لترويض المناخ الغاضب.. أوروبا في اختبار "الكربون" الصعب
اتخذت دول القارة العجوز "أوروبا" بالفعل إجراءات للحد من الانبعاثات الكربونية فيما تتسارع الجهود الرامية لمكافحة التغير المناخي.
ووفقا لدراسة نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي، فقد توصلت المفاوضات بين أعضاء المفوضية الأوروبية إلى تشريع تعريفة جمركية على المنتجات كثيفة الكربون، مثل الأسمنت الذي يستورده الاتحاد الأوروبي مع فترة انتقالية تبدأ بتقديم التقارير في أكتوبر/تشرين الأول 2023، فيما تسليم شهادات الكربون للواردات اعتبارا من يناير/كانون الثاني 2026.
ووفقا للدراسة، فإن الاتحاد الأوروبي يهدف إلى تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55 في المئة من المستوى القياسي لعام 1990 بحلول عام 2030.
ولتحقيق هذا الهدف اعتمد الاتحاد الأوروبي على تحديد حد أقصى للكمية الإجمالية لبعض غازات الدفيئة التي يمكن أن تنبعث عن المصانع أو المؤسسات العاملة في الإنتاج الصناعي، والتصنيع الكيميائي، على أن يتم تقليل الحد الأقصى بمرور الوقت بحيث ينخفض إجمالي الانبعاثات. وسيتم التخلص التدريجي من النظام الحالي تمامًا بحلول عام 2034.
النظام الحالي
كانت الآلية الأساسية للاتحاد الأوروبي للتخفيف من مخاطر تسرب الكربون هي دفع مخصصات لشركات معينة مجانًا، وتُمنح المخصصات للصناعات والقطاعات التي يُعتقد أن لديها أعلى مخاطر تسرب غازات دفيئة، وتحصل الصناعات المعرضة لخطر التسرب بشكل خاص على ما يصل إلى 100% من مخصصاتها مجانًا.
لكن هذه المخصصات لها العديد من أوجه القصور من منظور المناخ، لأن الكيان الذي يتلقى 100% من المخصصات مجانًا لديه حافز محدود في الاستثمار في التقنيات الجديدة لتقليل الانبعاثات، ولا تقدم أية فوائد ثانوية تساهم في زيادة الإيرادات أو قابلية التطبيق على الواردات.
ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى معالجة أوجه القصور في نظام البدلات المجانية من خلال استبداله بإجراءات تجارية.
ومن بين الإجراءات الأخرى، نظام تعريفة جمركية على السلع كثيفة الكربون المستوردة من الخارج، يدفعها المستورد عند دخول المنتجات إلى الاتحاد الأوروبي، ووضع شهادات تمثل الانبعاثات المضمنة في البضائع.
وتهدف تلك التعريفة الجمركية إلى تحقيق تكافؤ الفرص من خلال فرض تعريفة جمركية على الإنتاج الأجنبي الوارد من الخارج مع لوائح انبعاثات أقل صرامة ومن ناحية أخرى تقليل مخاطر تسرب سلع ومنتجات تحتوي علي غازات دفيئة مرتفعة.
ويأمل الاتحاد الأوروبي أن تحفز التعريفة الجمركية الجديدة المنتجين الأجانب على تقليل الانبعاثات، وستثبت مثل هذه الاستجابة قيادة بروكسل في تعزيز العمل المناخي.
ويعد فرض تلك التعريفة الجمركية هدفا للاتحاد الأوروبي منذ تسعينيات القرن الماضي، وحاول الاتحاد الأوروبي ربط التجارة بالمناخ داخل نظام منظمة التجارة العالمية، لكنه واجه مرارًا عقبات بسبب معارضة الدول النامية.
وغيرت حالة الطوارئ المناخية المناخ السياسي والرأي العام داخل دول الاتحاد مما دفعه إلى تبرير تلك التعريفة الجمركية بأنها تهدف إلى منع التسرب وليس فرض الحمائية على الصناعة المحلية.
الإعفاءات
وأحد الاعتبارات الرئيسية لتصميم سياسة التعريفة الجمركية أنها قدمت إعفاءات للواردات من البلدان ذات مستويات الكربون التي تلبي مستويات الاتحاد الأوروبي الصارمة.
وتؤكد الحكومات في البلدان الأقل نمواً أن هذا الإجراء يميز ضد أفقر الدول، التي ليس لديها لوائح مناخية أو قدرة إدارية على الامتثال على الرغم من أن أقل البلدان نمواً لا تمثل حصة كبيرة من واردات الاتحاد الأوروبي من السلع المشمولة .
واستجابة لهذه المخاوف، نصت الاتفاقية على تقديم المساعدة الفنية إلى البلدان النامية وأقل البلدان نمواً للامتثال لـنظام التعريفة الجمركية الجديد.
ويواجه نظام التعريفة الجمركية للاتحاد الأوروبي إشكاليات تتعلق بإطار عمل منظمة التجارة العالمية لقواعد منظمة التجارة العالمية، لأنها المبدأ في الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات) وتقول إنه يحظر التمييز بين الدول.
