قمة العشرين.. هل تكون الهند جسرًا بين الغرب والجنوب؟
في وقت أصبحت فيه الهند أكبر دولة في العالم متجاوزة الصين، وخامس أكبر اقتصاد في العالم متجاوزة بريطانيا القوة المستعمرة سابقا، باتت قمة العشرين على موعد مع عملاق جديد، سيكون له تأثير دولي كبير.
تأثير بدا واضحًا في الاستقبال الحافل الذي حظي به رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في واشنطن وباريس وأماكن أخرى، "لتكون قمة العشرين التي أطلقت أعمالها اليوم السبت مناسبة تحتفي فيها نيودلهي بتربعها على الساحة الدولية كقوة كبرى ذات صوت مستقل وهو مقتنع بأن وقته قد حان"، بحسب تانفي مادان من معهد بروكينغز.
وتنظر الولايات المتحدة إلى أكبر ديمقراطية في العالم باعتبارها حليفا طبيعيا قادرا على مواجهة دور الصين الذي يتزايد قوة، وبين الطرفين نزاع حدودي طويل الأمد، لكن الهند أثارت استياء واشنطن برفضها عزل روسيا بعد العملية العسكرية في أوكرانيا في ظل العلاقات التاريخية الوثيقة بين نيودلهي وموسكو.
فهل تستطيع الهند أن تكون جسرًا بين الغرب والجنوب؟
من خلال رئاستها لمجموعة العشرين، تحاول الهند تخفيف ثقل الوضع الجيوسياسي والسعي الى تحقيق إجماع حول إعادة هيكلة الديون أو التغير المناخي.
وتقول أليسا أيريس من جامعة جورج واشنطن إنه ليس من المفاجئ أن تبقى الهند التي كانت على رأس حركة دول عدم الانحياز خلال الحرب الباردة، "مستقلة جدا".
وأضافت أن الهند لا ترى أي تناقض في "اللعب على كل الجبهات" مؤكدة على سبيل المثال أن نيودلهي تسعى إلى جعل رئاستها لمجموعة العشرين "جسرا بين الاقتصادات العالمية الكبرى واقتصادات الجنوب".
وأشادت إدارة بايدن بشكل متكرر بقيادة مودي وقالت إنها تعتزم العمل معه لضمان بقاء مجموعة العشرين المنتدى الرئيسي للتعاون الاقتصادي العالمي.
وشدد مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن جايك سوليفان هذا الأسبوع على أن الولايات المتحدة تعتزم إثبات أن مجموعة العشرين، المنقسمة جدا، يمكن أن تكون فعالة في وقت تتصاعد قوة تحالف آخر للاقتصادات الناشئة هو مجموعة بريكس.
وفي إطار سعيها لأن تصبح لاعبا عالميا من الصف الأول، كانت الهند تتبنى بشكل دائم رؤية لعالم متعدد الأقطاب كما تقول أبارنا باندي الخبيرة في معهد هادسون، مضيفة أن "علاقات الهند القوية مع الجنوب العالمي - عالم عدم الانحياز سابقا - تجعلها جسرا مثاليا للولايات المتحدة وحلفائها".
ورغم ذلك، لم يشارك الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين في أعمال قمة العشرين، وهو غياب يرجح أن يستفيد منه بايدن لمصلحته.
قوة صاعدة
وتقول وكالة "أسوشتد برس"، إنه قبل استضافة الهند لقمة مجموعة العشرين للاقتصادات الرائدة، دعا رئيس وزرائها 125 دولة معظمها من الدول النامية إلى اجتماع افتراضي في يناير/كانون الثاني الماضي، للإشارة إلى مساعي نيودلهي لأن تكون قائدة على المسرح العالمي.
ومع دخول الزعماء إلى الاجتماع الافتراضي، أدرج رئيس الوزراء الهندي مودي التحديات الرئيسية التي قال إنه يمكن معالجتها بشكل أفضل إذا كان للدول النامية حصة أكبر في النظام العالمي الناشئ: جائحة كوفيد-19، وتغير المناخ، والإرهاب، والحرب في أوكرانيا، قائلا: "العالم في حالة أزمة. معظم التحديات العالمية لم يخلقها الجنوب العالمي. لكنهم يؤثرون علينا أكثر".
وبحسب الوكالة الأمريكية، فإن الهند تعهدت بإسماع صوت ما يسمى بالجنوب العالمي - وهو عبارة عن مساحة واسعة من البلدان النامية في الغالب، والعديد منها مستعمرات سابقة، في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأوقيانوسيا ومنطقة البحر الكاريبي.
