الليثيوم طريق الاستدامة.. "إكسير" الشباب للقارة العجوز (تحليل)
أصبح معدن الليثيوم كنزًا ثمينًا تتهافت عليه دول العالم في رحلتها للتحول الطاقوي والانتقال إلى مستقبل نظيف خالٍ من الانبعاثات.
الأهمية الاستراتيجية لـ"الليثيوم" آخذة في التصاعد اليوم، بحسب دراسة نشرتها منصة "يوراكتيف" euractiv الإعلامية المتخصصة في سياسات وشؤون الاتحاد الأوروبي. لكن هل يقود هذا المعدن الثمين؛ صناعة النقل في القارة العجوز في المستقبل؟
الدراسة قالت إنه مع استمرار الطلب على السيارات الكهربائية، أصبح توفر الليثيوم، وهو مكون رئيسي في بطاريات السيارات الكهربائية، مصدر قلق ملحًا للاتحاد الأوروبي، لا سيما مع تركز معظم احتياطياته في العالم خارج أوروبا، مما يدفع بروكسل للعمل بشكل استباقي من أجل إقامة علاقات تجارية طويلة الأمد مع موردي الليثيوم، بما في ذلك كبار المنتجين مثل تشيلي.
من منظور الاتحاد الأوروبي الأوسع، تمثل الكهرباء والتنقل الذكي والمشترك خطوات كبيرة نحو الاستدامة البيئية والنقل الفعّال.
وكانت أوروبا قد احتلت موقع الصدارة على مستوى العالم في استخدام السيارات الكهربائية في عام 2020. وبالنظر إلى اللوائح والحوافز البيئية الحالية، يجب أن يستمر السوق في النمو في هذا العقد، مما يجعل أوروبا واحدة من أكثر الأسواق الواعدة للسيارات الكهربائية. وشرط رئيسي للانتقال نحو النقل الكهربائي هو توافر المواد الخام للبطاريات. أما المعادن المستخدمة بشكل أساسي لإنتاج هذه المكونات المركزية هي الليثيوم والنيكل والكوبالت.
طلب عالمي زخم.. وهيمنة صينية على الإمدادات
من المتوقع أن يزداد الطلب على هذه المواد الخام الثلاثة بشكل كبير في أوروبا بحلول عام 2030. أما الليثيوم فسيزداد الطلب عليه من 5 قراريط في عام 2020 إلى 36 كيلوطن في عام 2030 ؛ بينما سيزداد الطلب على الكوبالت من 7 قراريط في عام 2030 إلى 21 قيراطًا في عام 2030 والنيكل من 26 قيراطًا في عام 2025 إلى 276 قيراطًا في عام 2030.
وفقًا للدراسة، فإن الصين تهيمن حاليًا على إمدادات الليثيوم والنيكل والكوبالت والكوارتز وغيرها من العناصر الأرضية النادرة.
وبشكل خاص، يتم استخراج الليثيوم بشكل أساسي في أستراليا وتشيلي ثم يتم تكريره في الصين. وعلى الرغم من أن أوروبا لديها أيضًا بعض موارد الليثيوم، على سبيل المثال صربيا والبرتغال وإسبانيا وفنلندا وفرنسا والنمسا وجمهورية التشيك، لكن لا يزال الاعتماد على الواردات مرتفعًا.
في الوقت نفسه ، فإن استيراد كمية المواد الخام التي تحتاجها الموجة الأوروبية القادمة من الاستثمار في بطاريات السيارات الكهربائية من الجانب الآخر من العالم ليس حلاً مستدامًا بيئيًا نظرًا لارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بسبب النقل.
ومع ذلك، تجادل دراسة أجرتها هيئة النقل والبيئة في أوروبا بأن التطورات التكنولوجية ستؤدي إلى تقليل المواد الخام اللازمة للبطاريات بمرور الوقت. علاوة على ذلك، من المتوقع أن ينخفض اعتماد أوروبا على واردات المواد الخام بشكل كبير حيث يمكن أن يأتي أكثر من خُمس الليثيوم والنيكل و65% من الكوبالت اللازم لصنع بطارية من إعادة التدوير بحلول عام 2035.
الليثيوم.. روح السيارات الكهربائية
وتعد حزم البطاريات المكون الرئيسي للمركبات الكهربائية وتتقدم أوروبا بسرعة في إنتاج خلايا بطاريات أيونات الليثيوم.
ويتم استخراج الليثيوم من مصادر مختلفة بما في ذلك المحلول الملحي والطين والصخور ويمكن أن يستغرق تعدين كل طن من الليثيوم 2.2 مليون لتر من الماء، بحسب الدراسة.
ويأتي حوالي ثلث الليثيوم في العالم من المسطحات الملحية في تشيلي والأرجنتين، حيث يتم تعدين المادة باستخدام كميات هائلة من المياه في المناطق القاحلة. كما يمكن أيضًا إنتاج بطارية الليثيوم من خلال تعريض المادة لدرجات حرارة عالية جدًا -وهي عملية مستخدمة في الصين وأستراليا- وتستهلك كميات كبيرة من الطاقة.