كما تنص قاعدة أخرى لعدم التمييز، في المادة الثالثة من اتفاقية الجات، على عدم توفر أي معاملة تفضيلية أو حماية للسلع المماثلة المحلية، وبالتالي يمكن أن تواجه تلك التعريفة صعوبات من خلال معاملة السلع المنتجة في الخارج بشكل مختلف ومن خلال توفير الحماية للصناعة المحلية عن طريق إخضاع المنتجات الأجنبية لتعريفة استيراد.
ويؤكد الاتحاد الأوروبي بأن الضريبة التي يدفعها المستورد ستكون معادلة لتكلفة المخصصات التي سيضطر منتجو الاتحاد الأوروبي إلى دفعها، بحيث لا تكون ضريبة تمييزية بطبيعتها وكذلك أن السلع المنتجة بطريقة أكثر كثافة للكربون ليست منتجات مشابهة مع منتجات الاتحاد.
وتنص مادة أخرى من اتفاقية الجات على إعفاءات واسعة للسياسات "الضرورية لحماية حياة أو صحة الإنسان أو الحيوان أو النبات" وهي بالتأكيد إحدى المواد التي يرتكز عليها الاتحاد الأوروبي في الدفاع عن التعريفة الجمركية ولتعزيز هذا الدفاع، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى التأكيد على أوجه إنفاق إيرادات التعريفة الجديدة، لأن الاستخدام السليم للإعفاء البيئي يتطلب من الاتحاد الأوروبي تخصيص الإيرادات للسياسات البيئية بدلاً من تخصيص الإيرادات للميزانية العامة للاتحاد الأوروبي. وهذا من شأنه أن يضمن أن الأموال المستلمة ستدعم جهود إزالة الكربون.
اعتبارات مناخية
وضع الاتحاد الأوروبي نظام التعريفة الجمركية كإجراء مناخي مهم، لأنه سيطبق معايير الانبعاثات الخاصة به على السلع المستوردة، وبالتالي يشجع على خفض الانبعاثات من قبل المنتجين الذين يصدروا البضائع إلى أوروبا.
ويمكن تحديد مدى تأثير نظام التعريفة الجمركية الجديد للاتحاد الأوروبي على الانبعاثات العالمية من خلال كيفية استجابة كل من الشركات والدول الأخرى.
ومن المعروف أن الحجم الكبير لسوق الاتحاد الأوروبي سيحفز الشركات الأخرى، لكن ليس من المعروف ما إذا كان هذا الطلب سيحفز الدول النامية علي تقديم إنتاجًا يتناسب مع السوق الأوربي.
أما الجانب السلبي فيتمثل في فصل الأسواق العالمية، حيث تتجه المنتجات النظيفة إلى أوروبا (والأسواق المتقدمة الأخرى) فيما يتوجه الإنتاج كثيف الانبعاثات إلى الأسواق النامية والناشئة، لكن على المدى الطويل، فإن هذا السيناريو غير متوافق مع المسار العالمي في تحقيق صفر انبعاثات.
المنتجات الأمريكية
يعد تعرض المنتجات الأمريكية للتعريفة الجمركية الجديدة أقل بكثير من الدول الأخرى، مثل روسيا وتركيا والصين، بسبب التجارة المحدودة في السلع وانخفاض كثافة الكربون في إنتاج الولايات المتحدة من المواد المغطاة.
وأظهرت بعض التقديرات أن الولايات المتحدة تحافظ على ميزة الكربون المنخفض في إنتاج الصلب والألمنيوم وكذلك بعض المواد الكيميائية.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تحتفظ بميزة انخفاض الكربون في بعض السلع، إلا أن بعض المنتجات سوف تخضع لرسوم ضريبة المستحقة بسبب كثافة الانبعاثات.
وتعطي إجراءات التعريفة الأولوية للبيانات من مستوى الشركة التي تعتبر أكثر شفافية وأكثر دقة. ومع ذلك، في الحالات التي لا تتوافر فيها بيانات خاصة بالشركة، يسمح باستخدام متوسط قطاعي لمستوى الكربون، وهي تمثل مشكلة لأنها تفرض عبئًا إضافيًا على الشركات الأصغر التي قد لا تمتلك أدوات جمع البيانات أو فرق الامتثال اللازمة للوفاء بشروط التعريفة الجديدة.
التكافؤ التنظيمي
وبدأ بعض خبراء المناخ والتجارة في الولايات المتحدة في اقتراح قواعد بديلة، يمكن أن تحقق التكافؤ التنظيمي مع الاتحاد الأوروبي لإعفاء المنتجات الأمريكية من تلك التعريفة الجديدة.
ويحتاج مصدرو السلع المغطاة في الولايات المتحدة إلى التفكير بشكل خلاق في بناء آليات امتثال بديلة ومن المرجح أن يقع عبء إثبات التكافؤ على عاتق القطاع الخاص.
ويتمثل أحد المسارات المحتملة في تحديد مستويات طوعية للكربون للسلع المقرر تصديرها والمسار الآخر أن يكون قادرا على إثبات انخفاض كثافة الانبعاثات في المنتجات.
aXA6IDMuMTQ3LjcxLjE3NSA=
جزيرة ام اند امز