ولم يكن مستغربا أن تعلن الهند من نيودلهي انضمام الاتحاد الأفريقي إلى عضوية دائمة في مجموعة العشرين خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال القمة.
لكن الهند لم تروج لنفسها باعتبارها جسراً إلى العالم النامي فحسب، بل وأيضاً باعتبارها لاعباً عالمياً صاعداً، ووسيطاً بين الغرب وروسيا.
وقال ميلان فايشناف، مدير برنامج جنوب آسيا في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن التغلب على الانقسامات بين الكتل العالمية المختلفة بشأن حرب روسيا في أوكرانيا سيكون بمثابة "عمل دبلوماسي رفيع المستوى" بالنسبة للهند.
ولم تسفر أي من اجتماعات مجموعة العشرين العديدة هذا العام عن إصدار بيان رسمي، حيث استخدمت روسيا والصين حق النقض، فيما قال مدير ومؤسس مجموعة العشرين البحثية جون كيرتون، إنه إذا لم يكسر الزعماء هذا الجمود خلال عطلة نهاية الأسبوع، فقد يؤدي ذلك إلى المرة الأولى التي تنتهي فيها قمة المجموعة دون إصدار بيان، وهي انتكاسة غير مسبوقة للمجموعة.
لكن المؤشرات التي خرجت من أروقة القمة تؤكد أن البيان الختامي جاهز وفي انتظار اللمسات الأخيرة.
وبينما يلقي الانقسام بشأن أوكرانيا بظلاله على مجموعة العشرين، ركزت الهند على القضايا التي تؤثر على البلدان النامية، مثل انعدام الأمن الغذائي والوقود، وارتفاع التضخم، والديون وإصلاحات بنوك التنمية المتعددة الأطراف. وفي محاولة لجعل مجموعة العشرين أكثر شمولا.
شعور سلبي
وقال هابيمون جاكوب، مؤسس مجلس حماية البيئة ومقره نيودلهي، إن العديد من دول مجموعة العشرين تريد التركيز على استدعاء روسيا، لكن بالنسبة لعدد من الدول النامية التي تتعامل مع الصراعات المحلية والأحداث المناخية المتطرفة، فإن حرب أوكرانيا لا تمثل أولوية كبيرة.
جاكوب أضاف: "هناك شعور (في الجنوب العالمي) بأن الصراعات في أجزاء أخرى من العالم، سواء كانت أفغانستان أو ميانمار أو أفريقيا، لا تؤخذ على محمل الجد من قبل الدول المتقدمة أو في منتديات مثل مجموعة العشرين".
وأشار تقرير صادر عن وحدة الاستخبارات الاقتصادية في مارس/آذار الماضي، إلى تزايد الدعم لموسكو من العالم النامي، مع انخفاض عدد الدول التي تدين روسيا من 131 إلى 122، مضيفًا أن "بعض الاقتصادات الناشئة تحولت إلى موقف محايد".
وأضافت أن عدد الدول التي تميل نحو روسيا قفز من 29 دولة قبل عام إلى 35 دولة. وقد انتقلت جنوب أفريقيا ومالي وبوركينا فاسو إلى هذه المجموعة، مما يسلط الضوء على نفوذ موسكو المتزايد في أفريقيا. وظلت الصين أبرز الدول التي تميل نحو روسيا.
وضع جيوسياسي
وبحسب مدير برنامج جنوب آسيا في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، ميلان فايشناف، فإن الهند في "وضع جيوسياسي جيد"؛ كون اقتصادها من بين أسرع الاقتصادات نموا بين الدول الكبرى، ولديها عدد كبير من السكان في سن العمل، ولم يؤد موقفها المحايد بشأن الحرب الأوكرانية إلا إلى تعزيز نفوذها الدبلوماسي في مجموعة العشرين.
وقال فايشناف إن مودي يعمل حتى الآن على الترويج لشعور مفاده أنه "في ضوء المشهد الجيوسياسي، يحتاج العالم إلى الهند بقدر ما تحتاج الهند إلى العالم ــ إن لم يكن أكثر".
وأضاف: "لكن الخطر يكمن في أنه إذا رأينا عدم استقرار داخلي بحيث تبدأ الشركات والحكومات في التحوط على رهاناتها، وإذا لم يعد يُنظر إلى الهند على أنها تفي بقدرتها على مواجهة الصين... فقد تكون هناك بعض التكاليف الدبلوماسية".
aXA6IDMuMTQ4LjEwOC4xNDQg
جزيرة ام اند امز