وبينما تفتخر أستراليا وحدها بامتلاك خمسة من أكبر عشرة رواسب من الليثيوم في العالم، فإن أكثر من 60% من معالجة الليثيوم تحدث في الصين.
وفي حين أن الليثيوم يكون استخدامه صديقًا للبيئة إلا أن إنتاجه ونقله يؤدي لانبعاثات كربونية. فتصنيع بطاريات أيونات الليثيوم هو صناعة كثيفة الاستهلاك للطاقة عملية أثناء النقل والتي يمكن أن تتضمن بشكل روتيني شحن الليثيوم من تشيلي إلى الصين إلى اليابان أو كوريا الجنوبية وهي عملية في حد ذاتها تخلق بصمة كبيرة لثاني أكسيد الكربون على رأسها الشحن إلى الاتحاد الأوروبي لمدخلات إنتاج البطاريات.
ونقلت "يورو أكتيف" عن دراسة أوروبية سابقة أنه إذا كانت السيارة الكهربائية تستخدم بطارية 40 كيلو وات في الساعة، فإن انبعاثاتها المضمنة من التصنيع وحده ستكون مكافئة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن قيادة سيارة ديزل باستهلاك وقود يبلغ 5 لترات لكل 100 كيلومتر قبل أن تقطع السيارة الكهربائية مترًا واحدًا.
كنز ثمين لصناعات نوعية "تنافسية"
ووفقًا للمسح الجيولوجي الأمريكي، ارتفع استهلاك الليثيوم بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب استخدام بطاريات الليثيوم القابلة لإعادة الشحن في الأجهزة الإلكترونية المحمولة، وكذلك في الأدوات الكهربائية والمركبات الكهربائي.
ويشير المسح إلى ارتفاع إنتاج الليثيوم في جميع أنحاء العالم ليصل إلي 100 ألف طن.
ويتم استهلاك حوالي 74% من الليثيوم المنتج عالميًا في إنتاج البطاريات و14% من الليثيوم يتم استهلاكه في صناعات السيراميك والزجاج، بينما يستخدم 3% من مواد التشحيم.
وتعتبر أكبر البلدان المنتجة لليثيوم هي استراليا بإجمالي إنتاج يبلغ 55 ألف طن وتقوم بتصدير معظم إنتاجها من الليثيوم إلي الصين.
وتتوقع شركة تحليل البيانات والاستشارات البريطانية "جلوبال داتا" ارتفاع إنتاج أستراليا من الليثيوم بنسبة 24.5% في العام الحالي مع توسع في عمليات الاستخراج. وتمتلك أستراليا أيضًا أكثر من 5.7 مليون طن من احتياطيات الليثيوم المؤكدة، وفقًا للمسح الجيولوجي الأمريكي، الذي يضعها في المركز الثاني عالميًا من حيث الاحتياطيات.
وجاءت في المركز الثاني دولة تشيلي بإجمالي إنتاج المناجم يبلغ 26 ألف طن وعلى عكس أستراليا، يتم استخراج الليثيوم في تشيلي من مناجم الصخور الصلبة.
وتحتل تشيلي المركز الأول عالميًا في احتياطيات الليثيوم المؤكدة بإجمالي 9.2 مليون طن أي بإجمالي 48% من الاحتياطيات العالمية.
واحتلت الصين المركز الثالث في إنتاج الليثيوم بإجمالي يبلغ 14 ألف طن وفي حين أن إنتاج الليثيوم في الصين منخفض نسبيًا، إلا أنها تعد أكبر مستهلك لليثيوم بسبب التوسع في تصنيع الإلكترونيات وصناعات السيارات الكهربائية كما أنها تنتج أكثر من 75% من بطاريات الليثيوم في العالم.
وجاءت الأرجنتين في المركز الرابع في إنتاج الليثيوم بإجمالي إنتاح بلغ 6.2 ألف طن وتضم احتياطيات مؤكدة من الليثيوم بإجمالي 2.2 مليون طن.
وحلًت البرازيل في المركز الخامس بإجمالي إنتاج يبلغ حوالي 1.5 ألف طن وتخطط حكومة البرازيل لاستثمار أكثر من 2 مليار دولار حتى عام 2030 بهدف زيادة قدرة البلاد على إنتاج الليثيوم.
واحتلت زيمبابوي المركز السادس عالميًا في استخراج الليثيوم وبلغ حجم الإنتاج حوالي 1.2 ألف طن ويبلغ احتياطيات البلاد المؤكدة نحو 300 ألف طن.
واستحوذت مجموعة سينومين الصينية مؤخرًا على منتج الليثيوم الوحيد في زيمبابوي وتخطط الشركة لاستثمار 200 مليون دولار لزيادة الطاقة الإنتاجية.
واحتلت البرتغال المركز السابع عالميًا في استخراج الليثيوم بإجمالي إنتاج بلغ 900 طن متري، وعلى الرغم من الإنتاج المنخفض نسبيًا للبرتغال إلا أن احتياطيات الليثيوم في البلد الأوروبي تبلغ 60 ألف طن.