلومترين، وأضحت قرية "Vunidogoloa" الآن مدينة أشباح، وهي واحدة من 6 قرى في فيجي نُقل سكانها بالفعل بسبب الآثار العنيفة لتغير المناخ.
ومع وجود 20% من سكان فيجي، البالغ تعدادهم نحو مليون نسمة يعيشون على الأطراف الساحلية والنهرية، يواجه الآلاف الآن احتمال الاضطرار إلى الانتقال إلى مناطق أخرى مرتفعة عن منسوب المياه.
وتقول الصحيفة إن إعادة توطين سكان قرية ليس بالأمر السهل عبر إيجاد مئات الآلاف من الدولارات وتخصيصها، رغم أنه يجب القيام بذلك، ولكن هذا الانتقال يعني قطع الروابط الروحية مع الأرض والأجداد.
وبعد 9 سنوات من هذا النزوح، لا يزال المواطن سيلوسي راماتو يشعر بالألم والخسارة، ويقول: "الأمر ليس هيّنًا؛ لأننا ولدنا هنا، وكان آباؤنا هنا، ولكننا تركنا كل شيء وراء ظهورنا مضطرين، وهذا يؤلمنا حقًا".
آثار التغير المناخي في فيجي
وتقول الصحيفة إن معظم سكان فيجي الجزرية لا ينظرون إلى آثار تغير المناخ كقضية نظرية أو مستقبلية، بل كجزء لا مفر منه من الحياة اليومية، ولم يكن هذا خطأهم، بل كان مدفوعًا بالتقدم الصناعي بعيدًا عن جزرهم.
وتقول ألاني تويفوسيليفو، عضوة شبكة المرأة في مصايد الأسماك في فيجي: "أعتقد أن مساهمتنا في آثار تغير المناخ تتعلق بقطرة في المحيط"، مضيفة: "إنه أمر محبط؛ لأن كل ما نفعله هو مواجهة العواقب والآثار".
وتعد جزر فيجي من أكثر المناطق الساخنة لتغير المناخ في العالم، وأظهرت دراسات سابقة أن جزرها شهدت ارتفاعًا في درجة الحرارة بمقدار 0.15 درجة مئوية كل عقد منذ عام 1950، فيما ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار 4 ملم سنويًا منذ عام 1993.
وتعد العواصف والفيضانات وظاهرة المد والجزر المدمرة والانهيارات الأرضية المفاجئة من أكثر الويلات التي يعانيها السكان في فيجي، وتؤثر على اقتصاد هذا البلد الصغير بشكل قياسي، ويقول تيري أتاليفو، رئيس خدمة الأرصاد الجوية في فيجي، إن الأعاصير من الفئة الخامسة، وهي أقوى أنواع العواصف الاستوائية، أصبحت أيضًا أكثر شيوعًا. في البلاد.
وأضاف: "أعتقد أنه في السنوات العشر الماضية ونحن نشهد كل موسم أعاصير من الفئة الخامسة في هذه المنطقة، باستثناء موسمين فقط"، وفي عام 2016 تعرضت البلاد للإعصار المداري من الفئة الخامسة "وينستون"، الذي قتل 44 شخصًا وخلّف دمارًا كبيرًا بلغت قيمته الإجمالية 1.35 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتضاعف فاتورة هذه الكوارث في العقود القادمة.
"كل الناس يبكون"
كانت قرية "Vunidogoloa" الأصلية تطفو عند نقطة يلتقي فيها النهر بالبحر، وكانت غنية بالأسماك وجوز الهند ومحاصيل الحدائق، ويقول سيلوسي راماتو إنه قاتل مع عشرات السكان للبقاء في مكانهم لكن المياه كانت تتوغل أكثر فأكثر في قريتهم العزيزة حتى كادت تغمر منازلهم.
وأضاف الرجل في أسى: "لقد قمت بالفعل بنقل منزلي 3 مرات داخل حدود القرية القديمة"، وكانت هذه المحاولات لنقل منازلنا بعيدًا عن الشاطئ تكلفت آلاف الدولارات، ولكنها لم تكن كافية لدرء ما لا مفر منه، وأدت الأمطار الغزيرة والجزر المدية إلى تآكل الساحل وأغرقت المنازل بمياه الصرف الصحي الملوثة وتسممت الأرض بملح البحر.
وفي عام 2014، لم يكن أمام القرية خيار سوى الانتقال إلى موقع جديد على ارتفاع كيلومترين صعودًا، وكان مشهد انتقال السكان يشبه المواكب الجنائزية، وفقًا للصحيفة، ويتذكر سيلوسي أن "كل الناس كانوا يبكون لأنه كان يومهم الأخير في قريتهم".
وفقًا للصحيفة، تقدمت حكومة فيجي بشكل كبير في التخطيط لعمليات نقل السكان من مناطق الخطر، وجرى تطوير إرشادات وإجراءات حكومية مفصلة على مدار العقد الماضي لضمان عملية منظمة وشاملة، لكن عمليات الترحيل تستغرق وقتًا طويلاً وتتسم بالتعقيد والكلفة المرتفعة.
ووفقًا للحكومة، جرى تحديد 830 مجتمعًا في فيجي على أنها معرضة لخطر تغير المناخ، وتضم قرية Vunidogoloa الجديدة 32 منزلًا، بلغت تكلفة تمهيدها للعيش وتزويدها بالمرافق الأساسية والبنية التحتية الأخرى أكثر من مليون دولار، لكنها لا تخلو من المشاكل بالنسبة لمعظم السكان.
من يدفع الثمن؟
وتقول الصحيفة: "عملية نقل السكان إلى القرية الجديدة لم تخل من الأخطاء، فجاء بناء المنازل في الأصل بدون مطابخ، لذلك كان على الناس إضافة مواد خاصة من المواد التي تم إنقاذها من المنازل القديمة، ويقول أحد السكان للصحيفة: "أعتقد أن هذا ما يحدث عادة عندما تستبعد النساء من اجتماعات التخطيط".
وشهدت عملية الانتقال هذه وما بعدها ارتفاعًا ملحوظًا في المشكلات الصحية والاجتماعية، بما في ذلك الضغوط الاجتماعية وحالات العنف المنزلي وزيادة الإقبال على تناول الأطعمة المصنعة والكحول وغيرها من المشكلات، وفقًا لدراسة صحية أجريت عام 2021، كما وجدت أن التقاليد والثقافة تراجعت بشكل كبير.
وفي مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ "COP27" في شرم الشيخ المصرية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وافقت الدول المتقدمة على إنشاء صندوق تعويضات "الخسائر والأضرار" الذي طالما سعت إليه الدول الجزرية الصغيرة والدول النامية لإعانتها على التأثيرات المدمرة والتي لا مفر منها لتغير المناخ.
ومن المقدر أن تحتاج هذه الدول إلى ما بين 429 مليار دولار و860 مليار دولار بحلول عام 2030، ووفقًا للصحيفة يبقى السؤال حول من سيدفع وكم أو حتى إذا كان سيدفع، لأن هذه الاتفاقية ليست إلزامية.
aXA6IDE4LjIyMy4xMjUuMjM2IA== جزيرة ام اند امز