كشفت وسائل التواصل الاجتماعي عن واقع تأثير الجمهور على الفرد.
ذلك أن تأثير الانغماس ضمن مجموعة من البشر ينتج طبيعة مختلفة للفرد لا تشبه حقيقته وشخصيته.
وفي الحياة اليومية قد تصلنا رسائل عبر "واتس آب" تتحدث عن قضايا لا تمت للواقع بصلة من أشخاص يحملون شهادات عليا، أو ربما يصدر تصرف معين من فرد خلال انضمامه إلى مجموعة بلا وعي منه.
الحقيقة أن هذا ليس بالأمر الجديد، فلطالما تصرف الإنسان كفرد بشكل مختلف تماماً بالمقارنة بتصرفاته ضمن مجموعة، وهذا ما تنبه إليه كتاب كثر، ومن ضمنهم الكاتب غوستاف لوبون، الذي فصل الفكرة في كتابه الشهير سيكولوجية الجماهير؛ حيث أشار إلى أن الجماهير غير قابلة للتأمل وغير مؤهلة للمحاكمة العقلية، ولكنها مؤهلة جداً للانخراط في الممارسة والعمل، ويرى لوبون أن الفرد يتصرف بشكل مختلف تماماً عن ماهيته في حال انغماسه في مجموع يحمل طبيعة نفسية متشابهة.
ورغم التغيرات الكبيرة في واقعنا اليوم مقارنة بالزمن الذي طرح فيه غوستاف لوبون فكرته، فإن الجماهير أيا تكن ثقافتها أو عقيدتها أو مكانتها الاجتماعية تتشابه حتى وإن تغيرت الأزمنة والأمكنة، حيث تنصهر شخصية الفرد وتتحكم المشاعر في تحركاته وتذوب الشخصية الواعية ويتم توجيه الأفكار في اتجاه واحد باستغلال الانفعالات لكي يتحقق الهدف الأعلى للمجموع في عملية تشبه التنويم المغناطيسي.
إن الوعي مرتبط دائماً بالفرد، فهو يمثل الاتزان العقلي والتفكير المنطقي، أما المجموع فعادة يتحرك بشكل لا واعٍ تغلب عليه ردات الفعل العاطفية، وهو بحاجة إلى نموذج وقيادة تحركه تفرض نفسها بواسطة الكلمات الرنانة أو الخطابات الحماسية.
ولعل الحديث عن طبيعة شخصية الفرد والمجموع يطرح تساؤلاً حول الانتماء إلى المجموع كفكرة أو حزب أو جماعة من دون مناقشتها ومحاكمتها عقلياً، فلماذا يستميت البعض في الدفاع أو الانتماء إلى جمهور رغم التباعد الزمني أو الجغرافي بين مصدر الفكرة ومعتنقيها؟
إن شخصية الفرد يجب أن تبقى قوية أمام تيار الجماهير التي عادة تكون عاطفية غير واعية، لا سيما إن اختلط فيها الديني بالسياسي، ما ينزع الفرد من محيطه ليدخله في محيط آخر وجمهور آخر، وليحمله قضايا ليست بقضاياه.
ورغم رغبة الفرد في البحث عن إطار يشده إلى مجموعة ممن يعتقد أنهم يشابهونه، ليجد لديه عزاءه من عزلته وتشتته، في سبيل البحث عن الحرية، فإن قيمة الفرد في الجماعة أو الحزب لا تساوي شيئاً، وقد تتم التضحية به في أي وقت متى ما استدعت الحاجة، ولذلك ركزت التعاليم والقوانين على الفرد وجعلته المسؤول الأول والأخير عن أفعاله وأفكاره وتحركاته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة