لا يريد الخمينيون أن يعترفوا بأن مشكلة العالم معهم هي في اعتدائهم على محيطهم العربي، بالإضافة إلى سعيهم لامتلاك قنبلة نووية.
يبرع الخمينيون في الهروب إلى الأمام من المشكلات الداخلية والخارجية التي تواجه إيران بسبب سياساتهم العدائية. يجترحون حلولا منقوصةً يوهمون بها العالم أن كل شيء تحت السيطرة.
ولكنهم في الحقيقة يدفعون الأزمة بأزمة أخرى مثلها أو أسوأ منها، فتتراكم الأزمات وتبقى البلاد تدور في حلقة مفرغة، لا شيء يتغير فيها سوى أن الإيرانيين يزدادون بؤساً، والخمينيون يزدادون غطرسة.
التحول إلى التومان كان آخر إنجازات العبقرية الخمينية في الحلول المنقوصة.
أخيراً قرر البرلمان الإيراني شطب أربعة أصفار من ورقة نقدية ليتخلص من مشكلة رزم المال الكثيرة التي يجب أن يحملها الإيراني إلى البقال كلما أراد شراء كيلوجرام من الطماطم أو علبة سجائر.
وكأن المشكلة هي في الأصفار وليس في قيمة العملة ذاتها. أو ربما يظن الخمينيون أن التحول إلى التومان بدلاً من الريال سينقذ اقتصاد طهران من العقوبات ويعيد الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد.
من الأمثلة الواضحة أيضاً على حلول الخمينيين المنقوصة وسياستهم في دفع الأزمة دون حلها، يأتي الانسحاب المتدرج لإيران من الاتفاق النووي الذي أبرمته مع القوى الست الكبرى في العالم.
أراد خامنئي وعصبته بهذا الانسحاب الضغط على الولايات المتحدة للعودة إلى الاتفاق. أو دفع بقية أطراف الاتفاق نحو التمرد على واشنطن ومعاداتها كرمى لطهران، لكن لم يكن له لا هذا ولا ذاك.
لا يريد الخمينيون أن يعترفوا بأن مشكلة العالم معهم هي في اعتدائهم على محيطهم العربي، بالإضافة إلى سعيهم لامتلاك قنبلة نووية.
لا يقل أحد هذين الأمرين أهمية عن الآخر. وأي اتفاق مع العالم لا يشملهما سوياً يبقى منقوصاً وغير قابل للحياة، مهما حاول الإيرانيون إقناع أنفسهم بغير ذلك.
في استهداف الملاحة الدولية في مياه الخليج العربي العام الماضي مثال آخر على الحلول الإيرانية المنقوصة. فقد شن الخمينيون هجمات تخريبية على ناقلات نفط في الخليج، لإجبار الولايات المتحدة على رفع العقوبات عنهم خوفاً على إمدادات الذهب الأسود عالمياً.
ولكن النتيجة كانت مزيدا من الرقابة على سواحل إيران، عبر تحالف دولي تقوده أمريكا لحماية التجارة الدولية من عربدة الحرس الثوري في مياه تبحر فيها عشرات آلاف السفن والناقلات سنوياً.
وكما في البحر، فشلت إيران في البر بالضغط على الولايات المتحدة عبر هجمات متفرقة على القوات الأمريكية والمصالح الحيوية لحلفاء واشنطن في المنطقة.
فكان الرد الأمريكي بقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، ومعه العقل المنظم لمليشيات طهران في العراق أبي مهدي المهندس. بضربة واحدة أرعبت الخمينيين وأتباعهم في سوريا والعراق واليمن ولبنان.
لا يريد الخمينيون أن يعترفوا بأن مشكلة العالم معهم هي في اعتدائهم على محيطهم العربي، بالإضافة إلى سعيهم لامتلاك قنبلة نووية.
محاولات الخمينيين البائسة لمعاقبة الولايات المتحدة على انسحابها من الاتفاق النووي جرت عليهم قتل سليماني. وهنا وجدوا أنفسهم أمام أزمة أكبر تتعلق بكيفية تعويض هذا الرجل الذي كان أهم أعمدة الحكم. وأيضا كيفية الانتقام له حفاظاً على ماء وجههم أمام أتباعهم وأنصارهم داخل البلاد وخارجها.
لم يوفق بديل سليماني في لم شمل مليشيات إيران في الخارج بعد، وتورط الخمينيون في انتقام ركيك وهزيل للرجل الذي كان يقود مصالحهم في المنطقة لعقود.
في الانتقام الأعمى لسليماني لم يسقط جندي أمريكي واحد في المنطقة أو أي مكان آخر حول العالم. وإنما أسقط الخمينيون طائرة أوكرانية أقلعت من مطار طهران وعلى متنها 176 مدنياً ينتمون لدول عدة. فزاد هذا الانتقام من عزلة إيران، وقلص من رقعة المخدوعين والمغشوشين بقوة الخمينيين.
بعدما أخفق الخمينيون في الانتقام لسليماني راحوا ينادون بطرد القوات الأمريكية من المنطقة العربية. دفعوا بمليشياتهم في العراق لاستهداف معسكرات الأمريكيين بقليل من قذائف الهاون أو صواريخ الكاتيوشا بين الفينة والأخرى.
ولكن في كل مرة يحدث هذا ترد واشنطن بحرق الأرض تحت أقدام المهاجمين، وتهيل التراب على معسكرات المليشيات ومواقعها بعديدها وعتادها.
غرقت إيران أكثر في أزمة الانتقام لسليماني. ولم يعد أمام الخمينيين إلا الكذب بمقاومة الأمريكيين في المنطقة.
تماماً كما يكذبون في مقاومة إسرائيل. فما الحروب المقدسة التي تخوضها دولة الخميني، إلا وهم سجنت به أتباعها في كل الدول التي تهيمن عليها.
لم تنته الحلول المنقوصة هنا، فحل المقاومة المزعومة بحد ذاته انقلب إلى مأزق كبير يعيشه الخمينيون اليوم.
لم يعد بوسعهم التهديد بإزالة إسرائيل من الوجود كما كانوا يفعلون سابقاً. لم يعودوا يجرؤون على ذلك، والدليل هو تلك الدقة التي ينتقي بها زعيم حزب الله اللبناني مصطلحاته كي لا يؤخذ عليه الدعوة إلى الحرب.
يحذف حسن نصر الله كل كلمة أو جملة في خطاباته ومقابلاته قد تفسر عليه بأنه يريد مهاجمة إسرائيل. ويؤكد دائماً على أنه مقاوم يدافع عن نفسه فقط، ولكن في الحقيقة لم يعد يفعل حزب الله وأمينه لا هذا ولا ذاك.
وليس أسوأ من ادعاء "المقاومة" إلا التفاخر بالهيمنة على أربع عواصم عربية. فتلك الهيمنة التي يحاول الخمينيون التمسك بها في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، باتت اليوم عبئاً عليهم. فهي تثقل كاهل الاقتصاد الإيراني، وتضيق الخناق عليهم سياسياً.
فأذرعهم التي يهيمنون بها على هذه الدول تدرج تباعاً على قوائم الإرهاب. وما فعلته ألمانيا مؤخرا بتصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، هو مجرد فاتحة لحقبة جديدة في التعامل الأوروبي مع النظام الإيراني ومليشياته.
قائمة محاولات الخمينيين البائسة في الهرب من أزماتهم طويلة جداً، وهم يدركون أنها لم ولن تجدي نفعاً. لن يصلح العطار ما أفسده الدهر. لأن المشكلة بكل بساطة تكمن في نظام زلاية الفقيه.
وهذه المشكلة لا ينفع فيها حذف الصفر من سنوات هذا النظام الأربعين، ولا بزيادة صفر لها لتحتسب بالمئات وليس العشرات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة